English

هل تشق باكستان بحر العرب نحو المنطقة؟

English

هل تشق باكستان بحر العرب نحو المنطقة؟

The well connected Pakistan

بلدٌ من 185 مليون نسمة على اتّصال دائم بالإنترنت. (الصورة من "بروباكستاني" Propakistani.pk)

تتشابه باكستان مع منطقة الشرق الأوسط من حيث إساءة تصويرها في الإعلام، ومن حيث وجود بيئة ريادية مزدهرة فيها، غير أنّه لا يوجد الكثير من النشاطات الريادية بين المنطقتَين بعد.

عام 2015، توسّع عددٌ من الشركات الناشئة التقنية الباكستانيّة نحو دبي والسعوديّة، ما كشف عن علاقات وروابط تنشأ بين هذا البلد ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فضلاً عن ذلك، وجد تحقيقٌ قامت به "ومضة" أنّ الكثير من الشركات الأخرى تركّز أنظارها على المنطقة [وتسعى للتوسّع إليها].

في هذا الإطار، شاركت الشركة السويديّة "فوستوك نيو فينتشرز" Vostok New Ventures في جولة تمويل بلغت قيمتها 9 مليون دولار لموقعٍ "زامين.كوم" Zameen.com الباكستاني للعقارات، في شهر أيلول/سبتمبر. واستثمرَت مليوني دولار ضمن هذه الجولة في الشركة القابضة التي تمتلك 70% من "زامين" و100% من "بيوت.كوم" Bayut.com في الإمارات.

وكان "زامين"، الموقع الإلكتروني المخصّص للعقارات الذي أنشئ عام 2006 واتخّذ من مدينة لاهور مقراً له، قد أطلق "بيوت" عام 2008.

بالنسبة إليهم، شكّلت قدرتهم على التوسّع إلى أسواق أخرى جاذباً للاستثمارات الأجنبيّة. وبحسب مدير التسويق الإلكتروني في "زامين"، شهريار قريشي، "تطلّب الحصول على استثمار عدة سنين، لكنّ [توسّعنا] أدّى دوراً كبيراً في مساعدتنا على الحصول عليه، لأنّه عندما تنظر صناديق التمويل والشركات الأجنبيّة إلى شركتك يهمّها قدرتها على التوسّع."

وفيما تشمل مخطّطات "بيوت" في هذا العام التوسع إلى السعوديّة وقطر والبحرين، يشير قريشي إلى أنّ السعوديّة تستضيف أكثر من 1.5 مليون باكستاني يستخدمون "زامين" وأنّهم "يشكّلون حوالي 4% من مستخدمي ‘زامين‘ في الشهر، والذين يبلغ عددهم 2.1 مليون تحديداً."

من جهةٍ أخرى، سلّطت الصفقة التي قامت بها "نصيب نتووركس إنترناشونال" Naseeb Networks International الضوء على الروابط التي تنشأ بين باكستان والشرق الأوسط.

هذه الشركة التي تدير كلّاً من "روزي" Rozee.pk والموقع الإلكتروني للتوظيف "مهنتي" Mihnati.com، أعلنت في أيّار/مايو عن جمعها لمبلغ 6.5 مليون دولار خلال جولة تمويل ثالثة.

وللمرة الثانية، قاد هذا التمويل الثنائي السويدي والبريطاني "فوستوك" و"بيتون كابيتال" Piton Capital، فيما ضمّت لائحة المستثمرين كلّاً من "درايبر فيشر جورفتسون" Draper Fisher Jurvetson و"إي بلانت كابيتال" ePlanet Capital من وادي السيليكون.

مدخل سوق الهواتف الذكيّة في مدينة لاهور (الصورة لـ رايتشل ويليامسون)

باكستان لا يستهان بها

تجذب باكستان رأس مال مخاطر أجنبي أكبر بكثير من ذلك التي تجذبه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.  

