English

‫ريادة ثقافية موسيقية تعمل على لمّ شمل دول حوض النيل

English

‫ريادة ثقافية موسيقية تعمل على لمّ شمل دول حوض النيل

أن يكون هدفك تغيير موقف بعض الناس، أو مفهومهم الافتراضي الذي يمثل درجة إعجابهم أو كرههم لشيء معين والذي قد يترجم في السلوك لاحقا، هو شكل جديد من أشكال ريادة الأعمال؛ ريادة ثقافية لا ترتبط بمنتج أو خدمة بل بالمنظور الذي يرى الناس بعضهم بعضا من خلاله، وكيف يتصرفون نتيجة ذلك، وكيف يرون سبل تغيير واقعهم.

من هذا المنطلق، أطلق مينا جرجس من مصر وهو متخصص في علوم الموسيقى العرقية، مع ميكليت هاديرو، مطربة إثيوبية أمريكية، في آب/أغسطس 2011، حوارا موسيقيا بين الثقافات، يستحضر النهر الإفريقي كرمز لنظام بيئي مشترك، ويجمع دول حوض النيل التي عاش سكانها عقودا عديدة في صراع سياسي على مياه نهر النيل.

ويقول مينا: "نحن بحاجة إلى وعي ثقافي حول جيران النيل، خاصة أن مشكلة توزيع مياه النيل مستمرة منذ عدة سنوات دون أي حل سياسي، اذ علينا أن ندرك أن الحل ثقافي بالأساس، فالعلاقة الإفريقية غير واضحة بالنسبة لمصر وكأننا لسنا دولة إفريقية. من هنا نبدأ التغيير".

دفع غياب هذه العلاقة الثقافية بين دول حوض النيل الإحدى عشر (جمهورية الكونغو الديمقراطية، بوروندي، رواندا، أوغندا، تنزانيا، كينيا، إثيوبيا، إريتريا، جنوب السودان، السودان وأخيرا مصر) التي تتشارك في ثاني أطول أنهار العالم ويؤثر في حياة 400 مليون شخص، فنانين موسيقيين من مصر وإثيوبيا لتأسيس مشروع النيل، لجمع جيران النيل في إطار مبتكر يمكّنهم من خلق علاقة حضارية جامعة ومواجهة التحديات الثقافية والبيئية بنهج موسيقي تعليمي وتنموي يهدف إلى تغيير الموقف قبل تغيير السلوك.

يعتبر مينا أن مشروع النيل أقرب لمفهوم الريادة الثقافية، وهو يحمل رؤية أكبر من كونه مجرد مشروع موسيقي، قائلا إن استمرارية المشروع ليست شرطا لنجاحه الذي يعتمد على تغيير المفاهيم وليس حتما تغيير السلوك، وبالتالي يكون من الصعب القياس الكمي لحجم تأثير المشروع.

الـ"مزيكا" أولا

جمع مؤسسا مشروع النيل، منتصف الشهر الماضي في أسوان (جنوب مصر)، عشرين موسيقيا من مصر والسودان والنوبة (من كل من مصر والسودان) وجنوب السودان وإريتريا وأثيوبيا وأوغندا، جاءوا بأغانيهم الخاصة عن النيل والفقر والسلام والحب والحرب لينشروا فنهم بين جيران النيل، كما شكلوا فرقا فيما بينهم ووضعوا أغاني وموسيقى جديدة توحد حوض النيل موسيقيا وثقافيا، لتعزف "مقطوعات نيلية" بأساليب غنية وآلات متنوعة موجودة في شرق إفريقيا، وذلك في حفلتين بأسوان والقاهرة في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بينما تظل عقد السياسة تطل برأسها بين الحين والآخر.

يعتمد مينا، في نموذج التغيير الذي وضعه، على الـ"مزيكا" كطريقة لحل الصراعات، لكن ربما يتبادر إلى الذهن سؤال عن كيفية جذب الجمهور المستهدف لهكذا مشروع وسط صراعات سياسية داخلية وهموم حياتية قد تحد من الأثر المرغوب فيه. ويقول مينا إن سكان البلد الواحد يختلفون في علاقتهم بالنيل. ففي مصر مثلا، لا يحظى النيل بنفس درجة الاهتمام لدى سكان الوادي وسكان سيناء عنهم في واحة سيوة أو الإسكندرية، وبالتالي فالأمر معقد لأننا يجب أن نصمم رسائل مختلفة لكل جمهور في الدول الإحدى عشرة بشكل يخاطب أولوياتهم واهتمامتهم بشكل مباشر.

في هذا السياق، تكون شبكة المستشارين للمشروع والمتخصصين في مجالات مختلفة منها سياسية وأخرى تنموية وبيئية وموسيقية وتعليمية وفي الريادة الاجتماعية، يدا مساعدة لصياغة رسائل مختلفة تخاطب الجمهور على قدر تنوعه.

ريادة ثقافية

ولد المشروع لدى مينا بعد حضوره حفلة موسيقية إثيوبية في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تبعد مئات الآلاف من الأميال، موسيقى إثيوبية لم يسمعها في بلده مصر رغم القرب الجغرافي. ويرى الموسيقي المصري الشاب أن الموسيقى الجيدة تؤثر ايجابا على السياحة، ضاربا مثالا بالسالسا الكوبية، وأنه يمكن لدول حوض النيل تعظيم الاستفادة من دول الجوار الإفريقي في تنشيط السياحة لديها.

وحسب الخطة الخمسية الموضوعة، فإن المشروع ينظم العام القادم جولة نيلية باستخدام قارب مصنوع من زجاجات المياه المعاد تدويرها تبدأ من البحر المتوسط إلى أسوان في 35 يوما، وتتضمن حفلات موسيقية وعدد من ورش العمل يتم تنظيمها في محطات مختلفة للتعرف على النسيج البيئي والثقافي لنهر النيل. يصاحب ذلك أيضا إطلاق منصة حوار على الانترنت لتبادل الأفكار والقصص النيلية من خلال المحادثات الحية وكذلك التسجيلات القصيرة.

ومن ضمن البرامج المخططة، تنظيم مهرجان النيل في صيف 2016  للمشاركة ولأول مرة في المهرجان الذي يقيمه مركز سميسونيان للحياة الشعبية والتراث الثقافي Smithsonian Center for Folk Life and Cultural Heritage في العاصمة الأمريكية. كما ويطمح مينا أيضا الى وضع منهج تعليمي متعدد التخصصات عن النيل ليشمل أجزاء متعلقة بالثقافة والتاريخ والجغرافيا وغيرها للإسهام في تنشئة الأطفال ليشعروا بالتعاطف ومعرفة الغير Empathy منذ سن صغيرة، كما يلهموهم بأفكار يمكن تحويلها لمشروعات اجتماعية صغيرة.

أما عن مصادر تمويل هذا المشروع غير الربحي، فيوضح مينا أن الشغل الشاغل لمشروع النيل هو الإبقاء على رسالته، قائلا إن تنوع المجالات التي يرتبط بها المشروع بين تعليم وبيئة وتنمية وسياحة وغيرها يجعله جاذبا للعديد من الجهات المانحة باعتباره "الوصلة المفقودة" بين الثقافة والتنمية اذ غالبا ما تفتقد المشروعات التنموية البعد الثقافي.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.