عربي

'روكيت إنترنت' تشتري 'أطلب' بسعر منخفض: ما الذي جرى؟

English

'روكيت إنترنت' تشتري 'أطلب' بسعر منخفض: ما الذي جرى؟

قامت شركة "روكيت إنترنت" Rocket Internet الألمانية بشراء الموقع المصري لطلب الطعام، "أطلب.كوم" Otlob.com، بسعرٍ منخفض، وذلك في إطار صفقة استحواذٍ أعلن عنها قبل يومين.

وفيما التزم الطرفان بعدم الكشف عن أيّ أرقامٍ تتعلّق بهذا هذا الاستحواذ، استطاعت "ومضة" أن تقدّر قيمة الصفقة بما يقارب 12 مليون دولارٍ أميركيّ، وهو مبلغٌ ليس بالمرتفع.

وبحسب وائل أمين، الشريك في "سواري فينتشر" Sawari Venture، ومؤسِّس "آي تي ووركس" ITWorx، والذي كان المالك الأوّل لـ"أطلب"، فإنّه جرّاء عملية البيع هذه تمّ خسارة ما يقارب 250 مليون دولار، بسبب النقص في الاستثمارات في الشركة خلال العقد الأوّل من الألفية الثانية.

وذلك لأنّ "أطلب" نمَت بمعدّلاتٍ قريبةٍ من تلك التي نمَت فيها شركاتٌ مماثلةٌ من المنطقة، مثل طلبات" Talabat الكويتية و"يميكسيبيتي" Yemeksepeti التركية و"آي فود" ifood.jo الأردنية، وبالتالي كان من الممكن أن تُباع الشركة المصرية هذه في صفقةٍ قد تكون الأكبر بين الشركات الناشئة في المنطقة.

تُظهِر هذه القصّة إذاً كيف وصلت شركةٌ ناشئةٌ كانت السبّاقة في مجال طلب الطعام عبر الإنترنت في المنطقة، إلى أن تصبح منافِسةً لشركاتٍ حديثة النشأة والنعمة. وهي يمكن أن تشكّل درساً حول كيفية هدر إمكانات شركةٍ جيّدة، بالإضافة إلى إعادة تصويب الاهتمام تجاهها أيضاً.

قصّة "أطلب"

قبل 15 سنةً، كانت "أطلب" شركةً ناشئةً تنمو بسرعة. ويقول لـ"ومضة" المؤسّس أيمن راشد، إنّ هذه الشركة التي أطلقَت عام 1999 كانت نتيجةً لتغيّر المجتمع: فقد ارتفع منسوب الازدحام في التسعينات، ما صعّب على الناس العودة إلى المنازل من أجل تناول الغداء فبات طلب الطعام إلى المكاتب مألوفاً.

من جهةٍ أخرى، كانت المطاعم بطيئةً في مجاراة هذا التحوّل؛ فخطّ الهاتف الوحيد الذي كانت تمتلكه، كان معدّاً للاتّصال بالمورّدين وليس لاستقبال الطلبات. ولذلك، أنشأ راشد بوّابةً إلكترونيةً مدعومةً بمركز اتّصالات يقوم باستقبال الطلبات ومن ثمّ إرسالها إلى المطاعم.

وبعد 7 أشهر، باع راشد البوابة إلى "آي تي ووركس" مقابل مبلغٍ رفض الإفصاح عنه، لكنّه أشار إلى أنّه يتراوح بين 150 ألفاً و300 ألف دولار. ثمّ بعد عامٍ واحد، باعَت "آي ووركس" الموقع إلى مزوّد خدمة الإنترنت "لينك دوت نت" LinkDotNet (التي أصبحَت "أو تي فينتشرز" OTVentures والآن "آي15" A15)، مقابل أربعة أضعاف مبلغ الشراء، بحسب أمين.

الشقوق في البارزة

في الوقت الحالي، يبدو من الواضح أنّ معدّلات النموّ هذه لم يحافظ عليها كلٌّ من "لينك دوت نت" و"أو تي فينتشرز". فعندما قامت "آي تي ووركس" بشراء "أطلب" كانت تحصل على 30 طلباً في اليوم، ومن ثمّ عند بيعها كانت الطلبات تصل إلى ألف طلب في اليوم.

أمّا في عام 2015، تكشف "ومضة" أنّ الشركة كانت تحصل على ما يقارب 3 آلاف طلب ٍفي اليوم. فوفقاً لمستندات الشركة، لديها أكثر من 200 ألف عميل وأكثر من 500 مطعم شريك، بالإضافة إلى هيمنةٍ لا مثيل لها على السوق المصرية.

