English

من وادي الموت إلى الواحة

English

من وادي الموت إلى الواحة
الصورة من Shutterstock

لقد أصبح واضحاً أن أزمة كوفيد-19 ليست ككل الأزمات. ورغم أنه لم يتضح بعدُ إلى متى ستستمر هذه الأزمة وكيف ستؤثر في المجتمع ككل على المدى البعيد، فقد ثبت أنها تُلحِق ضرراً أكبر بالذين يعملون في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ورواد الأعمال الذين يكسبون لقمة العيش من المشروعات التجارية المُقامة في مناطقهم وأحيائهم، والأفراد الذين يعملون في هذه المؤسسات.

 

وفقاً لصندوق النقد الدولي، يسهم قطاعا الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة مُجتمِعان بنسبة تصل إلى 40% من الناتج الإجمالي المحلي وبنسبة تصل إلى 50% في توظيف العاملين بالقطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن ثَمَّ فإن هذين القطاعين هما القاطرة الاقتصادية الرئيسية التي توفر فرص العمل وتدعم فئة كبيرة من المجتمع. وحينما يعاني هذان القطاعان، يعاني المجتمع كله، وحينما يزدهران، يزدهر المجتمع كله.

 

وتمتلك شركات هذين القطاعين تأثير سريع الانتشار، سلبياً كان أو إيجابياً. فلها تأثير مضاعف على الاستهلاك في جميع القطاعات الأخرى، سواء قطاعات البيع بالتجزئة أو الترفيه أو السفر والسياحة أو المأكولات والمشروبات أو التمويل أو الخدمات اللوجستية.

 

ويشير مختبر ومضة للأبحاث إلى أن تفشي جائحة كورونا قد أثَّر سلباً على 71% من الشركات الناشئة في المنطقة، فأوقفت 22% منها عملياتها، وتشهد 21% منها انخفاضاً كبيراً في الطلب مما أدى إلى تكبدها خسائر فادحة. ومنذ أن بدأ انتشار المرض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اتجهت هذه الشركات الناشئة إلى تغيير نشاطها للحفاظ على أعمالها أو قلصت عملياتها لكي تستطيع الاستمرار.

 

ولا يقتصر الأمر على سُبُل عيش أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة والعاملين فيها في البلدان التي تعاني تباطؤاً اقتصادياً، بل يشمل أيضاً موجة متتابعة من التأثيرات على البلدان التي يأتي منها هؤلاء الأفراد والمغتربون. فمعظم العاملين في الشركات الصغيرة والمتوسطة بدول مجلس التعاون الخليجي مغتربون يعولون أسرهم من خلال التحويلات المالية التي يرسلونها إلى أوطانهم، مما يؤدي إلى حدوث موجة أكبر من التأثيرات العابرة للحدود.

 

إذن ما الذي يمكن القيام به لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومن ثمَّ تخفيف المعاناة عن الاقتصاد بوجه عام؟

 

بادئ ذي بدء، يجب النظر إلى أي برنامج دعم مُصمَّم خصيصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة على أنه استثمار، وليس تكلفةً أو عبئاً، والحكومات هي التي بيدها أن تُقرِّر تكثيف دعمها للشركات الصغيرة والمتوسطة في المقام الأول، وبكل ما تملك من قوة. فالحكومات في الأزمات الحادة، كهذه الجائحة، هي الملاذ الأخير الذي تلجأ إليه الشركات لتقديم الدعم الذي يجب أن يكون جزءاً من أهداف الحكومات واستثمارها في رفاهية المجتمعات.

 

وحتى في أكثر بلدان العالم تحرراً اقتصادياً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، شاركت الحكومة بقوة في تقديم الحوافز من خلال "برنامج حماية الرواتب" الذي يمنح الشركات الصغيرة والمتوسطة قروضاً تجعلها قادرة على دفع رواتب موظفيها لمدة شهرين. وذكر موقع "Small Business Administration" الأمريكي أن "القرض سوف يُعفى تماماً من السداد في حالة استخدام الأموال في دفع الرواتب، والفوائد المستحقة على الرهون العقارية، والإيجار، والمرافق العامة (ونظراً لاحتمالية ارتفاع عدد المتقدمين للحصول على القرض، يجب أن يكون قد استُخدم 75% على الأقل من المبلغ المُعفى من السداد في دفع الرواتب). وسوف يُؤجَّل أيضاً سداد القرض لمدة ستة أشهر. ولا يلزم تقديم ضمانات إضافية أو شخصية. ولن تتقاضى الحكومة ولا الجهات المُقرضة أي رسوم من الشركات الصغيرة".

