عربي

توسُّع الشركات الناشئة الهندية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: هل يدعو للقلق؟

English

توسُّع الشركات الناشئة الهندية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: هل يدعو للقلق؟

توسعت أكثر من 50 شركة ناشئة هندية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2016، مُتَّخِذةً من ظهورها الأول في دولة الإمارات مدخلاً إلى المنطقة ككل. وعندما توسعت تلك الشركات، كان من بينها بالفعل عشرون شركة مليارية، مثل شركة PayMate للتكنولوجيا المالية، وشركة Countingwell للتكنولوجيا التعليمية، وسلسلة متاجر Lenskart لبيع النظارات بالتجزئة عبر الإنترنت.

وما يقرب من 20% من الشركات الهندية الناشئة التي أقامت فروعاً لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مدعومة من مجموعة "سوفت بنك" اليابانية، من خلال صندوقي Vision Fund الأول والثاني البالغة قيمتهما 100 مليار دولار، في حين أن أكثر من ربع هذه الشركات تمولها شركات استثمارية خليجية، ومكاتب عائلية، ومستثمرون ملائكة.

كما أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة مبادلة للاستثمار في أبوظبي ساهما معًا بنحو 60 مليار دولار في صندوق Vision Fund الأول، مما جعل رأس مال المخاطرة المُستثمر في هذه الشركات الهندية الناشئة استثماراً أجنبياً غير مباشر من قبل صناديق الثروة السيادية التي تتمثل مهمتها الأساسية في تنويع اقتصاد المنطقة بعيداً عن النفط.

ويمكن أن يؤدي فتح الباب أمام مزيد من الشركات الناشئة الأجنبية إلى إدخال مزيد من الابتكارات ورؤوس الأموال إلى المنطقة، ولكن ضغوط وضع سياسات عامة مناسبة آخذة في التزايد بسبب دخول مزيد من الشركات الهندية الناشئة خلال مراحلها المتأخرة تحت مظلة صندوق Vision Fund 2، وتطلُّع قلة قليلة فقط من الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الهند. 

ويمكن لهذه السياسات أن تُقلل من حدة المخاوف التي تخيم على الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعاني من نقص التمويل، بينما لا تزال تستوعب تعطش رواد الأعمال إلى التوسُّع وجذب رؤوس الأموال وخلق فرص العمل.

الصناديق الكبيرة 

لا تزال صناديق رأس مال المخاطرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مستمرة في تحطيم الأرقام القياسية لجذب مزيد من الشركات الناشئة الأجنبية للتوسع وإنشاء مقرات لها في المنطقة. يقول بيوش تشوهان، المسؤول الإعلامي الأول في مجموعة اللولو العالمية: "أصبح المال الآن عاملاً ثانوياً"، حيث تتوق الشركات الهندية الناشئة إلى الهروب من المنافسة السوقية "العنيفة" في الهند بالانتقال إلى الدول الخليجية. 

وقادت صناديق الثروة السيادية 10% من جولات تمويل الشركات الهندية الناشئة في عام 2019. وفي نفس العام، قاد جهاز قطر للاستثمار جولة استثمارية بقيمة 150 مليون دولار في شركة Byju، مما سمح لها بالتوسع في دولة الإمارات. 

يقول ويسلي شوالجي، مدير العمليات في شركة تحسين للاستشارات التي يقع مقرها في دولة الإمارات، وهو مستثمر في عدة شركات هندية ناشئة في مراحلها المبكرة: "استثمارات صناديق الثروة السيادية هذه عادةً ما تتجنب المخاطر. وأعتقد أن هناك ترددًا من جانب مستثمري دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في النظر إلى الشركات الهندية في المراحل المبكرة، ولذلك فإن معظم الشركات التي تستثمر فيها الصناديق السيادية هي بالفعل شركات مليارية أو أوشكت أن تصبح مليارية. ولذلك يوجد تفضيل أقوى لصفقات الاستثمار في المراحل اللاحقة للشركات التي تجاوزت بالفعل المخاطر".

