English

مستقبل التنقل: هل يمكن لتطبيقات تقاسم السيارات "الكار بولينج" أن تصمّد أمام التحديات؟

English

مستقبل التنقل: هل يمكن لتطبيقات تقاسم السيارات "الكار بولينج" أن تصمّد أمام التحديات؟
Image courtesy of Shutterstock

يُمثل هذا المقال الجزء الثالث من سلسلة مقالات تتناول ملامح جائحة كوفيد-19 وآثارها على شركات النقل الناشئة في المنطقة.

لطالما كانت مشاركة السيارات هي وسيلة التنقل المستخدمة في ظل الأزمات. فقد ظهر مصطلح الكار بولينج (Carpooling) أو مشاركة السيارات للمرة الأولى إبان بداية الحرب العالمية الأولى حين تعرض الاقتصاد الأمريكي للتدهور وبدأ مالكو السيارات آنذاك في عرض المقاعد الشاغرة بسياراتهم للراغبين في التنقل كوسيلة لكسب المال. وعاود المصطلح الظهور مرة أخرى خلال أزمة النفط الأمريكية في السبعينيات.
مفهوم "الكار بولينج" ليس بجديد على منطقة الشرق الأوسط؛ ففي بيروت على وجه الخصوص فإن طلب سيارة أجرة يتيح لك أحد الخيارين: "سرفيس" ويسمح لك بالحصول على مقعد بالسيارة ومشاركة الرحلة مع الآخرين على طول الطريق أو "تاكسي" ويُتيح لك استخدام السيارة بمفردك طوال الرحلة. تبدأ أسعار الخدمة الأولى من ثلاثة آلاف ليرة لبنانية (أيّ ما يُعادل الدولارين) بينما تُكلفك سيارة الأجرة الخاصة ما لا يقل عن 10 آلاف ليرة لبنانية.
وفي أنحاء أخرى بالمنطقة تعتبر مشاركة السيارات وسيلة المواصلات الشائعة للتنقل بين المدن لأنها أسرع وأكثر راحة من الحافلات وأرخص سعرًا من سيارات الأجرة وهو العنصر الأهمّ بالنسبة للكثيرين. ففي الإمارات العربية المتحدة، عادة ما يتشارك العمال رحلات التنقل بين إماراتيّ أبوظبي ودبي لتقليل نفقاتهم وكان ذلك يتم بشكل غير قانوني حتى أطلقت دائرة النقل خدمتها الخاصة التي تحمل اسم "درب".

وقد ظهرت العديد من الشركات الناشئة في جميع أنحاء المنطقة قبل جائحة كوفيد-19 والتي تتطلع إلى رقمنة نظام مشاركة السيارات وتحويل هذا المفهوم المعروف منذ وقت طويل إلى حل موثوق قائم على التكنولوجيا.

ولكن في وقتنا الحالي أدت المخاوف الصحية حول مشاركة مساحة ضيقة مع الغرباء إلى وضع مستقبل الكار بولينج موضع تساؤل. وفي هذا الجزء من سلسلتنا "مستقبل التنقل" سوف نبحث في الجدوى التجارية لاستخدام خدمات مشاركة السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على المدى الطويل وكيف يمكن أن يُكتب لها النجاح في ظل عالم ما بعد الكورونا.

حل عملي للمناطق الحضرية

وفقًا للأمم المتحدة، سيعيش حوالي ثلثي سكان العالم في منطقة حضرية بحلول عام 2050. وستمثل تلك المناطق 64 بالمئة من إجمالي الرحلات، بينما يُتوقع أن يتضاعف إجمالي عدد الكيلومترات المقطوعة في المناطق الحضرية ثلاث مرات بحلول عام 2050.

تَسهم حلول مشاركة السيارات بشكل أساسي في تقليل عدد السيارات المسافرة على الطريق، الأمر الذي بدوره سوف يحدّ من مستويات التلوث والازدحام ويوفر المساحات اللازمة لصفّ السيارات.

