English

الشركات الناشئة بالمنطقة العربية في مواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.. من سينتصر؟!

الشركات الناشئة بالمنطقة العربية في مواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.. من سينتصر؟!

أثرت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل مباشر على الظروف الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تسببت في رفع معدلات التضخم لمستويات قياسية لم تشهدها منذ أكثر من نصف قرن، فضلاً عن حدوث أزمة غذائية بسبب نقص واردات القمح والمحاصيل الغذائية التي تستوردها عدداً من دول المنطقة من أوكرانيا، وذلك بالتوازي مع ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، وهو ما أدى لأزمة في سلاسل التوريد نتج عنها ارتفاع الأسعار بشكل واسع، وهو ما أثر بدوره على أنشطة الشركات الناشئة بالمنطقة التي تنافس بقوة الشركات الكبرى خاصة في بند الأسعار لتستطيع اجتذاب العملاء وتقديم سعر تنافسي، بالإضافة لنقص العملات الأجنبية نتيجة ضعف الصادرات، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الخدمات بخاصة الطاقة، مع تخوف المستثمرين وصناديق رأس المال المغامر من التوسع في أنشطتهم الاستثمارية ومساندة المشاريع الناشئة ورواد الأعمال، كما وجهت عدداً من الحكومات معظم مواردها المالية نحو الخدمات والاحتياجات الأساسية للمواطنين تجنباً لحدوث أزمات كبرى نتيجة تداعيات تلك الأزمة، إلا أنه في نفس الوقت لم تعاني دول الخليج النفطية مثل السعودية والإمارات بشكل قوي من تلك التأثيرات بسبب أن زيادة سعر النفط جاءت لتضيف مزيداً من الدخل القومي والعملة الأجنبية لناتجها الإجمالي، فضلاً عن توجيهها تلك الزيادة لدعم رواد الأعمال وشركاتهم الناشئة من خلال تدشين مزيد من البرامج التمويلية والأنشطة التدريبية لأصحاب الشركات الناشئة.

تداعيات الأزمة

تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في العديد من التأثيرات على بعض من دول منطقة الشرق الأوسط بمعظم قطاعاتها، وهو ما انعكس بالتالي على العديد من الشركات الناشئة التي تتأثر هي الأخرى بتلك الأزمة بشكل واسع نظرا لبدائية هيكلها المالي والإداري والتقني، وتخوف بعض المستثمرين من المخاطرة بمزيد من استثماراتهم أو توفير فرص تمويلية لرواد الأعمال، ولا ننسى رفع الفائدة الأمريكية أكثر من مرة خلال العام الأخير وهو ما تسبب في خروج بعض رؤوس الأموال التي كانت تدعم وتمول المشروعات الناشئة والشركات الصغيرة التي تعمل في المنطقة.

على عكس البعض يرى "محمود العمري"، مؤسس تطبيق محصول :" أنه لم يكن هناك تأثير كبير للحرب الروسية الأوكرانية على النمو بشركته، حيث نمت مبيعات تطبيقهم خلال عام ٢٠٢٢ بنسبة ٢١٠٪؜، وذلك مقارنة بالفترة نفسها من عام ٢٠٢١، حيث بلغت من شهر يناير حتى شهر أغسطس عام ٢٠٢١ قيمة ٤٥٠٠٠ دولار، ووصلت ٩٤٥٠٠ دولار في عام ٢٠٢٢".

أشار تقرير حمل عنوان "الحرب في أوكرانيا وأصداؤها عبر مختلف مناطق العالم"، نُشر بموقع صندوق النقد الدولي، في مارس 2022، إلى أثار تلك الأزمة على المنطقة حيث سيؤدي ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب، وهو ما سيتسبب في تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين سيفضي ذلك إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما الحفز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة، كما أنه من شأن السياسات الرامية إلى احتواء التضخم، كزيادة الدعم الحكومي، أن تفرض ضغوطاً على حسابات المالية العامة الضعيفة بالفعل. وإضافة إلى ذلك، فإن تفاقم الأوضاع المالية الخارجية قد يحفز تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج، ويضيف إلى التأثيرات المعاكسة على النمو في البلدان ذات مستويات الدين المرتفعة والاحتياجات التمويلية الكبير، وهو ما سيؤثر بصورة أو بأخرى على الفرص التمويلية والاستثمارية المتاحة أمام الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة، وهو ما يتسبب في تراجع القوة الشرائية للمستهلكين التي تزيد بدورها من معاناة مجتمع ريادة الأعمال.