وبوجه عام، تعجز اثنتان من كل ثلاث شركات ناشئة في المرحلة الأولية عن الاستمرار أو عن جمع مزيد من التمويلات، ولذا فإن الشركات الناشئة في المرحلة المبكرة إما تؤجل جمع التمويلات حتى تحقق القوة المطلوبة أولاً، وإما تستغل الشراكات المحلية لصالحها. والخيار الثاني هو الأكثر شيوعاً في الشركات الهندية الناشئة المتوسعة. 

ويشرح شوالجي ذلك فيقول: "يوجد لدى المغتربين استعداد أكبر بكثير للاستثمار في صفقات المراحل المبكرة. فكثير من مجموعات البيع بالتجزئة مثل مجموعة لاندمارك ومجموعة اللولو، وغيرهم من الأفراد الذين اكتسبوا خبرة تجارية من تلك المجموعات العائلية والتكتلات، غالباً ما يستثمرون في المراحل المبكرة للشركات الهندية، فيمنحون تلك الشركات إمكانية دخول الدول الخليجية إذا كانت ترغب في التوسع".

وبعيداً عن العلاقات المجتمعية المربحة مع المغتربين الهنود في دولة الإمارات، الذين يمثلون 30% من سكان البلد، لا تزال هذه الشركات الناشئة قادرة على جذب مستثمرين ملائكة محليين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يفتقرون في كثير من الحالات إلى المعرفة العملية بمجال الشركات الناشئة ورأس مال المخاطرة في الهند.

يقول ريشي راثور، الشريك المؤسس ومدير العمليات في شركة Arzooo، وهي منصة تقنية لتجارة التجزئة بين الشركات: "أدرك مستثمرو دول الخليج أننا أنشأنا [حلّنا] لشركة فليبكارت سابقاً وأنهم يمكنهم الاعتماد علينا. وهذه هي الفجوة التي ستراها مع مستثمري دول الخليج الذين يرغبون في القدوم إلى الهند ولكنهم لا يعرفون ما يحدث على أرض الواقع، لذا فهم يبحثون عن شريك مناسب كان يعيش هناك وسبق له فعل ذلك". 

كما أن مجموعة جبار للإنترنت الإماراتية، التي استثمرت في سوق دوت كوم، وشركة تحسين للاستشارات قد شاركتا في الجولة التأسيسية والجولة التمويلية الأولى لشركة Arzooo إلى جانب غيرهم من كبار المستثمرين الأمريكيين مثل إريك يوان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Zoom.  

وعلى الرغم من هذا الدعم المالي والمجتمعي، نادراً ما تبدأ الشركات الهندية الناشئة في التوسع عن طريق الاستحواذ على شركات محلية – وهي استراتيجية تستخدمها معظم الشركات الدولية لاكتساب فرص تسويقية، وزيادة شهرتها بسهولة لدى المستهلكين، وتقديم فرص خروج للشركات الناشئة المحلية. وبدلاً من ذلك، تتمتع الشركات الهندية الناشئة بدعم المستثمرين العالميين وصناديق الثروة السيادية الذين يدعمون المرونة التقنية المتأصلة في منتجاتها عبر المناطق الجغرافية، حتى لو كان ذلك على حساب أطراف محلية.

ويشرح ذلك فينيت ساكسينا –الشريك المؤسس لشركة Card91 الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا المالية، ومنصة Myntra للتجارة الإلكترونية التي استحوذت عليها شركة فليبكارت– فيقول: "إن الحل الذي نقدمه حل تقني، وعندما نتحدث عن الحلول التقنية، فمن المهم أن ندرك أنها تكون مصحوبة بقدر كبير من المرونة. وسبب قيامنا بإنشاء منصة تتسم بالمرونة الشديدة هو أنها يمكن أن تتكيف حسب اللوائح والمتطلبات المحلية. فلست بحاجة إلى كتابتها من الصفر عندما أعمل في السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو فيتنام أو سنغافورة. لأن المنصة مرنة بما يكفي لاستبعاد البرامج بسهولة شديدة".

وعلى الرغم من المرونة الكافية لدخول سوق عالمية مثل الولايات المتحدة، لا تزال شركة Card91 والشركات الناشئة الأخرى تفضل دخول دولة الإمارات أولاً في خطوة نمطية إلى حد بعيد، وقد تُوصَف جدلاً بأنها خطوة استراتيجية. 