وفي هذا الصدد يقول رالف خير الله، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة كاربولو (Carpolo) اللبنانية التي تقدم حلولًا ذكية لمشاركة السيارات للشركات والأفراد: "يمكن أن توفر مشاركة السيارات حلاً طويل الأجل لمشاكل التصميم الحضري بفضل تكاليف تشغيلها المنخفضة وعائدها المرتفع". وإلى جانب لبنان، تُدير شركة كاربولو أيضًا خدماتها في الفلبين وتوسعت مؤخرًا لتشمل الأردن.

يسهب خير الله في شرح هذه النقطة بقوله "من خلال استخدام عدد أقل من السيارات لنقل المزيد من الركاب، فإن حلول مشاركة السيارات الذكية تعزز الاستفادة من استخدام السيارات الحالية". لدينا أكثر من ستة ملايين مقعد غير مُستغل بسيارات تذهب إلى بيروت كل يوم. يبلغ معدل إشغال السيارة 1,2، وإذا قمنا برفعه إلى 1.4، سوف نوفر أكثر من 300 ألف دولار من تكاليف التنقل يوميًا ".

آثار جائحة كوفيد-19

كما هو الحال في العديد من القطاعات الأخرى، تأثرت خدمات مشاركة السيارات بشكل كبير جرّاء جائحة كوفيد-19 والحظر. فمع توجه الأفراد للعمل من المنزل وإغلاق المدارس لأبوابها، أصبح التنقل أمرًا غير ضروريًا للكثير. فبعد إغلاق المدارس بمصر اضطرت شركة هايڤ (Hive) المصرية التي توفر تطبيق مخصص لمشاركة السيارات لطلبة المدارس إلى وقف عملياتها.

وتعليقًا على ذلك يقول ناصر أبوسيتا، مدير العمليات في هايڤ "اعتدنا أن يكون لدينا إقبال كبير من المستخدمين. فقد كانت خدماتنا تمثل خيارًا آمنًا للعديد من أولياء الأمور لأننا نوفر أنظمة تتبع من خلال تطبيقنا، ولا يزال استخدام السيارات المشتركة للمدارس في مصر خيارًا ليس في متناول معظم العائلات مقارنة بوسائل النقل الأخرى، ولا سيما وسائل وخدمات النقل العام ".

تقدم شركة "temtem" الجزائرية الناشئة خدمات النقل الجماعي للشركات (B2B) والأفراد (B2C) تحت اسم " Karos" منذ مارس، ولكن وفقًا للشركة، يُنظر إلى خدمة مشاركة السيارات على أنها وسيلة نقل غير قابلة للتطبيق في ظل جائحة كورونا التي لا تزال مستمرة. وفي دراسة استقصائية أجرتها شركة "temtem"، أشار 20 بالمئة فقط من إجمالي 6300 مشاركًا إلى أنهم قد يُعيدوا التفكير في استخدام مشاركة السيارات كخيار بديل للانتقالات بعد الحظر.

وبالنسبة لآخرين في هذا القطاع أتاحت الجائحة لهم فرص جديدة في مجال العمل الموجه للمؤسسات(B2B).

فعلى حدّ قول خير الله "مع ظهور أزمة كوفيد-19، اعتقدنا أن الخدمة التي نوفرها أصبحت غير مطلوبة، ولكن المثير للدهشة أن الأزمة خلقت اهتمام جديد بمشاركة السيارات كحل للتنقل"، فقد تلقت شركة كاربولو عدة طلبات من شركات تطلب خدمة السيارات المشتركة لموظفيها كبديل عن خدمات النقل العام.

ويضيف خير الله قائلًا: "أعتقد أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى تسليط الضوء على خدماتنا، ولكن يصعب الجزم بذلك في الوقت الحالي. يشعر الناس بالقلق إزاء السفر مع أشخاص غرباء تمامًا عنهم، وفي هذا الصدد سيكون هناك بالتأكيد فكر جديد ومختلف حول مشاركة السيارات ".

وإذا ما نظرنا إلى شركة رايح (Raye7) - وهي شركة مصرية ناشئة تُقدم خدمات مشاركة السيارات الذكية عبر تطبيق الهاتف ولديها 25000 مستخدم نشط- فقد وفرت لها جائحة كوفيد-19 فرصة غير مسبوقة لتطوير خدماتها وزيادة شعبيتها.