فعلى سبيل المثال، ترى "فوستوك" أنّ باكستان بلدٌ على حافة النموّ والتطوّر عندما يتعلّق الأمر بجودة الإنترنت كخدمة الجيل الثالث 3G. وفي تقرير فصلي من عام 2015، أفادَت أنّ "إطلاق خدمة الجيل الثالث في الهند شكّلت السبب الرئيسي وراء إتاحة الإنترنت لعددٍ أكبر من الناس عبر الهواتف الذكيّة وشبكة الجيل الثالث."

أمّا عن باكستان، فتقول شركة "فوستوك" إنّ "باكستان بلدٌ له تاريخ مليئ بالاضطرابات، والاهتمام بالاستثمار فيه لا يقارب ذلك الذي تثيره الهند المجاورة له." إلاّ أنّه، ورغم سوقه الفتيّة التي تعود إلى قلّة الاستثمارات، فإنّ هذا البلد الذي يصل عدد سكّانه إلى 185 مليون نسمة و"يتضمّن طبقة متوسطّة كبيرة وراقية، يمثّل فرصة مهمّة لمستثمِرٍ مثلنا."

كذلك، تثير باكستان اهتمام شركة الاستثمارات "فرونتير ديجيتال فينتشرز" Frontier Digital Ventures من العاصمة الماليزيّة كوالالمبور، وهي التي استحوذَت عام 2014 على 30% من "زامين" وجمَعت 3.5 ملايين دولار لـ"باك ويلز" Pakwheels.com.

كلّ ذلك، فضلاً عن تلقي هذا البلد لمبالغ هائلة من المساعدات التي تصل إلى 7.5 مليارات دولار من الولايات المتحدّة، و46 مليار دولار من الصين.

ولكن بحسب "بلومبرغ" Bloomberg، رغم هذا الاهتمام والأموال ووجود قطاع مزدهر لتكنولوجيا المعلومات، تُعدّ سوق باكستان من الأسواق شبه الناشئة (الصاعدة)، ما يعني أنّها لم تصل بعد إلى صفة الأسواق الناشئة لكنّها تأمل ذلك قريباً. ويُذكر هنا أنّ الإمارات وقطر كانتا في هذه الفئة إلى أن تمكنّتا من تخطًيها.

على الصعيد العالمي، لا تزال باكستان لاعباً صغيراً في عالم التكنولوجيا.

فمبيعاتها في مجال تكنولوجيا المعلومات لهذا العام التي تساوى 2.8 مليار دولار والتي يأتي 1.6 مليار دولار منها مقابل خدمات التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيّات المصدّرة إلى الخارج، لا تشكّل سوى نقطة في بحر السوق العالمية التي تساوي 3.2 تريليون دولار، كما أنّها صغيرة جدّاً أمام صادرات الهند في البرمجيّات التي تساوي 100 مليار دولار في العام.

ومع ذلك، يوجد في باكستان نحو 1500 شركة مسجّلة تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات ويدخل إلى سوق العمل حوالي 10 آلاف خرّيجٍ في هذا المجال سنويّاً.   

وفي هذا البلد الذي يشهد نسبة قبول مرتفعة للتكنولوجيا، من المتوقّع أن يؤدّي انتشار خدمات الجيل الرابع 4G في البلد بكامله، بالإضافة إلى ضخّ الصين لهواتف ذكيّة زهيدة الثمن، إلى زيادة عدد مستخدمي الهواتف الذكيّة الذين تتراوح نسبتهم حالياً بين 15 و18% من 180 مليون نسمة.  

بيئة رياديّة فتيّة

نظراً لأنّ البيئة الريادية في باكستان لا تبلغ سوى بضعة سنوات من العمر، والسوق المحليّة كبيرة جدّاً، لا تزال أغلب الشركات الناشئة الباكستانيّة متأخرّة بعض الشيء عن التوسّع في الخليج.

وفيما يتعلّق بنقطة انطلاق البيئة الرياديّة الباكستانيّة، غالباً ما تُنسَب إلى دخول وانتشار العمل الحرّ في تكنولوجيا المعلومات عالميّاً إلى البلاد.    