 

أما في الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 99% من الشركات وتُوظِّف اثنين من بين كل ثلاثة أشخاص، اتخذت المفوضية الأوروبية عدة خطوات لزيادة معدل استمرار الشركات في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي. وتضمَّنت هذه الخطوات اتخاذ إجراءات لتوفير السيولة من أجل حشد الدعم المالي للشركات الصغيرة والمتوسطة، وسارعت أيضاً دول الاتحاد الأوروبي والبنوك الوطنية والتجارية إلى تطبيق تدابير لتيسير تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تضرَّرت بشدة من تفشي جائحة كورونا. وصار تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من الحفاظ على السيولة النقدية على رأس أولويات الحكومات، وأصدرت الحكومات في العديد من البلدان الأوروبية تعليماتٍ تُلزِم الشركات بمنح الموظفين إجازة على أن تدفع الحكومة جزءاً من راتب الموظف.

 

وتنظر حكومات أخرى إلى برامج التحفيز الاقتصادي هذه على أنها في الواقع استثمار في المجتمع في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى ذلك الاستثمار لكي يظل واقفاً على قدميه ويحافظ على إنتاجيته، مما يؤدي إلى الحفاظ على النشاط الاقتصادي، وهو العائد الاستثماري الذي تحصل عليه الجهات المُقدِّمة للحوافز. ويُنظَر إليها أيضاً على أنها شراكة حكومية مع القطاع الخاص عن طريق دعم أصحاب الشركات الصغيرة الذين يستفيدون في المقابل من بعض الحوافز، فيحافظ ذلك على قوة القطاع لكي يزدهر الاقتصاد ويستمر الاستهلاك. ثم يأتي التأثير المضاعف فيترتب عليه استمرار ازدهار المجتمع ككل، أو انحسار الرُكود على الأقل. وهذا الرأي ينظر إلى العالم بعين المنفعة المتبادلة، وهي نظرة شاملة للدورة الاقتصادية للاستثمار والتمكين من أجل الرخاء.

 

إذن ما الذي تحتاج إليه الشركات الصغيرة والمتوسطة لاجتياز هذه الأزمة المالية؟ الإجابة بسيطة للغاية: تحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تدفق نقدي وسيولة نقدية تُمكِّنها من عبور فترة الركود والوصول إلى بر الأمان حيث يعود النشاط الاقتصادي وحينها تستطيع الاعتماد على نفسها.

 
  • تحتاج بالطبع إلى عملاء قادرين على الدفع لكي تكون قادرة على العمل وتغطية تكاليفها. فعندما تنخفض تلك القدرة بنسبة 50% أو 70%، لا بد أن تنخفض التكاليف بالتوازي. وعلى أي حال، سوف تندثر بعض الشركات التي تتبنى نماذج تجارية غير مستدامة، لذا يجب تركها وشأنها، لكن غالبية الشركات التي كانت مزدهرة أو حتى على حد الكفاف قبل الأزمة يجب ألا تُغلَق. ويمكن أن يحدث ذلك كله إذا أقمنا جسراً لعبور وادي الموت المتمثل في انعدام التدفق النقدي مصحوباً بنفس هيكل التكاليف مع إيرادات أقل بكثير.
  • ومن المثالي للشركات الصغيرة والمتوسطة في هذه المرحلة الحصول على دعم مباشر للرواتب من الحكومة، أو على الأقل دعم الرواتب بأموال مناظرة حيث يكون الدعم الحكومي مُناظراً للرواتب التي يتمكن أصحاب الشركات من دفعها.
  • علاوة على ذلك، تحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى ضمانات للقروض، خصوصاً إذا كان بإمكان الشركة أن تثبت أن لها تاريخاً من التدفق النقدي الجيد.
  • خفض التكاليف من خلال الحصول على دعم للإيجار، والمرافق العامة، وإعانات لضريبة القيمة المضافة/الرسوم الجمركية، كلها عوامل تسهم في الحفاظ على التدفق النقدي الذي يسهم في استمرار الشركات.

ويتلخص الأمر في استمرار التدفق النقدي إلى أن يعود الاقتصاد نوعاً ما إلى وضعه الطبيعي. إلا أن الدعم المطلوب ينبغي ألا يقتصر على تأجيل الالتزامات إلى موعد لاحق مما يجعلها حينئذ تمثل عبئاً طويل الأجل، بل ينبغي أن يكون مزيجاً من تحمُّل وتخفيف تحدي نقص السيولة النقدية بالإضافة إلى قدرٍ من خفض التكاليف. وإذا استطعنا تحقيق ذلك، فسوف نساعد على إبقاء الشركات الصغيرة والمتوسطة على قيد الحياة، ومن ثَمّ نساعد الاقتصاد على التعافي لكي تعود الدورة الاقتصادية إلى مجراها الطبيعي رويداً رويداً.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.