English

نحو جمعية مصرية للاستثمار المخاطر [رأي]

English

نحو جمعية مصرية للاستثمار المخاطر [رأي]

لا شكّ في أنّ البيئة الريادية في مصر لا تزال حديثة العهد، وإذا كانت الشركات الناشئة يافعةً فإنّ المستثمرين يافعون أيضاً.

يجب علينا كمستثمرين العمل سويّاً لنعزّز موقعنا ونكون شركاء مناسبين للروّاد المصريين والروّاد في مختلف أنحاء المنطقة. هذا ما أنادي به، إذ ينبغي علينا كمستثمرين مصريين أن نجتمع ونؤسّس جمعيةً قويّةً لرأس المال المخاطر يمكنها أن تساعد في تطوّر هذا القطاع.

التعاون بين المستثمرين؟

لكي تكون مستثمراً جيداً عليك أن تتمتّع بالمعرفة اللازمة، وهذا يعني في بعض الأحيان التأكّد من أنّ الآخرين لا يمتلكون هذه المعرفة. وبالتالي عندما تتحدّث عن تعاون المستثمرين، خصوصاً في سوقٍ فتيّة ستسمع الكثير من الأصوات المعترضة، لأنّ المستثمرين يمكن أن يكونوا ماكرين إذا كنتَ تتساءل.

التعاون صعب ودونه طريق طويلة تتطلّب منّا النظر لما هو أبعد من الاحتياجات الفردية وصولاً إلى تحقيق المنفعة العامّة على المدى الطويل. وذلك لأنّه عندما نصبح مجموعةً متجانسةً من المستثمرين تعمل بشكلٍ جماعيّ، سوف ينعكس الأمر إيجاباً على الصعيد الفرديّ.

إليكم فيما يلي أربعة أسس ينبغي علينا كمستثمرين أن نتعاون في إطارها، من أجل تطوير أنفسنا وتطوير البيئة الريادية في مصر والمنطقة:

البيانات: نحتاج إلى مشاركة البيانات مع بعضنا البعض حول التعاملات التجارية التي نجريها، والبدء ببناء قاعدة بياناتٍ يمكننا الاعتماد عليها لاستخلاص القرارات المناسبة عند القيام بصفقات الاستثمار.

هذه البيانات التي تتضمّن أرقام صفقات التخارج exits multiples (بيع أو استحواذ)، والتقييمات valuations، ونسبة الأسهم المملوكة في الشركات equity stakes، سوف تساعدنا على اتّخاذ قراراتٍ أفضل، ومن ثمّ تحقيق عوائد أفضل، ووضع مقاييس جماعية للقطاع مع الوقت يمكن أن يتّبعها الجميع. وبهذه الطريقة، إذا استطعنا أن نُظهِر تحسّناً في الأداء، يمكن أن نجذب المال من المستثمرين.

هذا الأمر تقوم به "الجمعية الوطنية لرأس المال المخاطر" National Venture Capital Association في الولايات المتّحدة الأميركية على أكمل وجه. فهي تخصّص قسماً للبيانات والأبحاث التي تشمل عمليات الحصول على الأموال، وصفقات التخارج، وشركات رأس المال المخاطر، وغيرها من الإحصاءات المرتبطة بالقطاع.

التشريعات والقوانين: لا تعترف البيئة القانونية في مصر بهذا النوع من التعاملات والصفقات التي نُجريها.

 لذلك لا بدّ أن نحمل احتياجاتنا إلى الحكومة وأن نتوحّد كمجموعةٍ لتغيير هذه البيئة القانونية، من أجل الوصول في نهاية المطاف إلى إنشاء بيئةٍ رياديةٍ تتواجد هنا وليس في جزر العذراء البريطانية أو في ديلاوير.

ساهمَت التشريعات القانونية والنظم الضريبية التفضيلية في ديلاوير في جعل هذه الولاية الأميركية موطناً للشركات الخارجية offshore، بحيث وصل عددها إلى 285 ألف شركةٍ تقريباً بما فيها "آبل" Apple و"كوكاكولا" Coca Cola و"جوجل" Google. بالإضافة إلى ذلك، باتت الشركات الناشئة تتدفّق أكثر إلى هذه الولاية مع إطلاق برنامج "أطلس" Atlas من شركة "سترايب" Stripe الذي يستفيد من القوانين الملائمة للأعمال.

وبالتالي، يشكّل هذا المثال دليلاً واضحاً على مدى تأثير سهولة القوانين على نموّ الاقتصاد، ما يدفعنا إلى المطالبة بتحسين القوانين لدينا.

التنظيم: ألا يجب أن يكون هناك قواعد تحدّد صفات المستثمر، ونظامٌ يُلزِم الجميع؟ ماذا عن التأكّد من اتّباع بعض أفضل الممارسات ووضع مدوّنةٍ لقواعد السلوك؟

لا تنظيم أفضل من التنظيم الذاتيّ، والبرامج مثل برنامج "أيزو" ISO الذي يستهدف الأعمال أصبحَت معياراً لأنّ العملاء لا يطلبونها وحسب بل يتوقّعونها من الشركات التي يتعاملون معها.

وبالتالي، إذا بادرنا إلى تنظيم أنفسنا سيصبح التعامل مع المشرّعين والحكومة أسهل في المستقبل، بحيث سيكون لدينا سجلٌّ حافل ودليلٌ على نجاح التنظيم الذاتيّ. وحتّى إذا أرادوا أن يأخذوا هُم زمام المبادرة، سنتمكّن من المشاركة في صياغة هذا الواقع والتفاوض من موقعٍ قويّ.

