عربي

كيف نجحت الإمارات في بناء بيئة حاضنة للشركات الناشئة؟

English

كيف نجحت الإمارات في بناء بيئة حاضنة للشركات الناشئة؟

 بقلم مريم حسناني، مديرة قسم الابتكار والتوجهات المستقبلية في هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة (ECA)

رسّخت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانتها كقوة إقليمية رائدة في مجال ريادة الأعمال والابتكار. فمع وجود نحو 5600 شركة ناشئة في قطاع التكنولوجيا، تتفوق الإمارات على باقي دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية التي تحتضن حوالي 1600 شركة. تؤدي الشركات الصغيرة والمتوسطة دورًا حيويًا في استراتيجية الإمارات لتنويع الاقتصاد، إذ تسهم بنسبة 63.5% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للدولة. وبينما يُتوقع أن يبلغ حجم سوق رأس المال الجريء في الإمارات 2.46 مليار درهم إماراتي بحلول نهاية عام 2025، فإن الواقع يُظهر أن 80% من الشركات الناشئة تفشل خلال أول عامين من تأسيسها.

غالبًا ما يعود فشل الشركات الناشئة إلى مزيج من العوامل، من بينها ضعف أبحاث السوق وهشاشة نماذج الأعمال واستراتيجيات التسويق غير الفعالة وسوء الإدارة المالية. ومن أجل النجاح في هذا المناخ التنافسي، ينبغي على الشركات الناشئة أن تلبّي تطلعات المستثمرين وتُظهر قدرتها على الاستمرار والنمو على المدى الطويل.

وبحكم انخراطي العميق في بيئة ريادة الأعمال، خصوصًا من خلال برنامج "أنجال زد" (Anjal Z)، التابع لهيئة أبوظبي للطفولة المبكرة (ECA)، فقد حددت عناصر أساسية من شأنها أن تساعد رواد الأعمال على تحقيق النجاح وتجنّب العثرات في المراحل المبكرة من مشاريعهم.

المقوّمات الأساسية لنجاح الشركات الناشئة

١. رؤية واضحة: الأساس المتين للنجاح

تُعد الرؤية الواضحة حجر الزاوية في أي شركة ناشئة ناجحة. ومنذ اليوم الأول، يجب على المؤسسين أن يكونوا قادرين على تحديد هدفهم، وجمهورهم المستهدف، والقيمة التي يقدمونها بوضوح. فغياب خارطة طريق مدروسة بعناية يعرّض الشركات الناشئة لهدر الموارد وفقدان الاتجاه والعجز عن جذب المستثمرين. إن وجود فكرة تجارية قوية ومنسجمة مع احتياجات السوق يشكّل الخطوة الأولى نحو نمو مستدام وتأثير فعّال.

دأبت القيادة الإماراتية على التأكيد على أهمية المشاريع القائمة على الابتكار، وهو ما يتجلى في العديد من المبادرات الحكومية، من أبرزها برنامج "أنجال زد" في أبوظبي. ويهدف هذا البرنامج، الذي تشرف عليه هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة (ECA)، إلى تزويد الشركات الناشئة العالمية المشاركة بالأدوات التي تمكّنها من توطين حلولها المؤثرة في مجال تنمية الطفولة المبكرة وتوسيع نطاق تطبيقها.

٢. فن الإقناع: إتقان عرض الأفكار للمستثمرين

يجب أن يكون العرض المقنع واضحًا، موجزًا، ومدعومًا بالبيانات. يبحث المستثمرون عن قيمة فريدة يقدمها المشروع وطلب حقيقي في السوق ونموذج أعمال قابل للتوسع والنمو. فيما يلي العناصر التي تميز العرض الناجح:

  • ملاءمة السوق: هل تعالج الشركة الناشئة مشكلة حقيقية؟ وهل هناك طلب فعلي على الحل المقترح؟
  • قابلية النمو: هل تم تصميم نموذج العمل بما يتيح التوسع والنمو؟
  • التخطيط المالي: هل توقّعات الإيرادات واقعية؟ وكيف ستُحقق الشركة الأرباح؟
  • الجذب: هل تستطيع الشركة الناشئة إثبات نجاح مبكر من خلال شراكات أو مبيعات أو اعتماد العملاء؟
  • فريق قوي: يراهن المستثمرون على الأشخاص بقدر ما يراهنون على الأفكار. هل يملك الفريق المهارات والرؤية اللازمة للتنفيذ؟

