عربي

رواد الأعمال العرب بين محاولة خلق الفرص ومواجهة التحديات المتزايدة

رواد الأعمال العرب بين محاولة خلق الفرص ومواجهة التحديات المتزايدة

تعتبر ريادة الأعمال بمثابة الرحلة، التي ستجد منها ما هو قصير الأجل تنتهي عند مواجهة أول سلسلة من العراقيل، والبعض الآخر يصمد ويقرر تحدي الصعاب ويرفع شعار"لا بديل عن النجاح والربح مهما كانت التحديات"، رائد الأعمال هنا هو بطل تلك الرحلة، وقائد سفينتها يبحر بها يعقله وكفاءته وقراراته الجريئة، وسط تلك الرحلة قد يقرر تغيير مساره ليصل أسرع أو يرغب في التقليل من سرعته تجنبًا لأي خسائر محتملة، ويظهر ذلك بوضوح حينما أشار عدد من رواد الأعمال إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر مليئة بالتحديات التي يجب أن تدرسها جيدًا وتختار مسار رحلتك، كما أنها كذلك غنية بالفرص الاستثمارية الواسعة والموارد البشرية التي تحتاج للاستفادة منها بأفضل صورة ممكنة. تلك المنطقة التي استطاعت شركاتها الناشئة خلال عام 2021، جذب عدد استثنائي من الصفقات والتمويلات، حيث جمعت أكثر من ٢.٨٢مليار دولار عبر ٦٣٩ صفقة، لتؤكد المنطقة أنها كما تحتوي على المعوقات إلا أنها أيضًا قادرة على العطاء، وحتى نكون على مقربة أكثر من أرض الواقع تُبحر معكم "ومضة" في رحلة سريعة لنكتشف من خلالها تجارب بعض من رواد الأعمال العرب. 

نقطة البداية

يعتبر قرار إطلاق النشاط من أصعب القرارات التي قد يتخذها رائد الأعمال، فهو سيضحي بوقته وربما ماله، وأيضا إذا اقتضى الأمر بوظيفته التي يعتبر عنصر أمان واستقرار في بعض الأحيان، من هنا ذكر تقرير بعنوان "الفرصة وسط الاضطراب" صادر عن مؤسسة Global Entrepreneurship Monitor لعام 2022، أنه قد لا يكون الاعتراف بالفرص الجيدة لبدء عمل تجاري يمثل إغراء كافيًا للقيام بذلك إذا كان الأفراد لا يرون أنهم يمتلكون المهارات والمعرفة والخبرة اللازمة، أو إذا كانوا يخشون أن الأعمال التي يبدؤونها قد تفشل، ومن ثم، فإن التصورات الذاتية والمواقف تجاه المخاطر يمكن أن تكون عوامل مؤثرة مهمة على قرار بدء عمل تجاري جديد، حتى إذا اكتشف المرء فرصًا جيدة ورأى أنه يمتلك القدرة على بدء عمل تجاري، فقد يتردد في خوض المغامرة إذا كان الخوف من الفشل مرتفعًا.

كما أوضح التقرير ما قد يعتبره البعض مفاجأة، حيث ذكر أن إحداث فرق في العالم" كدافع لريادة الأعمال لا يقتصر فقط على اقتصاديات الدول مرتفعة الدخل، حيث وافق أكثر من نصف رواد الأعمال في 7 من أصل 10 اقتصادات من الدول منخفضة الدخل على هذا الدافع، وبالتالي، فإن رواد الأعمال في الاقتصادات منخفضة الدخل لديهم وعي كبير بالقضايا العالمية التي تحتاج إلى حل مثل تلك الموضحة في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

رحلة مع رواد أعمال

التقت "ومضة" بعدد من رواد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة ليقصوا عليكم تجاربهم الخاصة ويشاركون القراء خبراتهم المهنية، التي قد تكون خير منارة لمن يرغب في الدخول لمجال ريادة الأعمال ويخوض بنفسه تلك التجربة المثيرة المليئة بالفرص والتحديات.

