English

هل تستطيع الشركات الناشئة المصرية المساهمة بدور أكبر في مواجهة التحديات الاقتصادية؟

هل تستطيع الشركات الناشئة المصرية المساهمة بدور أكبر في مواجهة التحديات الاقتصادية؟

تلعب الشركات الناشئة دوراً حيوياً في تنمية الاقتصاديات الوطنية وتطوير قدراتها بمختلف المجالات، ولذلك لجأت الحكومة المصرية مؤخراً لاتخاذ مزيد من الإجراءات التي تهدف لجذب رواد الأعمال وتسهيل أعمالهم، والعمل على تبسيط الإجراءات الرسمية أمام المشاريع الناشئة، وذلك لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، شجع على ذلك نجاح الشركات الناشئة المصرية في جمع ٤٤٥ مليون دولار عبر 146 جولة تمويلية، وذلك بإجمالي تمويل قارب على 12 مليون دولار عبر 20 صفقة تمويلية خلال العام الماضي.

فرص وأدوار

تحاول مصر مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة بفتح المجال بشكل أكبر أمام رواد الأعمال وما يمكن أن نستنتجه من بعض القرارات التي أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء المصري مؤخرا أنه يحاول إجتذاب أصحاب المشاريع الناشئة من خارج البلاد، رغبة في الحصول على عملة أجنبية وتنشيط الاستثمارات الخارجية مع التقليل من الواردات الخارجية التي تستهلك الجزء الأكبر من النقد الأجنبي للدولة، ولعل أبرز ما يوضح ذلك تأكيد الدكتور "مصطفى مدبولي"، رئيس مجلس الوزراء المصري - خلال المؤتمر الصحفي، الذي عُقد خلال الفترة الماضية للإعلان خطة الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية - أن هناك جهود رسمية لتحسين مناخ الأعمال تتضمن العمل على تسهيل وتيسير الإجراءات الخاصة بالشركات الناشئة، وخاصة ما يتعلق منها بريادة الأعمال، حيث سيتم الاعتماد على فتح وغلق هذه الشركات، عن طريق إخطار عن طريق الانترنت، والسماح بفتح الشركات الافتراضية دون التقييد بوجود مقر فعلى للشركة، إلى جانب العمل على تعديل القوانين، سعياً للتوسع فى إقامة المناطق التكنولوجية، وتسهيل اشتراطات إقامة شركات الفرد الواحد، فضلاً عن أنه تم اتخاذ مجموعة من القرارات تتعلق بتيسير إجراءات إصدار التراخيص والموافقات مع إطلاق حزمة من الحوافز المتنوعة والجديدة ، تتضمن حوافز خاصة بقانون الاستثمار، وحوافز خضراء، بالتوازي مع تفعيل الرخصة الذهبية.

توضح مؤسسة The Legal Clinic، التي تقع بالقاهرة وتعمل على تقديم الاستشارات القانونية للشركات الناشئة، أن الحكومة المصرية تضع يدها على بعض المعوقات التي تواجه الشركات الناشئة، منها إلزام الشركات بوجود مقر فعلي لها لكي تتخذ شكلا قانونيا أثناء عملية تأسيس الشركة أمام الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، فسعت الدولة إلى إزالة مثل هذا العائق بإتاحة الفرصة أمام تلك الشركات في مباشرة ومزاولة أنشطتها المختلفة، ولكن من خلال مقر افتراضي، وخاصة وأنه قلما تحتاج الشركات الناشئة في قطاع تكنولوجيا المعلومات إلى موقع فعلي تباشر فيه خدماتها التي تقدمها للعملاء ولكن ... بالرغم من أنه بإتاحة إتمام هذه الإجراءات إلكترونيًا عبر الانترنت، فسيكون ذلك بمثابة قفزة كبيرة وهائلة في تحقيق رؤية مصر 2030 ، وتسهيل الطريق أمام الشركات الناشئة في مصر، إلا أنه مع ذلك فلا تعدو هذه القرارات عن أن تكون توجهات سياسة الدولة، ولا بد من إفراغها في شكل من أشكال -القواعد القانونية حتى  يمكن للجهات المختصة تنفيذها وتتاح الفرصة للشركات للاستفادة من تلك القرارات.