تحوّلت أبوظبي إلى مركز إقليمي للاستثمار في الشركات الناشئة، بفضل مبادرات مثل (Hub 71) التي تتيح الوصول إلى التمويل والإرشاد وفرص التوسع في السوق. وبالإضافة إلى ذلك، يوفّر برنامج "أنجال زد" للشركات الناشئة العالمية إمكانية التواصل المباشر مع خبراء القطاع وصنّاع القرار، مما يساعدهم على تطوير عروضهم وتكييف حلولهم لتلبية احتياجات سوق أبوظبي الفريدة.

٣. الإرشاد: دعم موجّه للنمو

يلعب الإرشاد دورًا محوريًا في بناء الشركات الناشئة الناجحة. تُظهر الدراسات أن 70٪ من الشركات الصغيرة التي تتلقى الإرشاد تستمر لأكثر من خمس سنوات، أي ضعف معدل بقاء تلك التي لا تحظى بإرشاد. يساعد المرشد الخبير المؤسسين على تجاوز التحديات وتحسين استراتيجياتهم واتخاذ قرارات مدروسة. ولا يقتصر دور المرشدين على التوجيه العملي، بل يقدمون أيضًا دعمًا معنويًّا يساعد رواد الأعمال على الحفاظ على حماسهم ويُعزز من مرونتهم في الصمود أمام الانتكاسات. ومن خلال الاستفادة من خبرة المرشد وشبكة علاقاته، يمكن للشركات الناشئة تسريع وتيرة نموها واتخاذ قرارات أكثر وعيًا.

لإيجاد المرشد المناسب، ينبغي على رواد الأعمال البحث عن شخص يتمتع بخبرة عملية ذات صلة وسجل ناجح في المجال واستعداد حقيقي لمشاركة المعرفة. تقوم العلاقة القوية بين المرشد والمتدرب على أسس من الثقة والاحترام المتبادل والتواصل المفتوح. ويمكن للمؤسسين العثور على مرشدين محتملين من خلال فعاليات التشبيك وحاضنات الأعمال والمؤتمرات المتخصصة والمجتمعات المهنية. التواصل بهدف واضح، مع إظهار الالتزام بالتعلّم، يمكن أن يمهد لبناء علاقة مثمرة وطويلة الأمد.

لا يكفي أن يكون المرشد المناسب خبيرًا في مجاله، بل ينبغي أيضًا أن يتوافق مع رؤية رائد الأعمال وقيمه، ليقدّم توجيهًا استراتيجيًّا وعمليًّا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للإرشاد أن يُحدث تأثيرًا كبيرًا على رواد الأعمال من خلال ما يقدّمه من توجيه ورؤى متخصصة في القطاع وعلاقات قيّمة تساعدهم على تجاوز التحديات وتسريع نموهم.

في أبوظبي، تتيح مسرّعات الأعمال وحاضنات الشركات الناشئة، مثل برنامج "أنجال زد" ومبادرات الابتكار التابعة لجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI)، لرواد الأعمال فرصة استثنائية للحصول على الإرشاد. وقد يشكّل توجيه الخبراء المخضرمين الفارق الحاسم بين نجاح الشركة الناشئة وفشلها.

بناء مستقبل من الابتكار المستدام

تواصل منظومة الشركات الناشئة في دولة الإمارات ازدهارها، مدعومة بسياسات طموحة تستشرف المستقبل وفرص استثمارية متنامية، إلى جانب برامج حكومية مثل برنامج "أنجال زد" التابع لهيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، الذي يساهم في رسم مستقبل تنمية الطفولة المبكرة من خلال التكنولوجيا وريادة الأعمال.

يحظى المؤسسون الذين يمتلكون رؤية واضحة ويتقنون فن عرض الأفكار للمستثمرين ويحرصون على طلب الإرشاد بفرص أعلى بكثير لتحقيق النجاح.

ومع ريادة أبوظبي في دعم الابتكار في المنطقة، يحظى الجيل الجديد من الشركات الناشئة بفرصة حقيقية للإسهام في التحول الاقتصادي والاجتماعي. واحدة تلو الأخرى، تسهم الأفكار الرائدة في رسم هذا التحول.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.