"ياسمين درويش"، مؤسسة تطبيق DonaLeb، المتخصص في مجال اللياقة البدنية الذي يقع مقره في لبنان، تقول: "بدأ نشاطنا من خلال فكرة بسيطة تعمل على تعزيز ثقافة الشركات ومعنويات فريقها، من خلال تزويد الموظفين بأسباب للتواصل باستخدام شيء آخر غير العمل، حيث إنه أثناء تحرك الأفراد، يقوم التطبيق بجمع الخطوات التي يتم تحويلها إلى عملات معدنية، والتي يمكنهم التبرع بها للمنظمات غير الحكومية على التطبيق أو استردادها للحصول على خصومات في السوق."

خلال انطلاق رحلتها تلقت "ياسمين" دعمًا مستمرًا من أصدقائها وعائلتها، بالإضافة إلى مجموعة "سالم"، كل ذلك ساعدها على فتح الأبواب أمام المستثمرين والشركاء المحتملين، وتوجيههم نحو توسيع نطاق عملها.

ركز مشروع "ياسمين" بشكل أساسي على إحداث تأثير يعني أن استدامتها كانت محفوفة بالمخاطر إلى حد ما، وبالرغم من ذلك توضح "ياسمين" أنها مازالت تمضي قدمًا، وتقول لنفسها دائمًا: "كلما شعرنا أن الأوقات مظلمة، فإن العالم سيكون أفضل مع مثل هذه المشاريع التي تهدف إلى الرفاهية والتأثير الاجتماعي، وذلك ما يدفعنا للاستمرار في عملنا رغم التحديات."

أما "فرح براهمة"، مؤسسة شركة "فلورز لاند" لإنتاج أزهار الزينة، بفلسطين، تشير إلى أنها قد بدأت نشاطها قبل عام تقريبًا من خلال مرحلة البحث ودراسة السوق وعدد المنافسين وكمية الاستهلاك والفئات المستهدفة، ثم قامت باختيار زراعة الورد الجوري بناء على كمية الطلب العالية مقارنة بالعرض المتاح.

خلال بداية مشروعها كان الأهل هم الداعم الوحيد لـ "فرح" لتبدأ خوض المغامرة وإطلاق المشروع، ثم جاءت بعدها عدد من المؤسسات المانحة التي آمنت بالفكرة وبدأت في التعاون معها، لتوسيع نشاطها، نجحت "فرح" في مواجهة الإحباط والظروف الصعبة التي أحاطت بعملها، ولم تستلم أو تيأس بل تغلبت على كل تلك التحديات بالعمل الدؤوب والصبر.

تضيف "فرح" نعم في البداية كان هناك خوف من الفشل وعدم الاستمرارية، لكننا تغلبنا على كل ذلك نظرًا لأن العديد من مسرعات الأعمال كانت تؤمن بالفكرة وتعمل على دعمها ومساعدتها للتطور وتتوسع، كما أنه كان لنا رؤية للمشروع وهدف نحاول تحقيقه، ويعتبر هو مصدر دخلنا الوحيد المستقبلي، عملنا بكل جد ووظفنا تخصصاتنا المختلفة في القانون والاقتصاد والهندسة والأحياء التطبيقية والخبراء الزراعيين في مجال عملنا بهدف إنجاح وتطوير للمشروع.

تقاطعها "ليندا يوسف"، مؤسسة مشروع Together، وهو مساحة خاصة بالعمل وخلق أجواء عمل مريحة للشباب، ويقع مقره في العراق، قائلة:"إلى الآن المشروع مجرد فكرة ولم ينطلق لكننا نعمل على وضع خطط لإكماله وتحقيقه على أرض الواقع, حيث بدأت الفكرة منذ أن رأيت أن هناك الكثير من الشباب يحتاجون إلى عمل، وهم يمتلكون إمكانيات ومؤهلات تساعدهم في خلق عمل حر خاص بهم، ولأنني أعمل في مجال المنظمات سأكون على تنسيق مباشر مع جميع الشباب الذين يحتاجون لخلق معرض وظائف وكذلك نشاطات فنية، مما يمكنني من دمج نشاطات مختلفة داخل هذه المساحة."