وتعليقًا على ذلك صرحت سميرة نجم، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة رايح قائلة "لقد ازداد معدل الإقبال على خدمات الشركة بشكل كبير منذ الإغلاق الجزئي الذي فرضته الحكومة في مارس/ آذار، لكنهم بدأوا في استئناف العمل مرة أخرى حيث بدأت الناس في العودة إلى العمل ومغادرة المنزل، وقدّ أدركنا أن استخدام السيارات المشتركة هو أكثر وسائل النقل أمانًا خاصةً في ظل هذه الأوقات."

وعلى غرار شركة كاربولو "Carpolo"، شهدت رايح "Raye7" إقبالًا كبيرًا من الشركات المحلية التي تبحث عن توفير حلول السيارات المشتركة لموظفيها للذهاب إلى العمل.

وعلى حدّ قول نجم "إنه حل يُعود بالنفع على الجميع، الموظفين وأصحاب العمل؛ فهو يساعد أصحاب العمل على التأكد من أن موظفيهم لا يختلطون إلا بعدد قليل من الأشخاص الذين يشاركونهم الرحلة يوميًا مما يُقلل احتمالات الإصابة مقارنة باستخدام وسائل نقل أخرى. كما أنه يوفر للموظفين الكثير من الأموال التي يمكن إنفاقها يوميًا على خدمات التوصيل والانتقال"

السوق الناشئة

على الرغم من الفوائد التي تعود على البيئة والمناطق الحضرية من حلول مشاركة السيارات، إلا أن الموقع يمثل عنصرًا أساسيًا عند النظر في استخدام تلك الخدمات باعتبارها حلاً فعالًا.

يقول سيف الدين جباريم، الأستاذ المساعد للشبكات العالمية في جامعة نيويورك: "خدمات مشاركة السيارات لديها قدرة على النجاح، لكنها تعتمد على المكان. في بلد مثل الإمارات العربية المتحدة لا أرى أن الأمر ناجح للغاية حيث يُقدر الناس الخصوصية الشديدة فضلًا عن أن امتلاك سيارة لا يُشكل مشكلة كبيرة فضلًا عن توافر سيارات الأجرة على نطاق واسع."

ويرى نجم حلول مشاركة السيارات مناسبة أكثر في المدن المكتظة بالسكان مثل القاهرة ولكن لا يمكن الاعتماد عليها في الضواحي.

ويقول "ما لم تكن الانتقالات من مدينة إلى أخرى، فإن مشاركة السيارات لن تكون حلًا ناجحًا لأنها تحتاج إلى عدد كبير من المستخدمين كي يتمكنوا من الاستفادة من هذه الخدمة. ومن الصعب أن تجد شخصين أو أكثر يمكنهما الوثوق ببعضهما كي يتشاركا نفس نقطة الاصطحاب والوجهة بشكل منتظم في مثل هذه المناطق [الضواحي] ".

مع افتتاح المدارس لاستقبال الطلاب للعام الدراسي الجديد وعودة الموظفين إلى العمل في جميع أنحاء المنطقة، فإن الحاجة إلى حلول التنقل ستواصل الازدياد. أحد المعوقات الرئيسية التي تقف أمام مشاركة السيارات هو الخوف من الجلوس في مكان مغلق مع العديد من الغرباء. هذا الخوف ليس بجديد، فلطالما كان تحديًا كبيرًا أمام استخدام هذه الخدمة حتى قبل الجائحة.

يقول نجم: "بمجرد سماع مصطلح "كار بولينج" أو مشاركة السيارات، يتبادر إلى ذهن الناس على الفور أنهم سيسافرون مع أشخاص غرباء تمامًا، ولكن هذا ليس الحال مع منصات مشاركة السيارات التي توفر للركاب جميع المعلومات الشخصية المطلوبة عن الشخص الذي سيشاركهم الرحلة. فهي تُشبه منصة Airbnb في أول ظهور لها حيث أثارت قلق الجميع من فكرة مشاركة غرفة مع شخص غريب. ولكن تسارعت وتيرة هذه الثقافة تدريجيًا وبدأت في النمو بسرعة في جميع أنحاء العالم. وأعتقد أن هذا ينطبق على مفهوم مشاركة السيارات أيضًا".

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.