English

روّاد الأعمال السوريون يبتدعون حلولاً تقيهم شرّ الحرب‎

English

روّاد الأعمال السوريون يبتدعون حلولاً تقيهم شرّ الحرب‎

DAMASCUS SOUK

لطالما سمعنا أنّ البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تزدهر. المزيد من الاستثمارات في شركاتٍ ناشئةٍ من المنطقة تمّت خلال العام الماضي أكثر من أيّ وقتٍ مضى، المزيد من روّاد الأعمال من المنطقة يقومون بشراكاتٍ طويلة الأمد مع شركاتٍ كبرى متعدّدة الجنسيات في جميع أنحاء العالم، كما أنّ المزيد من الشباب باتوا يرون في ريادة الأعمال وسيلةً ناجعةً لكسب لقمة العيش في منطقةٍ منكوبةٍ مبتليةٍ بالبطالة والفساد ومقاومة التغيير.

ولكنّ هذه الأخبار الجيّدة لا تصل إلى جميع أنحاء العالم العربي، فها هي سوريا التي تشهد حرباً أهليةً ومآسٍ مختلفةً منذ أربع سنواتٍ، تحاول منع مجال التقنية الذي كان ينبض بالحياة سابقاً من الانزلاق نحو الهاوية. يقول مؤسِّس "شوب جو" Shopgo، مهنّد غشيم، إنّ "80% من مطوّري البرامج السوريين من ذوي المستوى المتوسّط والمتقدّم غادروا البلاد. وهذه الإحصائية تمّ ذكرها أيضاً من قِبَل محمد حبش، رئيس تحرير اللغة العربية في الموقع الإلكترونيّ "عالم التقنية" Tech-WD، الذي كان يعمل من منزله في حلب منذ بدء الصراع. "لا مكان للتقنية في سوريا اليوم،" يقولها بدوره غيث العقّاد، مؤسِّس "بيكاسّو إنترآكتيف" Picasso Interactive، وكالة للاتّصالات التفاعلية والرقمية، تتّخذ من دبي مقرّاً لها.

هذه المقالة هي الأولى من سلسلةٍ بجزأين، تتحدّث عن تأثير الصراع الدائر في سوريا على سبل عيش روّاد الأعمال السوريين ومطوّري البرامج وموظّفي الشركات الناشئة. وفيما يلي، سوف نبحث في كيفية تعامل أعضاء مجتمع التقنيات الذين بقوا في البلاد، مع التحدّيات الناجمة عن الحرب؛ أمّا في المقالة الثانية، فسوف نتطرّق إلى كيفية تأثير الحرب على المغتربين السوريين الذين يعملون ضمن البيئة الحاضنة للأعمال التقنية في المنطقة.

بالرغم من نزوح روّاد الأعمال وموظّفي الشركات الناشئة (بالإضافة إلى الجميع تقريباً)، وبالرغم من التوقّعات المتشائمة من قبل العديد من المشاركين في المجال الإقليميّ للتقنية، فإنّ بعض روّاد الأعمال وموظّفي الشركات الناشئة الشجعان لم يغادروا سوريا واستمرّوا في العمل على مشاريعهم المختلفة رغماً من وجود تحدّياتٍ وجودية على معيشتهم وحياتهم. وهذا التعامل الخلّاق مع الأمور ذو المنحى الاجتماعيّ الذي يبديه هؤلاء، يشكّل إلهاماً لما يمكن إنجازه بقوّة الإرادة بالرغم من الأخطار المحيطة.

الطاقة للشعب

بالنسبة إلى العديد من العمّال في الوظائف الإدارية والمكتبية الذين بقوا في سوريا، يشير حبش إلى أنّ التركيز على العمل يتطلّب جهداً للارتقاء فوق كلّ "الاضطرابات" التي يواجهونها في أيّ وقت. وبعبارةٍ أخرى، عندما تتعرّض مدينتك للقصف فإنّ آخر ما تقلق بشأنه هو النفاذ إلى الإنترنت، وفقاً لعبد المهيمن الآغا، مؤسِّس ومدير منصّة "حسوب" Hsoub على شبكة الإنترنت (التي يسكن مديرها التنفيذيّ للعمليات وخمسةٌ من موظّفيها في دمشق).

