English

مشكلة رائدات الأعمال

English

مشكلة رائدات الأعمال
الصورة من Shutterstock

خطت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خطوات كبيرة في طريقها نحو النُّضج وتطوير بيئتها الحاضنة للشركات الناشئة، ولكن لا يزال عدم المساواة بين الجنسين أمراً جلياً.

يشير تقرير رائدات الأعمال لعامي 2018/2019 الصادر عن "المرصد العالمي لريادة الأعمال" إلى أن أكبر تفاوت بين الجنسين من حيث امتلاك شركات قائمة يوجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث تتخطى نسبة هذا التفاوت 40%.

ولا يزال عدد رائدات الأعمال أقل بكثير من عدد رواد الأعمال من الرجال في مجالات كثيرة، حيث أظهر تقرير صدر مؤخراً عن ومضة بشأن حالة الشركات الناشئة في مرحلة ما قبل الاستثمار التأسيسي أن النساء اللاتي أسسن شركات لا يمثلن سوى 25% فقط من الشركات الناشئة التي تمر بمرحلة ما قبل الاستثمار التأسيسي في المنطقة، وتوصل أحدث تقرير صادر عن "عرب نت" و"مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة" بشأن حالة الاستثمار الرقمي إلى أن الاستثمار في الفِرَق التي يكون فيها أحد المؤسسيين على الأقل من النساء يمثل نحو ربع جميع الصفقات فقط في عام 2018.

وذكرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تخسر ما يقدر بنحو 575 مليار دولار سنوياً بسبب العوائق القانونية والاجتماعية التي تحول دون تمكين المرأة في سوق العمل وحصولها على الوظائف.

وعلى الرغم من أن التقدم الاقتصادي والتنمية الاقتصادية أمران بالغا الأهمية لتمكين المرأة ولزيادة معدلات ريادة الأعمال بوجه عام، فإن ثقافة عدم المساواة بين الجنسين لا تزال تهيمن على السياق الأكبر للبيئة الحاضنة للشركات الناشئة، وهو ما يؤدي إلى تقييد مساعي ريادة الأعمال لدى كل من الرجال والنساء على حد سواء.

تتراوح أوجه عدم المساواة التي لطالما أثرت على النساء في قطاع التجارة وريادة الأعمال بين التقاليد، وقلة الدعم المُقدَّم إلى المشروعات التي تقودها النساء، ونقص أُطر السياسات العامة التي تعالج الفجوة بين الجنسين، والتحدي المتمثل في موازنة النساء بين مسؤولياتهن الأسرية وعملهن، إضافةً إلى أمور أخرى.

سياق أفضل

على الرغم من وجود فجوة بين الجنسين، تشير الدلائل إلى أن المرأة أصبحت أكثر ثقة لبدء مشاريعها التجارية الخاصة بها. ويوضح تقرير رائدات الأعمال لعامي 2018/2019 الصادر عن "المرصد العالمي لريادة الأعمال" أن أكبر نسبة للنساء اللاتي عقدن العزم على ريادة الأعمال تتواجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث بلغت 36.6%، مما يشير إلى وجود توجُّه واضح لدى الشابات نحو تأسيس شركات في بلدان مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر. وتشهد المنطقة أيضاً أكبر معدلات زيادة في الدوافع الضرورية لدخول المرأة عالم ريادة الأعمال بنسبة 35%.

ومن الواضح أن رائدات الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتفوقن على بلدان أخرى في نواحي عديدة. فقد ذُكر في مؤتمر "القيادات النسائية العالمية" أن نسبة هائلة تبلغ 91.5% من الشابات في المنطقة تلقين تعليمهن. وتشير التحليلات إلى أنه إذا تساوت نسبة رواد الأعمال من النساء والرجال، فقد يرتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تتراوح من 3% إلى 6% تقريباً، وهو أمر من شأنه أن يعزز الاقتصاد العالمي بمقدار يتراوح من 2.5 تريليون دولار إلى 5 تريليون دولار.

