English

روّاد أعمال لبنانيون ينمون مواهب جديدة طرابلس

English

روّاد أعمال لبنانيون ينمون مواهب جديدة طرابلس

في وقتٍ ليس ببعيد، وفيما كنتُ أمشي في وادي قاديشا، أحد أكثر المواقع قداسةً في لبنان، تسنّت لي فرصة التحدّث مع فادي ميقاتي، الشريك المؤسِّس لـ"نادي روّاد الأعمال الشباب في طرابلس" Tripoli Entrepreneurs Club.

تحدثتُ مع ميقاتي في ذلك اليوم الضبابيّ البارد حول الطبيعة والنشاطات التي تُقام في الهواء الطلق، ولكن سرعان ما أوصلنا الحديث إلى الأعمال وما يقوم به كلٌّ منّا ليكسب لقمة عيشه.

حماس ميقاتي وشغفه حيال عمله اللذان اختلطا مع رائحة الهواء النقيّ، كانا معديَين. فهو يملك خلفيةً في الشؤون المالية وتحديداً في الشؤون المالية الإسلامية، كونه أستاذاً جامعيّاً ومحلّلاً ماليّاً في كفالات ش.م.ل. Kafalat S.A.L.، شركةٌ ماليةٌ لبنانية توفّر القروض للشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم. ومع أنّه يحبّ جدّاً وظيفته التي يشغلها منذ خمس سنواتٍ في الشركة، لم يظهر البريق في عينَيه إلاّ عندما بدأ يتكلّم عن "نادي رواد الاعمال الشباب في طرابلس".

وادي قاديشا. الصورة من reinefarhat.wordpress.com

ردّ الجميل لطرابلس

"نادي روّاد الأعمال الشباب في طرابلس" هو منظّمةٌ غير سياسيةٍ وغير دينيةٍ وغير حكومية، تهدف إلى إنشاء الثقافة الريادية في لبنان وتعزيزها وتنميتها، مع التركيز بشكلٍ خاصٍّ على هذه المدينة الساحلية الشمالية. وتقوم المنظّمةُ بهذا الأمر عبر تثقيف الطلّاب والمخترعين الشباب من خلال حملات التوعية والتدريب عن ريادة الأعمال والتخطيط للأعمال، بالإضافة إلى جمع التمويل وعرض المشاريع في ورش عملٍ مركّزةٍ ومسابقاتٍ ومعسكرات تدريب.

أعضاء "نادي روّاد الأعمال الشباب في طرابلس" المتطوِّعون بمعظمهم والذين يتحدّرون من خلفياتٍ مختلفة، يقدّم كلٌّ منهم بحسب خبراته قيمةً معيّنةً لمن يشاركون في فعالياتهم. فميقاتي مثلاً، يساعد في الجانب الماليّ ويدرّب المشاركين على كيفية إعداد الميزانية العمومية وأيضاً على تحقيق نقطة التعادل وإعداد بيانات الدخل والتدفّقات النقدية، كما يساعدهم في مواضيع جمع التمويل. ومن جهته، فإنّ العضو الآخر في النادي رشاد بارودي، يقدّم المشورة القانونية حول كيفية تسجيل الشركة وتوزيع الأسهم والحصول على براءة اختراع. أمّا نجوى سحمراني التي سبق أن شاركت في تأسيس "كارديو دياجنوستكس" CardioDiagnostics وأطلقت "الكندي" Alkindy كفسحةٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ في طرابلس، فتهتمّ ببحوث السوق وتقييم الأفكار. وبدورها تتخصّص سالي خلف، الشريكة المؤسِّسة لـشركة "جرين وايز" Green Ways لمعالجة المخلّفات في شمال لبنان، في إعطاء ورش عملٍ حول عرض المشاريع والأفكار. بالإضافة إلى ذلك، يختصّ رامي علم الدين مؤسِّس "هيرويك" Heroic، وهو تطبيقٌ ما زال قيد التطوير، في ورش عمل توليد الأفكار. 