ولكن عندما يمتلكون الوقت والطاقة للعمل، فإنّ العائق الذي يتصدّى لهم بكلّ الأحوال هو النقص الحادّ في التغذية بالتيّار الكهربائيّ. ولقد وجد باحثون صينيون من خلال مقارنة صورتَين مختلفتَين تمّ التقاطهما عامَي 2011 و2014، أنّ سوريا عام 2014 لم تكن مشعّةً إلّا بنسبة الربع مقارنةً بما كانت عليه عام 2014.

syria satellite 2011

صور التقطها القمر الاصطناعيّ في شباط 2011 وفي آذار/مارس 2014، تُبرز الاختلاف الواضح في توافر الكهرباء. (الصورة من  Xi Li & Deren Li)

يقول حبش الذي كان يتواجد في حلب منذ بدء الحرب، "في السنة الأولى من الحرب كنّا نرى الكهرباء من أربعِ إلى ستِّ ساعاتٍ في اليوم؛ وعندما تذهب، كنّا نذهب للتنزّه أو نقرأ صفحات الإنترنت المحمّلة مسبقاً. وفي السنة التالية، بات من الطبيعيّ أن لا يكون لدينا كهرباء لمدّة أسبوعٍ كامل، ولذلك بدأنا بتطوير وسائل بديلة قد تسمح لنا بإكمال أعمالنا. وحالياً، يمتلك كلّ شارعٍ مولّد كهرباء مشترك، حيث يدفع كلّ شخصٍ جزءاً من التكلفة."

 ومن خلال استخدام مولّدات الكهرباء التي تكلّف إجمالاً بين 400 و2000 دولارٍ ويتمّ تشغيلها على البنزين أو الديزل، تعمد العائلات إلى شحن بطّاريات بطاقة 12 فولت (التي عادةً ما تُستخدَم في السيارات)، وبذلك يستطيعون تشغيل أجهزة الوايفاي والحواسيب والتلفزيونات أو الأضواء. ويقول حبش إنّه "يمكن استخدام محوِّلات الطاقة لرفع الجهد الذي نحصل عليه من البطّاريات، بهدف تشغيل أجهزةٍ أكبر،" مثل البرّادات.

ومن ثمّ يضحك قائلاً، "إنّ هذه البطّاريات الصغيرة هي وزارات الطاقة الخاصّة بنا." ويضيف، أنّه "نظامٌ معقّدٌ نملكه" لتوليد الطاقة في سبيل إتمام الأعمال، "وهو لا زال قيد التطوير."

الحصول على المال

المشكلة الأخرى التي تواجه العاملين في مجال التقنية داخل سوريا وكذلك الأشخاص الذين يوظفونهم، هي مسألة دفع الرواتب. فلقد تدهورت قيمة الليرة السورية بشكلٍ سريعٍ أمام الدولار الأميركيّ (الصورة على اليسار)، حيث ارتفع سعر صرف الليرة السورية من 47 ليرة للدولار الواحد عام 2011 إلى أكثر من 200 ليرةٍ عام 2013 وأكثر من 300 ليرةٍ في بعض الأماكن، وفقاً لحبش. وهذا ما يعني أنّ الموظّفين لن يحصلوا على رواتبهم كاملةً، حيث أنّ الرواتب تتأثّر بالتضخّم الحاصل. وبالإضافة إلى ذلك، عمدت شركة "ويسترن يونيون" ًWestern Union قبل ثلاثة أو أربعة أشهر إلى تعليق العمل بخدماتها، ممّا قلّص الخيارات أمام الأشخاص الذين يحاولون إنشاء أعمالٍ خاصّةٍ بهم. "ولهذا السبب لجأتم إلى وسائل غير رسمية،" يقول المحرّر.

