English

كيف نفهم فورة التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط؟

English

كيف نفهم فورة التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط؟
Image courtesy of shutterstock

التكنولوجيا المالية مصطلح واسع وشامل يعبّر عن الأمل والشك في الوقت نفسه وينطوي على الكثير من الالتباس. ومن البتكوين Bitcoins إلى سلسلة البلوكات (Blockchain) يتم تداول الكثير من المصطلحات في محاولة لإظهار مستوى متقدم اقتصادياً وجهوزية رقمية.

ولكنه عالم تسعى الحكومات والشركات والمواطنون لفهمه مع اقترابنا من مرحلة تصبح فيها المجتمعات التي لا يدفع الناس فيها نقداً وحيث الخدمات مدعومة بالتكنولوجيا.

تبلغ قيمة قطاع التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ملياري دولار بحسب شركة "مينا ريسرتش بارتنرز" Mena Research Partners ومن المتوقع أن ترتفع قيمته إلى 2.5 مليار دولار بحلول 2022.

لا يزال القطاع في مراحله الأولى ولكن في ظل وجود 86% من البالغين في المنطقة من دون حسابات مصرفية وتسجيل المنطقة أعلى نسبة استعمال للهاتف المحمول في العالم، فإن سوق الشرق الأوسط جاهزة لتكون ركناً لاختبار هذه التقنيات الجديدة وتوسيعها.

منافسة على مستوى الهيئات التنظيمية

تقوم الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص بتغذية قطاع التكنولوجيا المالية عبر تأسيس صناديق تمويل وحاضنات مصممة لتسريع نمو شركات التكنولوجيا المالية في أنحاء البلاد. ومؤخراً جداً، أطلقت سوق أبو ظبي العالمية Abu Dhabi Global Market (ADGM) بيئة تجريبية sandbox تسمح للمؤسسات والمبتكرين باختبار المنتجات والحلول في بيئة رقمية.

ويقول ريتشارد تينغ، الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم الخدمات المالية في أبو ظبي FSRA  إن "الهدف من هذه البيئة التجريبية هو مساعدة المؤسسات المالية على بناء القدرات الرقمية للاستفادة من الفرص المتاحة في السوق، وتعزيز الاندماج المالي من خلال التقنيات المبتكرة لتلبية أفضل لإحتياجات السكان المحرومين من مثل هذه الخدمات في منطقة الشرق الأوسط".

وجاء ذلك إثر إطلاق مركز دبي المالي الدولي مسرّعة "فنتك هايف" Fintech Hive عام 2017 مع 11 شركة ناشئة جمعت 10 ملايين دولار. وهذا العام يبلغ عدد الشركات المنضوية تحت مظلة المسرّعة 22 شركة.

في موازاة ذلك، أطلق بنك التنمية البحريني صندوقاً بقيمة 100 مليون دولار مخصصاً للتكنولوجيا المالية في حزيران/يونيو هذا العام في وقت شهدت مصر ولادة العديد من شركات التكنولوجيا المالية بينها نظام الدفع "فوري" Fawry الذي نفّذ عملية خروج بقيمة 100 مليون دولار عام 2015.

وتثير هذه الحماسة لجذب قطاع تكنولوجيا مالية وتمكينه منافسة بين الهيئات التنظيمية المختلفة في المنطقة تُفيد السوق الأوسع.

وتقول علا دودين المؤسسة الشريكة والرئيسة التنفيذية في "بيت أويزيس" Bitoasis منصّة تداول العملة الرقمية التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، إن "المداولات مع المنظّمين متطورة فنحن نلمس لديهم فهماً واضحاً وفضولاً تجاه التكنولوجيا. لذلك يصممون القواعد التنظيمية بطريقة صديقة للشركات وتلبّي متطلّبات التنظيم المالي".    

لا وسيطاً بعد اليوم

العملات المشفّرة مثل بيتكوين وإيثيريوم هي بشكل أساسي نوع من المال الرقمي يعمل كنظام سيولة إلكتروني غير مركزي وندّي مبني على تقنية سلسلة البلوكات وهي سجل رقمي عام يحفظ جميع التعاملات التي تحصل.

ذهبت تقنية سلسلة البلوكات اليوم أبعد من كونها عملة مشفّرة ويمكن أن تستخدم لإجراء رصد أفضل لخط عمر أي منتج بدءاً من المواد الغذائية مروراً بالمراسيم الحكومية وحتى التصويت. وأعلنت الحكومة الإماراتية أخيراً أنها يمكن أن تجعل جميع التعاملات تعتمد على سلسلة البلوكات بحلول 2020.

وتقول دودين إنها "تقنية تتجاوز الحدود والقطاعات وهي واحدة من الابتكارات النادرة في أي قطاع والتي تهزّ الهيكليات الموجودة بالكامل".