خرّام ظفر، مدير (وداعم) "مركز ريادة الأعمال في "جامعة لاهور للعلوم الإداريّة".

في هذا السياق، يشير خرّام ظفر، مدير "مركز ريادة الأعمال" Center for Entrepreneurship الذي كان سابقاً مخزناً وتحوّل إلى مركز للشركات الناشئة في حرم "جامعة لاهور للعلوم الإدارية" LUMS، في حديثه مع "ومضة"، إلى أنّه حين بدأ الطلب على المبرمجين بدوام حرّ يتزايد في أوائل العقد الماضي عمل الكثير من الباكستانيين في هذا المجال كعملٍ إضافي. بعد ذلك تحوّلت هذه الأعمال بدوام حرّ إلى أعمالٍ بدوام كامل ومشاريع، وأدّت تدريجياً إلى إيجاد فكرة إنشاء الشركات والتأكيد أنّها ليست مستحيلة.

ولكنّ البيئة الرياديّة كانت أبطأ من هؤلاء الشباب فمنذ ثلاث سنوات، لم يكن هناك سوى مساحة عمل مشتركة واحدة في العاصمة إسلام آباد، كانت قد بدأت كحاضنة أعمال.

وفي عام 2012، تم إطلاق حاضنة الأعمال التكنولوجيّة "بلان 9" Plan 9 المموّلة من الحكومة. ومنذ ذلك الحين، نشأت على الأقلّ 27 منظّمة دعم أخرى تحظى بعدد هائل من الطلبات عند كلّ دفعة، بحسب مدير برامج "بلان 9"، أزير شهيد.

يقول شهيد إنّ 20 شركةً من الشركات الناشئة التي بلغ عددها 80 شركة متخرّجة من "بلان9" قد حصلت على تمويل من مجتمع الأعمال المحلّي، وإنهم في طور توسيع هذا المفهوم ليشمل مدن أخرى. وإلى حين كتابة هذا المقال، كان هناك خمس حاضنات أعمال من "بلان9" ضمن جامعاتٍ في جميع أنحاء البلد.

أمّا المشكلة الأساسية التي تواجهها الشركات في هذه السوق فتكمن في الأموال، إذ أنّه رغم وجود صناديق تمويل جنبيّة وسكّان محليين أثرياء مستعدّين لاستثمار أكثر من مليون دولار في شركة تكنولوجيا مربحة، هناك نقصٌ في الاستثمار التأسيسي وفي منظّمات الدعم التي تحاول تثقيف الباكستانيين عن موضوع الاستثمار المبكر في أولى مراحل الشركات الناشئة العاملة في اقتصاد المعرفة.   

وفي الوقت الحالي، يوجد في هذا البلد 57 شركة استثمار تأسيسي مسجلّة.

مناخ هادئ أمام كلية إدارة الأعمال في "جامعة لاهور للعلوم الاداريّة" التي تستضيف حاضنة "مركز ريادة الأعمال".

التوسّع نحو الهند  

يتمحور حلم العديد من الشركات الناشئة الباكستانيّة حول التوسّع إلى الهند التي يصل عدد سكّانها إلى1.3 مليار ويفوق عدد سكّان باكستان بكثير، في وقتٍ يبلغ عدد سكّان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من اليمن إلى المغرب، 355 مليون نسمة.

لكنّ العلاقات السياسيّة المتوتّرة بين هذين البلدين تمنع انعقاد أيّ روابط جدّية في مجال الأعمال.

فهيم ممتاز الذي أسّس عام 2007 موقع "بايبر بي كاي" PaperPk.com لإعادة نشر الإعلانات المبوّبة والمناقصات من جرائد البلاد الكثيرة على الإنترنت، يريد أنّ يتوسّع بهذا الموقع إلى الهند. ولكن حسبما يقول لـ"ومضة"، حين علم الشركاء الإعلاميون المحتملون أنّ الشركة باكستانيّة فقدوا اهتمامهم بالشراكة، والحلّ الوحيد كان في تأسيس شركة مختلفة مع شريكٍ هندي.