في هذا الإطار، تشكّل "جمعية رأس المال المخاطر البريطاني" British Venture Capital Association (BVCA) مثالاً لمؤسّسةٍ تعمل على التنظيم الذاتيّ، أو يتشارك أعضاؤها أفضل الممارسات على أقلّ تقدير. وتقوم "المجموعة الاستشارية للاستثمار المسؤول" Responsible Investment Advisory Group التابعة للجمعية بتقديم النصائح لأعضائها لمساعدتهم على الاستفادة من اعتبارات الاستثمار المسؤول لاتّخاذ قراراتهم. كما تقدّم أيضاً دوراتٍ تدريبية ودروساً في التأسيس للمهتمّين بالعمل في مجال الاستثمار المخاطر.

التوعية: علينا كمستثمرين أن نثقّف المستثمرين العالميّين حول البيئات الحاضنة في مصر والمنطقة وحول الفرص التي تشتمل عليها. فالعمل معاً لتثقيف هؤلاء بشكلٍ محايد، يسهّل علينا الحصول على رأس المال للمستثمرين والشركات الناشئة التي تتطلّع إلى تمويل جولاتها الاستثمارية اللاحقة.

بالإضافة إلى ذلك، تساعدنا هذه العملية في زيادة فرص حصول صفقات تخارج لاستثماراتنا، كما تمكّننا من تحرير بعض الموارد لكي نسبق المستثمرين الدوليين الذين لا يمانعون من إجراء استثماراتٍ ذات مخاطر عالية.

على سبيل المثال، فإنّ "جمعية الاستثمار المباشر في الأسواق الناشئة" Emerging Market Private Equity Association في أمريكا التي تقوم بهذا النوع من الأعمال، تساعد أعضاءها المهتمَين بالاستثمار في الأسواق الناشئة من خلال توفير البيانات والأبحاث والدعم. وفي مصر، يمكن لـ"الجمعية المصرية للاستثمار المباشر" Egyptian Private Equity Association أن تكون شريكاً ممتازاً في أيّ مبادراتٍ للتوعية من هذا النوع.

التعاون من خلال الجمعيات

كلّ هذا عظيم، ولكن كيف نبدأ؟ الأمر سهل، نحتاج إلى تأسيس "جمعيةٍ مصرية للاستثمار المخاطر" (قد يكون من الأفضل أن تعمل على صعيدٍ إقليميّ، ولكن دعونا نبدأ من مكانٍ ما). ويجب أن تكون هذه الجمعية مستدامة وفعّالة وحيادية لكي تستمرّ على قيد الحياة، لأنّ كلّ هذه الأهداف مرتبطة بعضها ببعض وليس من الممكن تحقيق أحدها من دون الآخر.

أمّا العنصر الأهمّ في إنشاء أيّ هيئةٍ أو كيانٍ يجمعنا فهو الحيادية، كون هذه الأخيرة ضرورية لتبادل البيانات بحرّيةٍ بين المستثمرين، وكونها العنصر الأهمّ في تشكيل جمعيةٍ لرأس المال المخاطر.

من جهةٍ ثانية، تحتاج جمعية رأس المال المخاطر إلى توظيف الأشخاص المناسبين لتحقيق هذه المهمّة، والقادرين على التركيز عليها بشكلٍ تام وليس فقط في أوقات فراغهم؛ لذا نحتاج إلى التمويل.

يُعتبَر التمويل أساسياً لتحقيق الاستدامة الشاملة للجمعية، ليس فقط من أجل توظيف الأشخاص المناسبين وحسب، بل أيضاً لكي تتمكّن من ممارسة مهامها بعيداً من أيّ تأثيرٍ من أعضائها أو من الأموال الممنوحة لها. لذلك أقترح فرض رسم اشتراكٍ شهريٍّ يكون بمثابة تصريح مرور لأيّ مستثمرٍ يريد ممارسة أنشطة الأعمال في مصر، ويكون أيضاً بمثابة ضمانةٍ لروّاد الأعمال بأنّ أعضاء الجمعية يلتزمون بقواعد سلوك معيّنة.

وعندما تكون العضوية مطلباً قانونياً للمستثمرين المحلّيّين الذين يرغبون بالاستثمار في مصر، ستتمكّن "الجمعية المصرية لرأس المال المخاطر" من إنشاء جبهةٍ موحّدة. ومثلما هي الحال في نقابات المحامين، إذا لم يلتزم المستثمرون بالقواعد الملزِمة، مثل تبادل ونشر البيانات أو مدوّنة قواعد السلوك، سيكونون عرضةً لخسارة عضويّتهم في الجمعية وربّما خسارة القدرة على الاستثمار في الشركات الناشئة المصرية.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ جعل العضوية شرطاً أساسيّاً لمنح الصندوق القدرة على الاستثمار، سيساعد على التكتّل من أجل الضغط لتحسين القوانين، وسيَسمح للجمعية بالتحدّث نيابةً عن أعضائها الذين سوف يمثّلون القطاع بأكمله تلقائياً. من ناحيةٍ أخرى، يجب انتخاب مجلس إدارةٍ من قبل أشخاصٍ يعملون في قطاع الاستثمار المخاطر، بما لا يترك أيّ مجالٍ للتشكيك بشرعية الجمعية عندما تقول إنّها تعمل لصالح هذا القطاع.

زملائي المستثمرين، هذا ندائي لكم. إذا كنتم ترغبون في أن تكونوا جزءاً من هذا الأمر وتريدون المساعدة في تحقيقه، فلا تتردّدوا في الاتّصال بنا. في نهاية المطاف، يجب أن نتعاون من أجل البدء بالتعاون.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.