وبالرغم من ذلك، لم تأتِ مشكلة صرف الرواتب بسبب الحرب وحسب، بل إنّ العقوبات الأميركية التي كانَت موجودةً أصلاً قبل الحرب جعلَت الأمور صعبةً لسنوات. ففي عام 2011، كما يقول مهنّد غشيم من "شوب جو"، إنّ هذه العقوبات "منعت زبائني [في الولايات المتّحدة] من تحويل الأموال إليّ،" وهذا ما لعب دوراً أساسياً في نقل عمله إلى الأردن. ويضيف، "لاحظتُ أنّ الأمور تتّجه نحو الأسوأ بالنسبة للأعمال في سوريا، ولقد أردتُ التأكّد من أنّني أقوم بعملٍ مستدامٍ بدلاً من القيام بمخاطرةٍ غير ضرورية." (في ذلك الحين تلقّت "شوب جو" نحو مليون دولارٍ أميركيٍّ من "مينا فينتشر إنفستمنتس" MENA Venture Investments.)

وخلال الحرب، راح أولئك الذين لم يغادروا أو لم يشاؤوا المغادرة يلجؤون إلى وسائل بديلةٍ ومبتكرة (اقرأ: قد يكون بعضها خارجاً عن القانون) لتحويل الأموال. فلجأ البعض إلى فتح حساباتٍ مصرفيةٍ في لبنان، وعمد البعض الآخر إلى استعمال الشبكة الخاصّة الافتراضية VPN للالتفاف على قيود "باي بال" PayPay.

وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال البعض الآخر يعتمد على أطرافٍ ثالثةٍ في لبنان أو غيرها من الدول المجاورة لتلقّي الأموال، حيث يعبر الحدود ليقوم بالأمر. وبدوره، يبدو أنّ الآغا من "حسوب" محظوظٌ كونه يوظّف أشخاصاً من الجنسية اللبنانية، يمكنه الوثوق بهم لكي يوصلوا رواتب الموظّفين السوريين بشكلٍ سليم. أمّا البعض الآخر، فهو يعتمد على المهرّبين الذين ينشطون عبر الحدود لتوصيل الأموال. وهذا بحسب حبش، "يجعلك معرّضاً لعمليات الاحتيال."

"البيئة لا تزال حيوية"

بالرغم من التحدّيات التي تواجه روّاد الأعمال والأشخاص الذين يعملون في مجال التكنولوجيا الذين لم يغادروا الأراضي السورية، "فإنّ البيئة لا تزال مفعمةً بالحيوية،" كما يصرّ غشيم على القول. "فروّاد الأعمال السوريون الذين بقوا هناك من الذين أعرفهم، تمكّنوا من إنشاء أعمالٍ خاصّةٍ بهم في العالم."

من جهته، يسارع الآغا للدفاع عن موظّفيه السوريين، لدى السؤال عم كيفية تأثير الصراع على أدائهم العمليّ. وهو إذ يقرّ بأنّ إنتاجيّتهم انخفضَت، يقول إنّ "الناس هناك لا زالوا يتفوّقون على أقرانهم في البدان الأخرى... ويفاجئني أنّ هؤلاء الموظّفين لا زالوا يقدّمون الأداء الذي طالما تمتّعوا به."

بالنسبة إلى حبش، فهو لا يخطّط للمغادرة بالرغم من أنّه سوف يتمتّع بفرصةٍ للتركيز على عمله بعيداً عن الاضطرابات التي تجرّها الحرب. أضف إلى أنّ عملية المغادرة بالنسبة له صعبةٌ ومعقّدة، حيث يترتّب عليه الحصول على جواز سفر يحتاج بدوره إلى أن يكون صاحبه منهياً خدمته العسكرية، بالإضافة إلى المرور على نقاط التفتيش الحكومية "الكابوسية". وهذا الأمر سيحتاج إلى جهدٍ أكبر من الذي يبذله خلال معاناته اليومية، مستخدماً مصادر الطاقة المرتَجَلة والحصص الغذائية المقدَّمة من المنظّمات غير الحكومية.

"إنّ التجربة السورية تتلخّص الآن في عدم وجود المال،" يقولها حبش مستهجناً، ويضيف أنّ "الناس اعتادوا على ذلك." 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.