لهذا السبب، يشكّل الخليج لبعض الشركات الناشئة (منها شركة ممتاز الذي يقول إنّه قد يذهب إلى الغرب عوضاُ عن الشرق)، سوقاً أسهل للتوسّع إليها.  

بدورهم، يطمح المؤسسون الشباب الخمسة لشركة "بانتيرا إنرجي" Pantera Energy لاستيراد وتركيب ألواح الطاقة الشمسيّة والتي انطلقت عام 2014 للاستفادة من الاهتمام الباكستاني الجديد بالطاقة الشمسيّة، أن تنجح وتتألّق شركتهم في سوق الشرق الأوسط بحلول عام 2017.

الشركاء المؤسسون لـ"بانتيرا أنرجي": من اليسار إلى اليمين، سيّد طيب علي، فاروق سعيد، محمّد شعيب، تيمور تانفير، تحسين قريشي.

ويقول الشريكان المؤسِّسان، تيمور تانفير وفاروق سعيد، لـ"ومضة"، إنّ المنطقة، وليس الخليج بالضرورة، مثاليّة لتخطو شركات الطاقة الشمسيّة الباكستانيّة خطوتها الثانية.  

يشير تانفير إلى أنّه رغم سوق الطاقة الشمسية الصغير في بلدان مجلس التعاون الخليجي حيث كلفة الطاقة المدعومة أدنى من كلفة تركيب الألواح الشمسيّة، فإنّ بلداناً أخرى مثل الأردن تعاني من شحٍّ في انتاج الطاقة، وهذه هي البلدان التي يستهدفونها.

بالإضافة إلى ذلك، تتمتّع "بانتيرا" بميزةٍ إضافيّة في هذا المجال إذ إنّها تمكّنت من تكوين معارف في قطاع الأعمال في دبي.

التحدّيات والمعوّقات

يجدر الذكر أنّ اندفاع وقدرة الشركات الناشئة الباكستانيّة للتوسّع نحو الشرق الأوسط قد تعوّقه إمكانيّات السوق الباكستانيّة المحليّة.

في منتصف عام 2013، في مدينة كراتشي التي يصفها الباكستانيون بمنافسة القاهرة من حيث الحياة والنشاط، شارك فرزل دوجكي في تأسيس مساحة العمل المشتركة وحاضنة الأعمال "ذا دوت زيرو" theDotZero.

يعتقد دوجكي أنّ في باكستان اليوم نوعين من الشركات الناشئة: الأوّل وهو يساوي 25%، هي شركات بيع البرمجيّات كخدمة SaaS التي تتخطّى حدود باكستان ويمكنها التوسّع عالميّاً؛ والثاني يساوي 75%، وهو يقتصر على الشركات المرتكزة إلى أفكار تلبّي حاجات السوق الباكستانيّة فقط مثل افتتاح مصبغة محليّة أو شركة لتغيير زيت محرّك السيّارة ذات عدّة فروع.

المشكلة التي ستواجه شركات الفئة الثانية هي أنّها عندما تفرغ من تلبية حاجات السوق المحليّة التي تضمّ 188 مليون نسمة، سيكون قد فات الأوان للتوسّع عالميّاً.  

ناهيك عن ذلك، فإنّ الشركات التي توسّعت إلى الخارج هي الشركات الكبرى القليلة التي يمكنها القيام بذلك، وفقاً لسعد حميد من حاضنة الأعمال في اسلام آباد، "إنفست تو إنوفايت" invest2innovate.

في الإجمال، لا تزال البيئات الريادية في كلٍّ من باكستان والمنطقة العربية فتيّة، لذلك ليس من المفاجئ قلّة الروابط بين هاتين المنطقتين البعيدتين جغرافيّاً. ولكنّ العوامل والمكوّنات الأساسيّة التي تؤسِّس لتعاونٍ كبير ونموٍّ متبادل للشركات الناشئة المناسبة في القطاع المناسب موجودة.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.