على الرغم من أنه حتى الآن يطارد الخوف "ليندا" من احتمالية عدم تحقيق ما تتمناه بخاصة أن المشروع مجرد فكرة ولم ينطلق بعد، إلا أنها تدرك جيدًا أنه يجب أن تخسر لتربح، وهي تعرف أن هذا المجال ليس سهلاً فأن لم تفشل لن تنجح.

تعمل "ليندا" بمفردها الآن ولم تحصل على أي  دعم من أي جهة, إلا إنها مصممة على الاستمرار حتى تحقق النجاح.

عثمان بيرومي، مؤسس Servinera، وهو سوق عبر الإنترنت، في لبنان، يربط الباحثين عن الصيانة بمزودي الصيانة المناسبين في المنطقة، يصمت فجأة ليعود بذاكرته للوراء قائلاً:" ذات يوم، واجهت انقطاعًا كهربائيًا في الليل بسبب مشكلة فنية غير متوقعة حيث اضطررنا إلى البقاء في ظلام دامس خلال فصل الصيف، اتصلت بفني كهربائي، لكنه قال إنه غير موجود الآن وعادة لا يعمل في ساعات متأخرة، هنا تساءلت لماذا لا يوجد سوق على الإنترنت يمكننا استخدامه في هذه المواقف؟، من هنا جاءت فكرة إنشاء Servinera إلى ذهني."

لم يخش "عثمان" من المخاطرة حتى في بداية رحلته، حيث بحث عن الفرص وظل على إطلاع على أي برنامج ريادة أعمال أو احتضان للمشاركة به، فخلال مشواره الريادي أدرك أن الجهود لا تموت أبدًا، فإما أن يفوز أو يتعلم، وها هو يستمر في طريقه بخطى ثابتة رافعًا شعار لا بديل عن النجاح.

معوقات وفرص

قد يستسلم بعض رواد الأعمال من أول مواجهة مع التحديات التي تعترض طريقهم، وقد يقرر بعضهم المضي قدمًا نحو النجاح مهما واجهوا من معوقات وخسائر رافعين شعار "لا نجاح دون تعب".

تعود "ياسيمن" لتشير إلى أن ثقتها بنفسها كانت عاملًا مهمًا لاستمرارها حتى عندما لا يشاركها الآخرون رؤيتها، وهي الآن تنظر إلى الوراء وتشعر بالفخر من الحصول على نتائج إيجابية من فكرة لم تكن ذات يوم شيئًا يذكر.

تمول "ياسمين" استثماراتها حاليًا من خلال أموالها الشخصية، وتتواصل مع مستثمرين محتملين لجمع 150 ألف دولار من أجل إضافة خدمات جديدة لمشروعها وتسويقه بشكل أكثر قوة.

أما "فرح" توضح أنها قد بدأت مشروعها بمساحة 250 متر مربع زراعة بعدد 1500 شتلة، وحاليًا وصلت المساحة المزروعة للضعف تقريبًا حوالي 500 متر مربع بعدد 3600 شتلة زراعية، حيث كانت العديد من الفرص متاحة أمامها خصوصًا إنهم شباب من أصحاب المؤهلات العليا، حيث قدموا مشروعهم لعدد من المانحين/ وبالفعل حصلوا على دعم أولي لبناء بيت بلاستيكي، ثم حصلوا على دعم جديد لشراء الشتل، ثم منحة لتطوير وتوسيع المشروع.