وأضاف ساكسينا: "إن الدول الخليجية، أو دولة الإمارات على وجه الخصوص، كانت دائماً بوابةً للبيئة الحاضنة للشركات الهندية الناشئة. فإذا أرادت شركة ناشئة أن تتوسع على الصعيد العالمي، فهناك منطقتان لتمكينها من ذلك، هما دبي وسنغافورة. وينظر الناس دائماً إلى هاتين المنطقتين على أنهما المناسبتان لإنشاء فروع أخرى عندما يكونون مستعدين للتوسع العالمي".

ويقول تشوهان إن إنشاء شركة في دولة الإمارات أسهل كثيراً من إنشائها في الولايات المتحدة، لكن توسعات الشركات الناشئة في دولة الإمارات يُنظر إليها على أنها نقاط انطلاق للوصول إلى السوق الأمريكية في المستقبل.

وينطبق ذلك على شركة OYO Hotels & Rooms الهندية للفنادق والمنازل وأماكن المعيشة المؤجرة، وهي شركة استثمرت فيها مجموعة "سوفت بنك" وصندوق الاستثمارات العامة، وتُعدّ كياناً حديثاً في أسواق الإمارات والسعودية. 

وأما الجانب السلبي المحتمل لدخول هذه الشركات المليارية المدعومة باستثمارات قوية إلى دولة الإمارات فيتمثل في الضغط الضمني المفروض عليها لإكمال الرحلة إلى العالمية. يقول راثور: "ينصب تركيز "سوفت بنك" وغيره من صناديق الثروة على النمو، مما يفرض ضغطاً كبيراً على المؤسسين. على سبيل المثال، تُعدّ شركة OYO شركة ناشئة كبيرة حقاً في الهند حالياً، وقد قامت مجموعة "سوفت بنك" بتمويلها على مدار السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، وقد تعرضت لضغوط كبيرة لتحقيق أرقام والنمو بسرعة كبيرة جداً".

وقد حققت OYO أداءً سريعاً صاحبه انتقال ما يتراوح من 50% إلى 60% من ملكيتها إلى المستثمرين، وتسريح الآلاف من العمال في عام 2020. فتمتلك مجموعة "سوفت بنك" 46% من هذه الشركة الناشئة التي تخطط للطرح الأولي للاكتتاب العام في أسهمها بقيمة 2.1 مليار دولار في نهاية هذا العام. 

وكل ذلك يدفع المزيد من الشركات الهندية الناشئة إلى دخول الدول الخليجية، وليس ذلك فحسب بل يدفعها أيضاً إلى تحقيق نمو غير مسبوق في هذه السوق فور وصولها إلى هناك. أما ساحة الشركات الناشئة المحلية، فتشتد فيها المنافسة يوماً بعد يوم.

المنافسة المحلية

إن الشركات الناشئة، مثل شركة Cuemath وشركة Countingwell اللتين تعملان في مجال التكنولوجيا التعليمية، تستطيع بدعم من الشراكات المحلية تسهيل اندماجها في سوق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطريقة قد تجدها الشركات الناشئة في هذه المنطقة صعبة.

يقول مانان كورما، مؤسس شركة Cuemath الناشئة المدعومة من شركة جوجل: "بدأنا في التوسع [في الإمارات] قبل بضعة أشهر فقط، وحتى الآن حاولنا القيام بذلك من خلال البيع المباشر للمستهلكين، لكننا ندرك جميعاً أهمية وقوة إقامة شراكات مع المؤسسات الموجودة هنا. وفي الواقع، صندوق ألفا ويف إنكيوبيشن [في أبوظبي] هو أحد المستثمرين في شركتنا، ونرى بالتأكيد قيمة هذه العلاقات والشراكات".

ومن ناحية أخرى، لا تحظى الشركات الناشئة المحلية بنفس الاستثمارات ونفس الدعم المجتمعي الفوري الذي يحصل عليه نظرائهم الهنود. يقول أنس بومدين، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي المشارك لشركة "أيوا"، وهي منصة إماراتية للتجارة الإلكترونية للنظارات وهي إحدى شركات محفظة ومضة: "أغلبية رؤوس الأموال في منطقتنا لا تزال تُستثمَر خارج منطقة الشرق الأوسط، وتُستخدم في بعض الأحيان لتمويل شركات ناشئة خارج المنطقة ثم تأتي تلك الشركات للعمل هنا ومنافسة الشركات الناشئة المحلية".