لنقارن هذه المعدّلات مع معدّلات شركة "طلبات" التي تبلغ من العمر 11 عاماً: هذه الأخيرة نمَت من 700 طلبٍ يومياً و20 ألف مستخدِمٍ في عام 2010 إلى 25 ألف طلبٍ يومياً و500 ألف مستخدِمٍ في عام 2015، وهي تعمل في 6 بلدان خليجية.

والنتيجة، وصلت "طلبات" إلى أن تستحوذ عليها شركة "روكيت إنترنت" في شباط/فبراير الماضي، مقابل 170 مليون دولار، في صفقةٍ رسميةٍ هي الأكبر في تاريخ الشركات الناشئة في المنطقة.

وإذا ما قارنّاها مع "يميكسيبيتي"، فهذه الأخيرة أطلِقَت في عام 2000، ثمّ بيعَت في شهر أيّار/مايو هذا العام إلى الشركة الرائدة عالمياً في مجال طلب الطعام، "دليفيري هيرو" Delivery Hero مقابل 589 مليون دولار. هذه الشركة تتعامل مع 100 ألف طلبٍ في اليوم، ولديها 10 آلاف مطعم شريك، وتنشط في كلٍّ من تركيا والسعودية ولبنان وعُمان وقطر والأردن واليونان.

إذاً، لو أنّ "أطلب" كانت تعمل بمقاييس مشابهةً لتلك التي لدى "يميكسيبيتي" - 10 طلباتٍ من كلّ مطعمٍ يومياً - كانت ستحصل على 5 آلاف طلب ٍيومياً بدلاً من 3 آلاف، وقيمتها ستكون بحوالي 30 مليون دولار.

ولو أنّها استمرّت بالنموّ وفق معدّلٍ مماثلٍ لنظيرتها التركية أو أقلّ منه، فإنّ قيمتها ستكون أكثر بكثيرٍ من 12 مليون دولار.

نموٌّ بطيء

تمتلك السوق المصرية إمكاناتٍ كبيرة، إذ يساوي عدد سكّانها ضعف سكّان البلد الثاني الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، كما أنّ 23% من المصريين يستعملون الهواتف المحمولة؛ وبدورها، تمتلك "أطلب" أفضلية كونها من أوّل الفاعلين في مجال طلب الطعام على الإنترنت في المنطقة؛ ولكن، لماذا بالرغم من ذلك بقيَت متأخّرةً عن المنافسين الآخرين؟

السبب ينقسم بين الإدارة، والهوامش، وصعوبة السوق المصرية.

يقول أمين إنّه في السنوات التي كانت فيها "أطلب" جزءاً من "أو تي فينتشرز"، لم تحصل على الاهتمام الكافي أو الموارد اللازمة للنموّ، كما أنّهم لك يدركوا جيّداً إمكانات السوق.

هذا ما أكّده الرئيس التنفيذي لـ"آي15"، فادي أنطاكي، مشيراً إلى أنّ السبب الذي دفع "لينك دوت نت" إلى شراء الشركات العاملة على الويب في مطلع الألفية الجديدة يكمن في دفع المصريين إلى استخدام الإنترنت أكثر وأكثر. أمّا عمل "أطلب" الأساسي الذي يقوم على طلب الطعام فهو لم يكن ضمن أولويات "لينك دوت نت"، كما أنّ الانتشار الضعيف للإنترنت في ذلك الحين لم يكن مساعداً.

يشرح أنطاكي أنّ الشركة الناشئة "احتاجت بعض الوقت للحصول على التركيز الصحيح، وهي في الأساس لم تحصل على التمويل والتركيز المناسبَين... في ذلك الوقت، كان لدى ‘أو تي في فينتشرز‘ 4 شركاتٍ رئيسية تلقى الاهتمام الكبير، فيما الشركات الصغيرة الأخرى تُعتبر بمثابة منتَجاتٍ صغيرةً. وبالتالي، مع عدم إنشاء قسمٍ يركّز على هذه المنتَجات، فقد تاهت بين الشركات الكبرى الرئيسية."

في عام 2010، انتقلت "أطلب" إلى كنف "أو تي فينتشرز" حيث حصلت على بعض الاهتمام، إلاّ أنّها بقيت شركةً صغيرةً في محفظةٍ كبيرةٍ تضمّ شركات أكبر. وفي عام 2012، سبّب قرار التوسّع نحو السعودية "إرباكاً"، ثمّ ما لبثوا أن تراجعوا عنه بعد إدراك أنّ المنافسة في هذه الدولة الخليجية قويةٌ جدّاً وأنّ هذه الخطوة احتاجت إلى استثماراتٍ أكثر من المتوقَّع.

من ناحيته، يقول الشريك المؤسِّس في شبكة اكتشاف المطاعم "أنجزني" Engezni، أحمد أشرف، إنّ "أطلب" لم تسوّق لنفسها جيّداً على مرّ السنين، بالرغم من أنّها كانت تعمل براحةٍ كما يعتقد.