واجهت "ليندا"" مؤسسة Together” عدة تحديات منها الدعم المالي حتى تتمكن من جعل هذه الفكرة واقعًا ملموسًا، وكذلك عدم وجود مستثمرين يساندونها، حيث ترى أن القليل جدًا من يقدمون الدعم للمشاريع الناشئة بشكل حقيقي من جميع الجوانب، وخصوصا في العراق هذا المجال ضعيف جدا للشباب – بحسب تعبيرها- في بعض الأحيان قد يكون الأمر أكبر من طاقات وإمكانيات الشباب فيضطرون إلى إغلاق مشاريعهم.

أما عثمان" فيقول: "بدأت من الصفر. نستخدم أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بنا لنعمل من خلالها. إلا أنه يمكن تقدير حجم استثماراتنا الآن بحوالي 5000 دولار."

قدم "عثمان" فكرته إلى مجموعة من المطورين الخريجون الجدد المتحمسون لفكرته وقرروا البدء في العمل عليها.

على الرغم من ذلك واجه عدة معوقات لكنه لم يستسلم لها، حيث قام بتأجيل مشروعه لمدة 8 أشهر لأنه يتطلب مطوري تطبيقات ومبرمجين ومهندسي برمجيات، وهو لا يعرف البرمجة ولا يمتلك الميزانية المناسبة لتوظيف هؤلاء المتخصصين، هنا بدأ في السعي للعثور على متدربين يعملون على مساعدته في هذا المشروع.، ليبدأوا جميعًا من الصفر مع خبرة قليلة أو معدومة، ليعود ويتوقف العمل بالمشروع خلال صيف 2021، لمدة شهرين بسبب أزمة الوقود في لبنان التي حالت دون حصولهم على الكهرباء، كما واجهوا مشكلات في الدفع عبر الإنترنت وذلك بسبب المشكلات والقيود المتعلقة بالقطاع المصرفي في لبنان، كما أنهم لم يتمكنوا من تسجيل شركتهم في وزارة الاقتصاد اللبنانية لأنها مغلق حتى إشعار آخر.

يدعو "عثمان" لدعم رواد الأعمال خاصة في تلك الأوقات التي تتطلب المساندة، لأنه يرى أن شباب المنطقة قادرون على ابتكار مفاتيح لحل العديد من القضايا المشتركة.

من جهتها تقول "فالنتينا بريمو"، مؤسسة منظمة Startups Without Border، التي تعمل على دعم رواد الأعمال وإكسابهم المهارات والخبرات اللازمة لإطلاق مشروعاتهم الناشئة: "أحد التحديات الرئيسية في المنطقة هو عدم الاستقرار السياسي. نشهد معاناة العديد من الشركات الناشئة في لبنان، على سبيل المثال، بسبب الأزمة المالية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، من ناحية أخرى، هناك الكثير من الفرص في المنطقة، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار فرصة السوق للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا: 60٪ من السكان تقل أعمارهم عن 25 عامًا، مما يجعلها واحدة من أكثر المناطق الشابة في العالم، مع وجود انتشار للهواتف المحمولة والإنترنت الذي يفوق إلى حد كبير المتوسط ​​العالمي."

تعتبر ريادة الأعمال تجربة مثيرة مليئة بقصص النجاح والفشل والسقوط ثم النهوض بقوة، ولكن إذا تأملنا النظر لتجارب رواد الأعمال سواء من توقفوا وقرروا الانسحاب بعدما واجهوا معوقات أو من استكملوا طريقهم وتحملوا الصعاب حتى وصلوا لبر الأمان أو مما مازالوا يحاولون تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، سنجد أن تلك التجارب تؤكد أن الإصرار على النجاح والصبر والتغلب على المعوقات بأساليب مبتكرة، يمكن أن يعتبر ذلك بمثابة المفتاح السري للنجاح وتحويل أحلامهم التي كانوا يعتبرونها مستحيلة إلى واقع.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.