ويرى أنس أن عدم توفر رؤوس الأموال بسهولة يدفع الشركات الناشئة في المنطقة إلى اللجوء إلى مستثمرين أوروبيين أو آسيويين أو أمريكيين للحصول على التمويل. وقال: "إن هذه الفجوة التمويلية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط يمكن، بل وينبغي، أن يسدها كبار مديري الأصول في منطقتنا لتوفير مزيد من رؤوس الأموال للشركات المحلية الناشئة والمتوسعة. ولا يزال يتعين بذل بعض الجهود لجعل أسواق المنطقة متاحة للجميع بسهولة أكبر، فالأسواق مجزأة ويختلف الإطار القانوني من بلد إلى آخر، ويمثل ذلك تحدياً لكل من الشركات المحلية والدولية".

الخوف من طرف واحد

ذكر شوالجي أن غزو الشركات الناشئة السريعة النمو لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد يصبح أمراً محفوفاً بالمخاطر من طرف واحد إذا لم توجد سياسات عامة مناسبة تُنظِّم المنافسة.

فقال: "إن دولة الإمارات وكل الدول العربية الأخرى التي تتفاوض بشأن اتفاقيات لمحاولة بناء علاقات تجارية واستثمارية يجب أن تتأكد أنها تستفيد من تلك الاتفاقيات بقدر استفادة الطرف الآخر. وقد يتمثل ذلك في اكتساب القدرات، والمحتوى المحلي، وشروط التوظيف، وقد تبدو هذه الأمر في البداية إجراءات حماية، ولكن هناك كثير من المشكلات الكبيرة في تلك التطورات التجارية التي قد تبدو في البداية قصيرة الأمد. فالمنطقة تريد أن تصبح مركزاً تقنياً وتجذب إليها كثيراً من الشركات الهندية الناشئة، ولكن قد تكون لذلك آثار مستقبلية بالغة الأهمية يصعب استيعابها دون تطبيق سياسات مناسبة".

إلا أن الشركات الهندية الناشئة والتكتلات المحلية يدعم كلاهما تدفق المنافسين إلى المنطقة، معتقدين –كما يعتقد تشوهان– أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة المواهب والكفاءات التقنية ورؤوس الأموال في المنطقة.

فقال شوالجي: "هكذا تُنشأ بيئة حاضنة تعود بالنفع على الجميع. وإذا كنت تنظر إلى الأمر على أنه «هم مقابل نحن»، فهذه ليست بيئة صحية. فما يحدث هو أن رؤوس الأموال يجذب بعضها بعضاً، فإذا أنشأت مثلاً عشرة شركات مليارية، فإن مقدار الأموال [المتحققة] يمكن أن يُنشئ شركات ناشئة أخرى بقيمة مائة مليون [دولار]. وهكذا تنمو البيئة الحاضنة بأكملها، وأعتقد أن دولة الإمارات لديها إمكانيات أكبر بكثير مما يحدث اليوم".

ويرى تشوهان أن السماح لمزيد من الشركات الناشئة بالدخول يمكن أن يشجع الشركات الأجنبية على إنشاء مكاتب إقليمية وحاضنات أعمال ومزيد من "برامج مشاركة الشركات الناشئة" – وهو عنصر رئيسي وراء نمو الهند.

فيقول: "إن أحد أسباب تطور البيئة الحاضنة الهندية هو وجود نحو 1200 مركز لشركات عالمية في بنغالور وحدها، وكثير من هذه الشركات تدير برامج مسرعات أعمال و/أو برامج لإشراك الشركات الناشئة. ويجلب ذلك مواهب من جميع أنحاء العالم، ويستطيع هذا الحشد الابتكاري العالمي أن يولد أفكاراً جديدة لأن البيئة الحاضنة للشركات الناشئة مرتبطة بالبيئات الحاضنة للشركات الناشئة بالكامل".

 

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.