لا ينكر أحد أن أن الشركات الناشئة بمصر تمتلك فرص استثمارية هائلة مدفوعة بعدد هائل من السكان يتجاوز 100 مليون نسمة، ووجود قوة بشرية كبيرة تزداد سنوياُ، حيث يدخل ما يقارب 700 ألف مصري سوق العمل كل عام، وذلك ما يوضحه تقرير"الشركات الناشئة وإدارة رأس المال البشري في مصر: بحثًا عن وظائف لائقة"، الصادر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عام 2020، الذي يؤكد أن قطاع الخدمات وحده يساهم بحوالي 51٪ من الناتج المحلي الإجمالي مما يوفر فرص هائلة للشركات الناشئة للاستثمار في ذلك القطاع، الذي يساهم في خلق العديد من فرص العمل التي تقلل من البطلة، وتُنشط الاقتصاد القومي.

يتفق عبدالله شرارة مؤسس VPAY للتقنية المالية بمصر مع ذلك، حيث يرى أن تلك الإجراءات ستمنح العديد من الأفراد ذات النشاطات الفردية والأعمال الحرة الفرصة لتقنين أعمالهم وتطويرها بصورة أكثر سلاسة، مما سينعكس بدوره بصورة مباشرة على الاقتصاد الكلي والدخول الحكومية لتمويل النفقات العامة، وهو ما سيمنح العديد من مقدمي الخدمات التي يمكن تصديرها إلى الخارج تسهيلاً للتعاملات وتحصيل الأموال من خلال النظام البنكي والذي سيوفر المزيد من الوقت والجهد، وبالتالي المزيد من الإنتاجية، مع مضاعفة وزيادة عدد وحجم الشركات الصغيرة والمتوسطة يعطي الإقتصاد المصري قوة وثبات في مواجهة مختلف الأزمات نتيجة لتوزيع المخاطر وتفتيتها في حال وجود مجموعة كبيرة من الشركات المتوسطة.

وإذا تحدثنا عن الشركات الناشئة ينبغي أن لا نغفل التقنية منها القادرة على لعب دوراً مؤثراً في الحياة الاقتصادية المصرية، حيث قامت الحكومة المصرية مؤخراً بإصدار قانون تنظيم استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية، لتشجيع الاستثمار بذلك القطاع، حيث يوجد ما لا يقل عن 562 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا تعمل في جميع أنحاء البلاد –بحسب آخر إحصائية صادرة في سبتمبر 2021 – لتمتلك مصر رابع أكبر نظام للشركات الناشئة في إفريقيا من حيث عدد الشركات، بعد جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا، لتستحوذ على 19.8% من الشركات التكنولوجية الناشئة النشطة في جميع أنحاء القارة. –بحسب تقرير "نظام العمل المصري للشركات الناشئة" الصادر عن وزارة الاتصالات المصرية لعام 2021-

يرى عدد من رواد الأعمال أن مثل هذه القرارات تساعد أيضاً على رفع قدرات الاستمرارية والنمو في أصعب الظروف العالمية، مما يتيح الفرصة لمضاعفة حجم الاستثمارات في خلال السنوات القليلة القادمة، مثل "محمد مرعي"، مؤسس Xpovi، التي يقع مقرها بالقاهرة، يشير إلى أن أن توفير الموارد للشركات الناشئة في مرحلة الإطلاق من خلال السماح بالمقرات الافتراضية والتوسع في بعض الإعفاءات الضريبية قد يؤدي إلى زيادة ونمو غير مسبوق في عدد الشركات الناشئة تحت التأسيس، حيث يرى "

معوقات رئيسية

بالتوازي مع الفرص الهائلة بالسوق المصري المدفوعة بالنمو السكاني الذي يمثل فرص استثمارية أمام الشركات الناشئة من خلال توسيع قاعدة العملاء والمستهلكين، وايضا القوة البشرية الكبيرة التي يمكن أن تؤثر في سوق العمل، هناك عدد من التحديات التي قد يقف بعض رواد الأعمال أمامها راغبين في تقديم المزيد من التسهيلات لتجاوزها، حيث يوضح التقرير السابق للجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن حوالي 75٪ من الشركات الناشئة تفشل في مواصلة عملياتها، حيث أن هناك تحديات إضافية تتعلق بما إذا كانت الشركات الناشئة قادرة وراغبة في توفير العمل اللائق والبيئة الشاملة والمستدامة، حيث تواجه الشركات الناشئة في مصر عدداً من التحديات التي قد تعيق قدرتها على الوصول إلى إمكاناتها، والحفاظ على وجودها في السوق، وتحقيق قدرتها على توفير فرص عمل لائقة، تشمل بعض التحديات العامة صعوبة تحديد مكان التمويل واستدامته، والإطار القانوني والتنظيمي المعقد الذي يحكمها، والأعراف والثقافة الاجتماعية المحافظة، ونقص البيانات والمعلومات المتعلقة بديناميكيات السوق والفرص الحالية، كما أن هناك العديد من الشركات الناشئة لا تزال تواجه تحديات في إدارة رأس المال البشري.