وقالت رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي المصرية، في كلمتها أمام منتدى المرأة العالمي 2020 الذي عُقد مؤخراً في دبي: "إن مشاركة النساء أمر في غاية الأهمية على المستوى الكلي. ويكمن الأمر في كيفية تغيير نظرة المجتمع إلى النساء على أنهن مجرد أقلية تحتاج إلى تمثيل أكبر، ليُنظر إليهن على أنهن مشاركات في المكاسب الاقتصادية للمجتمعات".

ومن الضروري، حسب قول المشاط، أن يُحدَّد مدى التأثير الكمِّي لرائدات الأعمال على الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات التوظيف، والإنتاجية، بل وعلى زيادة أجور الرجال – نظراً لأن أجور كلٍّ من الرجال والنساء تزداد مع زيادة إنتاجية المجتمع، وذلك بهدف تشجيع الحكومات على تعديل أطر السياسات الحالية. وأضافت أنه: "بالاعتماد على مشاركة قصص النجاح يمكن أن تفتح الأبواب لتمكين مزيد من النساء، ومن ثمَّ تصبح المكاسب الاقتصادية والمجتمعية حقيقة واقعة، ولهذا السبب نحتاج إلى رفع مستوى الخطاب الإعلامي".

إن تقديم أدلة على نجاح رائدات الأعمال والقيادات النسائية يمكن أن يشجع النساء الأخريات على القيام بدور خارج المنزل. ولذلك قامت رنا نواس، وهي رائدة أعمال ومتحدثة ومستشارة استراتيجية، بإنشاء مدونتها الصوتية «عندما تفوز النساء» لتقديم نماذج نسائية قوية يُحتذى بها.

تقول رنا: "إن النساء في عالم الأعمال التجارية يفتقدن إلى القدوة التي يمكن أن يحتذين بها للوصول إلى القمة، لذا أعمل على تسليط الضوء على نساء عاديات يقمن بأمور غير عادية، مما يسمح للرجال والنساء بالتعرف على تجارب النساء وخبراتهن. نحن نحتاج إلى إقامة نظام قوي بما فيه الكفاية لا يستند إلى سمات المرأة، فهناك باب كبير من أبواب عدم المساواة يتمثل في أن الرجال يخضعن للتقييم على أساس إمكاناتهم، بينما تُقيَّم النساء بناءً على أدائهن في الماضي".

وحتى النساء اللاتي يُنشئن شركاتهن الخاصة، فقد يواجهن ضغطاً مجتمعياً يدفعهن إلى الانسحاب. تقول فاطمة الملا، مؤسِّسة شركة FMM التي تعمل في مجال الأزياء والموضة وتتخذ من دبي مقراً لها: "تواجه أي رائدة أعمال إماراتية مُعارَضة من الناس الذين يقولون لها ما الداعي لأن تعملي، فلديكِ أسرة وزوج يعيلك. ما زالت هناك صورة نمطية للمرأة تجعل الناس يعتقدون أنها لن تعمل بجد".

تحديات الاستثمار

لعل من أكبر التحديات التي تواجه رائدات الأعمال هو حصولهن على التمويل. ويشير أحدث تقرير لمبادرة تمويل رائدات الأعمال (We-Fi) إلى أن الشركات التي تقودها النساء تواجه بشكل عام قيوداً في الحصول على التمويل اللازم للنمو وتفتقر إلى شبكات الترابط والعلاقات مع المستثمرين والأسواق ذات القيمة العالية.

ولكن أظهرت دراسات في شتى أنحاء العالم أن النساء يحققن عائدات أكبر للاستثمار الدولاري مقارنةً بالرجال، وأن احتمالية سدادهن للقروض أكبر من الرجال. تقول كاثرين بود، الشريك المؤسس لشركة "ناو ماني": "من الصعب على النساء الحصول على تمويل مقارنةً بالرجال، يرجع ذلك في جزء منه إلى أنه من الأسهل كثيراً على المستثمر أن يستثمر في شخص يرى أنه يشبهه، ولكن لا يوجد حتى الآن كثير من النساء العاملات في مجال رؤوس أموال المجازفة".

هناك عدد هائل من المبادرات والبرامج التي تحاول معالجة هذا الأمر، فقد أعلن البنك الدولي في الآونة الأخيرة عن مبادرتين جديدتين لتيسير حصول رائدات الأعمال في الشرق الأوسط على تمويل لشركاتهن الناشئة ودخولهن أسواق التجارة الإلكترونية.