صورة: فادي ميقاتي يتكلّم في حفل تخرج "نادي روّاد الأعمال الشباب في طرابلس"

وُلدت فكرة إنشاء النادي في أيلول/سبتمبر 2013، عندما كانت سحمراني تنظّم لقاءاتٍ أسبوعيةً لروّاد الأعمال في طرابلس، و"كان يحضر الفعالية ثلاثون شخصاً كل أسبوع،" بحسب ما يذكر ميقاتي أثناء حديثٍ معه في مكاتب "ومضة". وكانت من إحدى الألعاب الهادفة التي لعبوها، "أنّه على كلّ شخصٍ أن يضع ألف ليرةٍ لبنانيةٍ في وعاءٍ وأن يقترح فكرةً ما، على أن يحصل صاحب الفكرة الرابحة على كلّ المال الذي في الوعاء." ونتيجةً لهذه العملية، كانت فكرة "نادي روّاد الأعمال الشباب في طرابلس" هي الفكرة الرابحة، ويقول ميقاتي عن هذا الأمر: "لقد فازت فكرتي وأخذتُ ذلك على محمل الجدّ. الكلّ كان متحمّساً وقالوا لي لنعمل عليها." وهكذا سرعان ما ألّفنا فريقاً وبدأنا بتنظيم الفعاليات بمساعدة غرفة التجارة، التي قدّمَت لنا منذ اليوم الأوّل الدعمَ ومكاناً لإقامة الفعاليات وطعاماً مجانيّاً للضيوف.

ويضيف ميقاتي، "نحن نبحث دائماً عن أشخاصٍ يفكّرون مثلنا لكي ننمّي مجتمعاً منتِجاً في طرابلس وفي الشمال وفي لبنان [ككلّ]. لقد أطلقنا حتّى الآن ثلاث شركاتٍ ناشئةٍ في ستّة أشهر وبات لديها فرق عمل."

معسكر تدريبيّ في محمية إهدن الطبيعية

في أيلول/سبتمبر الماضي، نظّم "نادي روّاد الأعمال الشباب في طرابلس" معسكراً تدريبياً لثلاثة أيام في محميّة إهدن الطبيعية شمال لبنان ضمّ 25 مشاركاً و6 مرشدين، لتعليم الشباب حول ريادة الأعمال من الألف إلى الياء في محيطٍ مريحٍ للنظر.

اليوم الأوّل من المعسكر، شمل جلسةً حول بحوث السوق وتقييم الأفكار. فتعلّم منها المشاركون كيف يطوّرون الأفكار، وزُوِدوا بالأدوات اللازمة للخروج ببدائل لنماذج أعمالهم، ثمّ ذهب الجميع في نزهةٍ في الطبيعة سيراً على الأقدام. وعن هذا الأمر ذكر ميقاتي، "هذه ليست مدرسةً. نحن نسعى لجعل ريادة الأعمال أمراً مرحاً." 

وفي اليوم الثاني، حضر المشاركون في جلسةٍ حول الاستراتيجيات، صُمِّمت لتتطرّق إلى أفضل ممارسات التسويق وكيفية تقسيم السوق وإعداد استراتيجية المبيعات والتسعير. كما تطرّقت الجلسة الثالثة إلى الصيَغ القانونية التي يمكن للشركة أن تأخذها، واطّلع من خلالها المشاركون على قانون التجارة اللبنانيّ وعلى كيفية التمييز بين أنواع الشركات وكيفية الحصول على براءة اختراع وكيفية تسجيل شركةٍ، وانتهى اليوم بإشعال نار المخيّم.