تعتبر صعوبة الحصول على تمويل وتوجيه مهني مناسب من أكثر التحديات انتشاراً، لذلك يشير "عبدالله" أيضاً إلى أن حضانات الأعمال والمنظمات التي تعمل على تطوير الشركات الناشئة غير مؤهلة بالقدر الكافي لتقديم هذا الدور، كما ان بعض الخريجين لسوق العمل غير مؤهلين بالقدر الكافي لتأدية دورهم الوظيفي بمهنية.

يستكمل "مرعي" الحديث ليؤكد أنه يتمنى أن يتم إنشاء نظام الشباك الواحد يكون به ممثل من كل الجهات الرقابية المختصة بإصدار التراخيص والتصاريح، حيث سيصبح كمسرع أعمال ومصدر للمشورة الخاصة بالشركات الناشئة، مع تأسيس قسم مختص بالشركات الناشئة في مصلحة الضرائب.

توصيات

لتحقيق الاستفادة الاقتصادية الكاملة من الشركات الناشئة بمصر، أوصى التقرير الصادر عن ندوة "نحو خلق بيئة مواتية لرأس المال المغامر والشركات الناشئة في مصر" الذي أقامته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، خلال شهر يوليو الماضي، بضرورة العمل على تبسيط اللوائح، خاصة تلك المتعلقة بعقود المشتريات الحكومية، والتي من شأنها تعزيز التعاون بين الحكومة والشركات الناشئة في مجالات ابتكار الخدمة العامة والتكنولوجيا الحكومية، مع إنشاء صندوق دعم بدء التشغيل الذي يساعد على توجيه الموارد إلى الشركات الناشئة من قبل القطاع الخاص والجهات المانحة على أساس معايير موضوعية و مدفوعة بالطلب، بالتوازي مع العمل على زيادة فرص التمويلية، وذلك تماشياً مع إنشاء مجموعات عمل تعزز حوار السياسات بين الحكومة والقطاع الخاص وشركات المحاماة لتحديد الاختناقات القانونية المحددة التي تعيق عمليات وتسجيل رأس المال الجريء والشركات الناشئة، فضلاً عن توفير مساحة للاستثمار في التأثير الاجتماعي. مزيد من التركيز على الشركات الناشئة التي تعمل على حل المشكلات ذات التأثير الاجتماعي الكبير.

ورأت The Legal Clinic أنه من الأفضل وضع إطار تشريعي في شكل قانون يتناول بالتنظيم دعم قطاع ريادة الأعمال والشركات الناشئة بشكل مستقل وتقديم كافة التسهيلات في المراحل الأولية من حياة تلك المشروعات، بالإضافة إلى توفير الحوافز والضمانات الكافية للعاملين بهذا القطاع ومنهم: حاضنات الأعمال، ومسرعات الأعمال، والمستثمرين، والمستثمر الملاك، وشركات رأس المال المخاطر .

يمكن أن تلعب المشاريع الناشئة دور حيوي في مساندة الاقتصاديات الوطنية بل مصدر هائل للدخل القومي والنقد الأجنبي، حيث استطاعت بعض الشركات الناشئة أن تحقق إيرادات عالية وتساهم في تنمية اقتصاد الدول المُستضيفة لها خاصة خلال العقدين الأخيرين، مثل شركة شركة "بوكينج دوت كوم"، التي يشير "شهاب أحمد" مؤسس شركةVisit Guide ، إلى أن تلك الشركة الناشئة تُدر إيرادات بمبلغ حوالي ٧ مليار دولار سنوياً للدولة المُستضيفة لها هولندا، حيث يمكن للدولة أن تساعد الشركات الناشئة التي تعمل مثلا في ذات القطاع ً لإنشاء تطبيق عالمي مثل ذلك، وهو ما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد القومي للدولة، ويساهم في توفير المزيد من الوظائف والعملة الأجنبية، فضلاً عن زيادة المنافسة الدولية، وجذب الخبرات الكبرى، وهو ما سيعمل بدوره لإنشاء شركات أصغر تحتها، ليخلق دائرة من الأعمال التي تنمي الناتج القومي.

يعتبر السوق المصري من أبرز الأسواق الواعدة بالمنطقة لكنه يحتاج لمزيد من التسهيلات الرسمية التي تعمل على جذب المزيد من الشركات الناشئة، التي يمكن أن تساعد بقوة في توفير فرص عمل متنوعة، بالإضافة للمساهمة في توفير العمل الأجنبية للبلاد، مع تعظيم الناتج الإجمالي المحلي الذي سينعكس بدوره على تنمية الاقتصاد القومي للبلاد.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.