عربي

قطاع الألعاب يتحول إلى أكبر رهان استثماري في الشرق الأوسط

English

قطاع الألعاب يتحول إلى أكبر رهان استثماري في الشرق الأوسط

مقال بقلم كيريل غورسكي، المدير العام في  GEM Capital

اليوم تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عند لحظة تحوّل محورية. ورغم تميّزها تاريخيًا في قطاعات أخرى، باتت صناعة الألعاب الآن الفرصة الأكثر جاذبية لاستثمارات رأس المال الجريء في المنطقة. وبفضل تلاقي العوامل الديموغرافية ونمو القطاع التقني والدعم الحكومي، تقف المنطقة على أعتاب التحوّل إلى قوة عالمية في صناعة الألعاب، فهي موطن لمجتمع يضم مئات الملايين من اللاعبين. هذا الطلب الهائل المتسارع، والمدفوع بسياسات حكومية طموحة، يضع صناعة الألعاب كـأبرز رهان استثماري مقبل في المنطقة.

جيل شاب ورقمي 

أهم ما تملكه المنطقة هو سكانها: أكثر من 60% دون الثلاثين عامًا. بالنسبة لهؤلاء، الألعاب ليست تسلية عابرة، بل وسيلة الترفيه والتواصل الأولى. هذا الجمهور الرقمي النشِط يصنع سوقًا جاهزًا بحجم يُقدر بـ559 مليون لاعب—رقم يقترب من أمريكا الشمالية واللاتينية معًا (599 مليون) ويتجاوز أوروبا (454 مليون). ومع ذلك، لا يزال جزء كبير من الجمهور المحتمل خارج السوق اليوم، وهذا يَعِد بنمو مستمر تقوده المجتمعات في السنوات المقبلة.

قدرة شرائية أكبر

بعيدًا عن مجرد عدد اللاعبين، يتميّز سوق الألعاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقوة إنفاق استثنائية. في أسواق محورية مثل السعودية والإمارات، لا يقتصر الأمر على النشاط المرتفع للاعبين، بل إنهم عملاء مجدون تجاريًا بفضل دخل متاح مرتفع واتساع الطبقة الوسطى وتزايد مكانة الألعاب ثقافيًا، لذا يميلون للإنفاق أكثر.

وبما أنّ هذا الطلب يتحوّل فعليًا إلى إنفاقٍ مرتفع داخل الألعاب، تصبح السوق فرصة واضحة ومقنعة للمستثمرين، إلى درجة لا تسمح بتجاهلها. 

دعم حكومي غير مسبوق

يحصل قطاع الألعاب في المنطقة على دعم حكومي غير مسبوق يصنع بيئة عمل مختلفة عن أي سوق أخرى.

في الإمارات، تتحرّك الدولة لوضع نفسها كمركز عالمي للألعاب. برنامج دبي للألعاب 2033 يستهدف جذب الشركات الدولية وتنمية المواهب المحلية ورفع مساهمة القطاع في الاقتصاد. يدعم ذلك تراخيص متخصّصة، وإعفاءات ضريبية في المناطق الحرّة (مثل مدينة دبي للإنترنت)، وبرامج متكاملة لتنمية المواهب. وتُكمل أبوظبي هذا التوجّه عبر منصّة twofour54 ومبادرة AD Gaming، إلى جانب دعم واسع من جهات حكومية مثل مكتب أبوظبي للاستثمار وEntertainment & Gaming Cluster.

وتسير السعودية على مسارٍ طموح مماثل عبر الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية. وبأكثر من 80 مبادرة، تُسرّع المملكة تطوير التقنيات المتقدمة وتبني منظومة جاذبة تجاريًا تمكّن مطوّري الألعاب محليًا ودوليًا.

هذا النهج الاستراتيجي الذي تتبنّاه حكومات المنطقة يخفّض مخاطر السوق ويمنح الشركات والمستثمرين ميزة تنافسية كبيرة، ليس فقط عبر تخفيف التعقيدات التشغيلية وتسهيل الوصول إلى المواهب، بل أيضًا عبر توفير دعم طويل الأجل في واحد من أسرع الأسواق نموًا عالميًا.

وفرة رأس المال

يشهد قطاع الألعاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدفّقًا كبيرًا لرؤوس الأموال من طيف واسع من المستثمرين، منها صناديق رأس المال الجريء المتخصصة مثل Impact46 وMerak Capital وGEM Capital التي تموّل الشركات الناشئة في مراحلها الأولى، إلى مستثمرين كبار في المراحل المتقدمة يبحثون عن فرص استراتيجية.

ويظهر هذا الحراك في سلسلة صفقات أُعلن عنها في أغسطس الماضي مع شركات ألعاب محلية—Fahy وStarvania Studios وKammelna وSheba Joy وDaFluffs Games—بتمويل إجمالي تجاوز 56 مليون دولار. وهذا ليس سوى البداية.

تبدو قنوات التمويل في قطاع الألعاب بالمنطقة نشطة، مع مبالغ كبيرة جاهزة للدخول من مصادر متنوّعة. ويكفي لقياس حجم هذه الموجة الإشارة إلى التزام صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) بتخصيص 38 مليار دولار للقطاع عبر Savvy Games Group، ولا يزال معظم هذا المبلغ متاحًا لاستثمارات مقبلة.

هذا المشهد الاستثماري النشط يوفّر للشركات المحلية التمويل اللازم لتطوير ألعاب بمستوى عالمي والتوسّع. ومع هذه الأفضلية المالية يصبح بإمكانها التفوّق عمليًا على منافسين دوليين، وجذب جولات تمويل متابعة، وتعظيم عوائد المستثمرين.

موازنة الفرصة

لكي يبلغ قطاع الألعاب في المنطقة كامل طاقته، ثمّة تحديات محدّدة يجب التعامل معها. تواجه المنطقة نقصًا في مطوّري الألعاب ذوي الخبرة والمواهب الإبداعية مقارنةً بالمراكز الراسخة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. كما أن بناء ملكيات فكرية أصلية (IP) قادرة على الوصول إلى جمهورٍ عالمي سيستغرق وقتًا، فيما يخلق الاعتماد المفرط على التمويل الحكومي مخاطر إذا تبدّلت الأولويات. ومع ارتفاع تكلفة جذب اللاعبين وشراسة المنافسة من الاستوديوهات العالمية، يحتاج المطوّرون المحليون إلى التركيز على الجودة والتميّز ونماذج عمل قابلة للاستمرار.

الآن وقت قطاع الألعاب

من منظور المستثمرين، ثورة الألعاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدأت بالفعل. والقضية أبعد من “اللعب” نفسه، فنحن بصدد بناء اقتصاد ابتكاري متنوّع للمنطقة. فتقنيات الألعاب والإبداع الرقمي مرشّحة لأن تصبح ركائز أساسية لهذا الاقتصاد، إذ تخلق وظائف عالية القيمة وتستقطب الشباب إلى قطاع حيوي وقابل للاستمرار.

وعلى هذه القاعدة، يمتلك قطاع الألعاب في كل عناصر النجاح التي يبحث عنها رأس المال الجريء: طلب قوي في السوق النهائي، وحجم سوق يتسارع نموّه، ودعم مؤسّسي متزايد. وقد رأينا هذا النمط يتكرّر من قبل في مناطق أخرى، وعلى الأرجح أنّ طفرة المنطقة ما زالت في بداياتها.

المنطقة تلعب من أجل الفوز—وكذلك المستثمرون.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.