English

إركب الدراجة الهوائية في مصر لتضع حدًّا للزحمة

English

إركب الدراجة الهوائية في مصر لتضع حدًّا للزحمة

هل فكّرت يومًا في ركوب درّاجة هوائيّة للتنقّل يوميًّا في مصر؟ إنّ هذا الحل غير التكنولوجي لمشاكل الإزدحام في الشوارع المصرية كان موضوع بحث في إطار ندوة حول "ركوب الدرّاجة الهوائية في مصر" نظّمها المعهد الهولندي-الفلمنكي في مصر (NVIC) في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2012.

الندوة هي ثمرة جهود كلّ من المعهد والسفارة الهولندية والمبادرة البيئية (Green Arm) أي الذراع الخصراء التابعة لجمعيّة "نهضة المحروسة" غير الحكومية. توزّع المتحدّثون خلال ورشة العمل على مجموعتين ضمّتا أكاديميين وناشطين مصريين من جهة، وخبراء هولنديين في مجال النقل من جهة أخرى. غني عن القول إنّ هولندا هي البلد الرائد في اعتماد الدراجات الهوائيّة كوسيلة نقل أساسية، حتى أنّ الخبراء الهولنديين يجوبون العالم لترويجها كوسيلة النقل الأكثر استدامة.

أشار في مداخلته البروفيسور خالد عباس، وهو مستشار في مجال النقل وعضو مجلس منظّمات نقل كثيرة في مصر، إلى أنّ مصر جاهزة لاعتماد الدراجات الهوائية كوسيلة نقل أساسية في البلد، نظرًا إلى أنّ حوالي 30% من التنقّلات الروتينية ترتكز على "النقل غير الآلي"، أي المشي وركوب الدراجة والعربة التي يجرّها حيوان. لكن تبيّن أنّ الناس يصرفون فكرة استخدام الدراجة لأسباب عدّة، منها سلامة الطرقات والكلفة والتحرّش، لا سيما التحرّش بالنساء.

تُعتبر الطرقات المصرية من بين الأخطر في العالم، ورغم ذلك، يركب الموظّفون الهولنديون في المعهد درّاجاتهم الهوائية كلّ يوم إلى مكان العمل، شاقّين طريقهم في شوارع الزمالك المزدحمة. يبدو إذًا أنّ العمليّة ممكنة اليوم حتى. وبسبب الشوارع المزدحمة فإنّ استخدام الدرّاجة أسرع من قيادة سيارة. أمّا التكلفة، فليست منخفضة إن اخترت درّاجةً من الطراز الأول، لكنّها تبقى أرخص من سيارة، وعلى أي حال، ما من حاجة لأحدث درّاجة متطوّرة للتنقلّ روتينيًّا من نقطة إلى أخرى. 

وقد شارك في المناقشات أيضًا الدكتور أحمد موزا، أستاذ معاون في قسم تخطيط النقل لدى الجامعة الألمانية في مصر. أشار بدوره إلى أنّ مصر تخسر 4% من إجمالي الناتج المحلّي بسبب إزدحام السير، ما يكفي لكي تلتفت الحكومة إلى خطورة الوضع. ومن هنا، يبدو منطقيًّا على المستوى الإقتصادي الترويج لركوب الدراجات الهوائية وتشجيعه، لا سيما وأنّ النقل الآلي ينمو بسرعة أكبر من التطوّر الإقتصادي! 

تحدّث مؤسس خدمات "كيبوينت" الإستشارية (Keypoint Consultancy) ورئيس سابق لقسم في وزارة النقل الكينية، ليو دي جونج عن تجربته في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. أعطى أمثلة حول مشاريع ناجحة ترتكز على ركوب الدراجات الهوائية في دول حارّة مثل مصر. وشدّد على أهميّة اعتماد مقاربة متعدّدة التخصّصات، من أجل تصميم مبادرات ملائمة، تأخذ بعين الإعتبار عوامل وعناصر مختلفة مثل البنى التحتية القائمة، المهارات في هندسة الصوت، السياسة المدمجة، والإنتباه الشديد لسلوك الإنسان.

إلى ذلك، أوضح الدكتور موزا أنّ "على المرء ممارسة ما يؤمن به"، لذا حرص دائمًا على ركوب درّاجته إلى العمل من أجل أن يكون مثالاً لمن حوله. ولعلّ من الأفضل التعاون مع شخصيّة معروفة لتدعم الفكرة علنًا وتركب الدراجة الهوائية كمصدر إلهام يُحتذى به. وقد اقترح هذه الفكرة مسلّطًا الضوء بشكل خاصّ على الفئات الإجتماعيّة المتوسّطة التي ضربها الكسل فباتت تتّكل على خدمات التوصيل والسائقين والسيارات ظنًّا منهم أنها تعطيهم هيبة.

الدكتور مارك زويجست تطرّق إلى النواحي الإجتماعية لاستخدام الدرّاجة الهوائية أيضًا. هو أستاذ معاون في جامعة النقل المدني في توينتيه Urban Transport at University of Twente وأمين سرّ الشبكة الأكاديمية الدولية للدراجات الهوائية (International Cycling Academic Network). كشف لنا أنّه ثمة في هولندا 16 مليون نسمة تملك 16 مليون درّاجة هوائية وتقوم بـ16 مليون جولة على الدراجة في اليوم الواحد! تعتبر الدرّاجة وسيلة نقل للجميع بالتساوي، من العائلة المالكة والوزراء إلى المواطنين العاديين الذين يستخدمون الدراجة، مهما كانت الأحوال الجويّة. كما أنّ راكب الدراجة محصّن في حال وقوع أي حادث ارتطام بسيارة، إذ يُلقى اللوم دائمًا على سائق السيارة!

أشار زويجست إلى منافع كثافة الدرّاجين في الطرقات، بحيث تؤدي إلى انخفاض السرعة بشكل عام وتجعل الطرقات أكثر أمانًا. وكشف لنا السرّ وراء بلوغ هولندا هذه المرحلة المتقدمة، أو بالأحرى الأسرار الثلاثة، ألا وهي الهندسة والتطبيق والتعليم. والعاملان الأخيران أساسيان في مصر، خاصّة في ما يتعلّق بالتحرّش وبإخلاء مجالات مرور.

خرجتُ من الندوة مكتسبًا معرفة جديدة. أظهرت لنا تجارب المتحدثين من حول العالم أنّه ثمة بلدان أكثر حرية وازدحامًا وتمييزًا جنسيًّا وكسلاً وبدانةً من بلدنا، بلدان ذات بنى تحتية أسوأ، بلدان استطاعت، رغم كلّ شيء، أن تطبّق مبادرات ناجحة في مجال ركوب الدرّاجات الهوائية. والإرادة هي المفتاح، لا سيما إرادة المسؤولين الحكوميين.

أدعو إذًا كلّ مسؤول حكومي يقرأ هذا المقال أن يعتلي درّاجته، فالسيارات وتطبيقات الجوّال الذكية ليست الحلّ لكلّ شيء، ومن الجيّد أحيانًا العودة إلى الأساسيات والقيام ببعض التمارين.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.