 وفيما يلفت إلى أنّ 80% من الطلبات التي تصل إلى "أطلب" كانت من سلاسل المطاعم الكبيرة، يشرح أنّ هذا الرقم معروفٌ جدّاً في قطاع الأغذية والمشروبات المحلّي، كما أنّ الشركة كانت بحاجةٍ للاستثمار في طرق جديدةٍ من أجل جذب الزبائن. ويقول في حديثٍ مع "ومضة": "أعتقد أنّ ‘أطلب‘ لم تبذل جهداً إضافياً لتسويق نفسها."

من جهةٍ أخرى، الهوامش الصغيرة كانت من المعوقات أيضاً.

يقول أمين إنّه عندما كانت "أطلب" مع "آي تي ووركس"، فهي كانت تقتطع من 2.5 إلى 3% عن كلّ طلب، ولا يعتقد أنّ هذا الأمر تغيّر مع مرور السنين.

في المقابل، تقتطع "طلبات" من 17 إلى 18% عن كلّ طلبٍ يصل إليها.

وفي الختام، بالرغم من أنّ السوق المصرية هائلةً بالمقارنة مع أيّ دولةٍ خليجية، وبالرغم من أنّها أكبر من السوق التركية، إلّا أنّها ليست بهذه السهولة.

شارك أشرف في تأسيس "أنجزني" كمنافسٍ لـ"أطلب"، في عام 2013، اعتقاداً منه ومن فريقه بأنّه يمكنهم أتمتة العملية بأكملها، إلّا أنّهم سرعان ما انسحبوا من هذا القطاع بالتحديد بعدما أدركوا بأنّ "أطلب" قد أتقنت نظامها من أجل السوق المصرية: مركز اتّصالاتٍ كبير يمكنه التعامل مع عددٍ كبيرٍ من الطلبات ومع المطاعم التي لا تزال بعيدةً عن التكنولوجيا.

ويقول أشرف إنّه إذا لم تستطع "أنجزني" الحصول على 3 آلاف طلبٍ في اليوم، فلا يمكنها تحقيق ما يكفي من المال. "لا توجد دولةٌ أخرى في المنطقة لديها مثل هذه الفرص الواعدة، ولكن لا يوجد دولة أخرى في المنطقة لديها مثل هذه التحديات الكبيرة."

الأخبار السارّة

الأخبار السارّة هي أنّ العامَين الأخيرَين شكّلا تحوّلاً نحو الأفضل بالنسبة إلى "أطلب".

ففي مطلع عام 2014، أصبح وليد السعدني المدير العام لهذه الشركة، بينما ترقّى أنطاكي ليصبح الرئيس التنفيذي في "أو تي فينتشرز".

وفي هذا الشأن، يقول أنطاكي إنّ الموارد بدأت تصل إلى "أطلب" بالفعل بدءاً من عام 2013، وذلك مع التركيز على الحصول على أصحاب المواهب المناسبين، وبناء نظامٍ مناسبٍ للتقارير والتحاليل، وتخصيص الاستراتيجية للنموّ في مصر أوّلاً، والاستثمار في التسويف والعلاقات مع المطاعم، وصولاً إلى تعزيز الجانب العملي.

وفي بيانٍ صحفيٍّ له نُشر قبل يومَين، قال أنطاكي إنّ عدد الطلبات تضاعف ثلاث مرّات، وإنّهم عرفوا "نموّاً كبيراً في الإيرادات" بفضل برنامج تسريع أعمال داخلي، مضيفاً أنّ "الأرقام في عام 2014 بدأت تصبح منطقيةً أكثر."

وبعد الإشارة إلى عدم وجود نيةٍ لبيع الشركة في وقتٍ قريبٍ وقبل أن تأتي "روكيت إنترنت"، قال أنطاكي: "نشعر بالفخر بهذه الالتفافة التي حقّقتها ‘أطلب‘ كما وبهذا النموّ السريع الذي تحقّق خلال العامَين الأخيرين، ما جعلنا نرى الإمكانات الحقيقية لهذه المنصّة. لقد خصّصنا لها التركيز والاستثمار المناسبين من خلال برنامج تسريع الأعمال الخاصّ بنا ‘كاتاليست أكسيليريشن‘Catalyst Acceleration."

وبالإضافة إلى ذلك، يقول أمين إنّ مؤشّرات الشركة جيّدة تحت إدارة "روكيت إنترنت". وفي هذا الوقت، يخطّطون لإعادة التفاوض على العقود مع المطاعم لجعلها تتماشى مع تلك الموجودة في أماكن أخرى في المنطقة، ولمضاعفة الطلبات 3 مرّات بنهاية العام.

لقد أثبتوا أنّه من الممكن إصلاح شركةٍ مهملةٍ في سوقٍ جيّدة.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.