أمّا اليوم الثالث، فانطلق برياضة التأرجح من جهةٍ إلى جهةٍ بواسطة حبلٍ أو ما يُعرف بـ"زيب لاين" zip line أو "فلايينج فوكس" flying fox، وذلك لكي تتدفّق الأفكار المبدعة إلى أذهان المشاركين قبل حضور جلسةٍ حول إجراء دراسات الجدوى وإتمام البيانات المالية في الشركات الناشئة. وتعلّم المشاركون في هذه الجلسة أسس البيانات المالية والتحاليل المالية، وكيفية تحقيق نقطة التعادل وتقييم الأعمال وفهم مستند الأجل وغيرها. وأخيراً وليس آخراً، عُقدت جلسة عرض الأفكار، حيث تمّ اختيار فائزٍ واحدٍ. وفي هذا السياق، يحرص ميقاتي على القول إنّ "شخصاً واحداً سينتقل إلى مرحلة تسريع الأعمال معنا. لم يكن الجائزة نقديةً، إذ لم نكن نريد أن يشاركوا من أجل المال. بل أردنا أن يشاركوا لأنّهم يريدون فعلاً بناء شركةٍ ناشئة، وليس أخذ المال والمغادرة. كان لدينا رعاةٌ وكان بإمكاننا أن نؤمّن المال لو أردنا، لكنّ ذلك لم يكن هدفنا." 

أمّا المشروع الفائز فكان "ديربي" Derby، تطبيقٌ يساعدك على حجز ملاعب كرة القدم وكرة السلّة حسب الوقت واليوم وعدد اللاعبين. وبإمكانه أيضاً أن يطابق اللاعبين مع بعضهم البعض، لكي يكتمل الفريق.

حفل التخرج

حفل التخرّج الذي عُقد في غرفة التجارة في طرابلس في 6 أيلول/سبتمبر، حضره حوالي 80 شخصاً جاؤوا ليرَوا الأفكار التي تخرّجت من "نادي روّاد الأعمال الشباب في طرابلس". إليك نظرة على بعض هذه الأفكار:

-"بوبزي" Bobzy: مضربٌ خشبيٌّ مضغوطٌ racket لا ينكسر وسهل الحمل، من تصميم شابٍّ في الثانية والعشرين من عمره

-"ديربي" Derby، الفائز.

-"وايستريسيتي" Wastericity: حلٌّ لتوليد الغاز من النفايات.

-"فانستا" Funsta: بعد أن أعاد هذا الصبيّ في السادسة عشرة من عمره صفوفه مرتين، بنى هذا التطبيق ليساعد الطلّاب على مساعدة بعضهم البعض في الواجبات المدرسية وكسب المزيد من النقاط لتبقى علاماتهم عالية.

-"يو مايد" YouMade: منصّةٌ تشجّع على شراء المنتَجات المصنوعة منزلياً أو "مأكولات التيتا" (أي الجَدّة)، كما يصفها ميقاتي. توفّر هذه المنصّة وسيلةً لربّات المنزل ليسوّقن منتجاتهنّ ويبعنها على الإنترنت، حيث ستُتاح صفحةٌ خاصّةٌ لكلّ امرأةٍ على الموقع لكي يتمكّن المستخدمون من تقييم كلّ منتَجٍ على حدة وتتبّع مسار توصيله.

خلال الحفل الذي جرى في غرفة التجارة في طرابلس 

"يعتقد الشباب أنّه لا يمكنهم فعل ذلك،" يقولها ميقاتي. ثمّ يتابع شارحاً، "ولكن عندما نريهم أمثلةً واقعيّةً مثل نيل شاب التمويل ونجاحه، يتحمّسون ويغيّرون طريقة تفكيرهم وتزيد ثقتهم بنفسهم."

هؤلاء الشباب الناشطون هم الذين بنوا هذا النادي وعملوا على تنميته في أوقات فراغهم أثناء عطلات نهاية الأسبوع، متّخذين من المقاهي مقرّاً لهم. وعندما نعلم أنّهم قاموا بهذا الأمر في منطقةٍ تشتهر للأسف الشديد بعدم استقرارها، لا يسعنا سوى أن نسأل أنفسنا: ‘ما الذي يمنعنا من أن نرد الجميل للمجتمع؟‘

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.