وصرح ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولي، بأن: "بدء مشروع تجاري وتنميته من أقوى الأدوات التي تُمكِّن النساء من التغلب على الفقر وتوفير حياة أفضل لأنفسهن ولأسرهن ولمجتمعاتهن. كما أن إزالة العوائق التنظيمية والعقبات التي تحول دون الحصول على التمويل ودخول الأسواق يمكن أن يمنح الشركات التي تقودها النساء فرصةً للنجاح".

وأطلق البنك المركزي المصري مبادرةً للشمول المالي بهدف تمكين النساء وإبراز مدى تأثيرهن على الاقتصاد إذا حصلن على التمويل الكافي. وتعتزم دولة الإمارات زيادة مدة إجازة الأمومة والأبوة لتشجيع مزيد من النساء على عدم ترك العمل بعد الإنجاب. وذكرت منى المري، نائبة رئيسة مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، أنه يجري أيضاً في الوقت الحالي وضع سياسات للسماح بساعات عمل مرنة والعمل بدوام جزئي.

وتوجد مؤسسات عديدة مُكرَّسة لتمكين النساء في المنطقة وإعدادهن لبدء مشاريعهن، منها على سبيل المثال رابطة المرأة العربية، وجمعية سيدات الأعمال البحرينية، والاتحاد النسائي العام في دولة الإمارات، وغيرها من المنظمات الكثيرة التي تشهد مشاركة نشطة من جانب المرأة. ولهذه الجهود أهمية محورية في تعزيز مهارات ريادة الأعمال لدى النساء من خلال التدريب الرسمي والتطوير التعليمي.

عقلية مختلفة

رغم معارضة البعض لمثل هذه المبادرات، "تتمتع المرأة [في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا] بمزايا كثيرة، ويكمن مفتاح النجاح في الثقة. ففي حالة افتقاركِ إلى الثقة، لن يستثمر أحد في شركتكِ"، على حد قول ميرنا سليمان، المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية لشركة فينتك جالاكسي، التي تعتقد أن تمويل رائدات الأعمال والطلب على مشاركتهن متاحان ومتيسران. فتقول: "لا بد للمرأة أن تغتنم الفرصة التي تتيحها السوق وأن تسعى للوصول إلى مسعاها. فلا وجود للقيود إلا في أذهاننا، وإذا استمالتنا أفكار مُقيِّدة، فسيكون سلوكنا مُقيَّداً وسيُفضي إلى تأثير محدود".

وتُلقي أماندا بيري، الرئيسة التنفيذية لشركة "فيتاليتي"، الضوءَ على دور التعليم في غرس الثقة في النساء وإكسابهن سمات ريادة الأعمال، فتقول: "كان يُقال للنساء في أثناء المراحل التعليمية إنهن لا يستطعن القيام بذلك، وكانت بعض المواد الدراسية غير متاحة للفتيات، مما يُكسبهن قناعات مُقيدة لهن". كما أن تشجيع النساء على خوض غمار الأعمال التجارية وزيادة عدد رائدات الأعمال سيكفل تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية، إلى جانب توجيه الخطاب بشكل يُفضي إلى تسريع وتيرة المساواة.

تقول أميرة صلاح، مديرة التسويق في شركة وومينا التي تعمل في مجال تسريع الأعمال والاستثمار وتستهدف الشركات الناشئة التي أنشأتها النساء: "لا يتعلق الأمر بالمنافسة بين الرجال والنساء، بل يتعلق بالتنوع والشمول وتحقيق التوازن الذي من شأنه أن يسهم في تحسين اتخاذ قرارات مستنيرة. وهذه سوق غير مستغلة تنطوي على إمكانات كثيرة، إلا أنها تعاني من نقص الخدمات على الرغم من إسهامها الكبير في النمو الاقتصادي. ولا تزال ساحة الابتكار وريادة الأعمال في جميع أنحاء العالم يهيمن عليها الرجال، في حين أن النساء عليهن أن يبذلن جهداً مضاعفاً للظهور على تلك الساحة".

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.