يمكن لحلول التكنولوجيا المالية أن تقدّم للأشخاص الذين لا يملكون حسابات مصرفية طريقة سهلة وخالية من المتاعب لشراء السلع وتحويل الأموال من دون مشاركة طرف ثالث مثل البنوك.  

ويُثبت االتخلّي عن الوسيط (وبالتالي توفير الوقت والكلفة) جاذبيته لا سيما لدى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة التي تتجه نحو التمويل الجماعي ومنصات الإقراض الندّية لتأمين التمويل بدلاً من الحصول على قرض من البنك.

فإقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة يسجّل معدلاً يساوي نصف المعدل العالمي، لذلك فإن منصات مثل "لوا" Liwwa الأردنية التي تتيح الاستثمار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو "بيهايف" Beehive ومقرها الإمارات للإقراض الندّي أيضاً التي تلتزم الشريعة الإسلامية، يمكنها إحداث ثورة في القطاع المصرفي.

أما بالنسبة للأفراد الذين يحتاجون إلى السيولة الفورية، يقدّم "باي باك بازار" Buyback Bazaar خدماته لـ75% من سكان الإمارات الذين يكسبون أقل من 5000 درهم شهرياً ويؤمّن لهم النقد مقابل سلعة معيارية، عبر نظام يجعل المرابين شيئاً من الماضي.

تتخذ "باي باك بازار" من الإمارات مقراً لها وهي منصة تقدم التمويل النقدي الطارئ لعملاء يبيعون ممتلكاتهم مثل الهاتف أو الحاسوب الشخصي إلى متجر أحد الأعضاء ويكون لديهم الخيار لاحقاً لشرائه مجدداً بكلفة خدمة إضافية تبلغ 50 درهماً. وتأمل الشركة بأن تدرج تقنية سلسلة البلوكات في كل معاملة تجرى على منصتها.

يقول بيهو غانغالاني، المؤسس الشريك لـ"باي باك بازار" إن "هناك حاجة ماسّة وعالمية لمنصات إقراض أكثر فعالية وشفافية لإحداث خضّة لدى المرابين غير القانونيين والمضرّين في العديد من الدول. وهذه التكنولوجيا تقدّم عنصراً من الشفافية وكل شيء معتمد على موجودات معينة وليس إقراضاً بحتاً من دون شبكة أمان حوله. وإذا لم يدفع العميل، لا يذهب إلى السجن ولا تُمسّ كرامته".

فورة هشّة؟

ولكن في المقابل، ليس الجميع متحمّس للتكنولوجيا المالية. ففي مقالة كتبها لصالح منظمة "بروجيكت سنديكيت" Project Syndicate اعتبر نوريال روبيني البروفيسور في كلية ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك أن سلسلة البلوكات هي "أكثر تكنولوجيا تثار حولها الضجة ولكنها الأقل نفعاً. فعملياً، هي ليست أكثر من مجرد جدول بيانات مضخّم".

قد يسهّل مستوى الشفافية رصد الجرائم المالية، ولكنه يعرّض الخصوصية للخطر ومثل كل التقنيات تكمن هشاشتها في إمكانية تعرّضها للهجمات الإلكترونية. فالتعاملات بالعملة الرقمية تتعرّض للقرصنة بشكل منتظم وأي خسارة مادية تنجم عنها لا يمكن تعويضها. كما أن هذه العملة ليست مستقرة فحتى أيلول/سبتمبر 2018، انهارت قيمة العملة الرقمية بنسبة 80% من الذروة التي بلغتها في كانون الثاني/يناير 2018. كما أنها تحتاج إلى قدر كبير من الطاقة كافية لتغذية بلد بحجم النمسا.

ويقول ديفيد ووربورتون الباحث في شؤون أوروبا الشرق الأوسط وشمال افريقيا في "إف فايف نتووركس" F5 Networks إن "البتكوين لا تزال تعتبر على نطاق واسع من قبل الجمهور كعملة الفدية المفضّلة للمجرمين الإلكترونيين. ويمكنها أن تكون المسبب بأكبر ثورة في الاقتصاد الرقمي ولكنها مثل أي تقنية ليست في منأى عن المخاطر الخارجية".

ولكن بغض النظر عمّا هي المخاطر، يبدو أن المنطقة وهيئاتها التنظيمية تستثمر في تكنولوجيا المعلومات. فبحسب "مختبر أبحاث ومضة" Wamda Research Lab سيبلغ عدد شركات تكنولوجيا المعلومات 250 بحلول عام 2020 مقارنة بـ20 في عام 2010 ولكنها ستتطلب قدراً كبيراً من التعليم والبيئة التنظيمية المناسبة وثقة العملاء وإثباتاً حقيقياً على صلاحية المفهوم الذي تقوم عليه قبل أن يشعر الناس بالراحة الكافية للتصويت في الانتخابات المقبلة عبر سلسلة البلوكات أو لشراء بيت بعملة البيتكوين.

ومضة كابيتال تستثمر في "بيت أويزيس"

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.