أما الدكتور "وليد صادق"، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة باي سكاي، التي تعمل في مجال التقنية المالية بعشر دول في المنطقة، فقد أشار إلى أنه بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، تغيرت العديد من المؤشرات الاقتصادية العالمية من حيث تباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم وتم فرض تحديات جديدة أثرت على شكل التجارة العالمية والسياحة، لكنها فرصة لشركات التكنولوچيا المالية لخلق حلول بديلة غير نمطية للمشاكل التقليدية وفرصة لتقديم منتجات غير تقليدية وغير متوفرة حالياً."

الأمن الغذائي

يوضح تقرير نُشر تحت عنوان "أثر الغزو الروسي لأوكرانيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية  (CSIS)بمايو 2022، أنه قد أدت الحرب إلى تقليص الصادرات الغذائية من أوكرانيا وروسيا، وخاصة القمح والذرة وزيت عباد الشمس، مما أدى إلى ارتفاع أسعار هذه السلع ؛ زيادة الطلب على المنتجات البديلة، بما في ذلك زيوت الطهي البديلة ؛ وخفض صادرات الأسمدة من البحر الأسود، مما أدى إلى تغيير كمية وطبيعة المحاصيل التي تخطط للنمو في جميع أنحاء العالم. تضيف التكلفة العالية للطاقة ضغطًا تصاعديًا على أسعار المواد الغذائية والأسمدة، وهو ما ينعكس على الأمن الغذائي بالمنطقة، والشركات الناشئة التي تعمل في قطاع الأغذية والمحاصيل الزراعية.

 "عمار الشامي" مؤسس منصة "فريسكوا"، ابتكر منصة دولية مدعومة بتقنية "البلوك تشين" لتسهيل عمليات تجارة الخضار والفاكهة بين دول المنطقة، يرى أن التأثيرات كانت إيجابية من ناحية الاستراتيجيات الدولية حيث زاد الاهتمام الدولي بإيجاد بديل تجاري لتعزيز الثقة بتجارة المحاصيل الزراعية، إلا أنه هناك تحديات تتعلق بتسويق وتوزيع والتمويل، وبسبب عدم وجود ثقة في السوق الدولي، لذلك فإن المشكلة ستزداد تدريجياً مع فشل قدرة بعض الدول على سداد ديونها."

 مواجهة المخاطر

عندما تبدأ الأزمة في الظهور يُسارع البعض - خاصة الشركات الناشئة التي تصارع منافسيها الكبار لتبقي في السوق وتتمكن من التوسع والنمو – للبحث عن حلول مبتكرة والإسراع بتنفيذ خطط طارئة تسمح لهم بالبقاء ومواجهة التحديات التي قد تعوق مسارهم الاستثماري، حيث يوضح "صادق" أنه شركته حريصة على تقديم حلولاً مبتكرة لسد الفجوات التي تواجه المدفوعات الإلكترونية والقطاع غير المصرفي. من خلال توسيع نطاق وصولها إلى الأسواق الاستراتيجية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتمكين المؤسسات المالية والبنوك المركزية ومشغلي الاتصالات السلكية واللاسلكية من خلال نظام الدفع الكامل الخاص بها، وتمكين الأفراد والشركات من خلال حساب الخدمات المالية الرقمية الرائد.، وذلك لتحفيز نشاط التقنية المالية ومواجهة أي تداعيات قد تحدث أي وقت"

من جانبه اتخذ البنك الدولي عدداً من التدابير لمساعدة المشاريع الصغيرة على مواجهة تلك التداعيات، وهذا ما يتضح من تقرير "يتجاوز دعم البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا 5 مليارات دولار أمريكي ، مما يساعد على التخفيف من آثار COVID-19 والحرب في أوكرانيا"، المنشور في مدونة البنك الدولي خلال شهر يوليو 2022، حيث قام البنك الدولي بتقديم المساعدة لمنتجي الألبان والمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في لبنان، مع دعم تغييرات السياسات متوسطة الأجل، من خلال مشروع بقيمة 150 مليون دولار أمريكي لتمويل واردات القمح وللمساعدة، أيضًا وافق البنك الدولي على منح 500 مليون دولار أمريكي للمساعدة في تعزيز رأس المال البشري والقدرة على الصمود بالمغرب. ليبلغ إجمالي محفظة البنك الدولي حالياً حوالي 25.2 مليار دولار أمريكي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تغطي المحفظة جميع القطاعات ذات الأولوية الاستراتيجية بما في ذلك الزراعة والطاقة والتعليم والمناخ والصحة والحماية الاجتماعية والتجارة والنقل، وهو ما قد يعتبر بداية لمواجهة تلك المخاطر وتشجيع الاستثمار خاصة المشروعات الصغيرة بتلك المجالات الحيوية.

يشير "الشامي" إلى أن السياسات الموجودة الآن في الشرق الأوسط لا تركز على الابتكار، وإنما تهتم بصناعة المال والثروة، حيث أنه هناك فرق بين أن تبتكر وبين تحقيق ربح أو خسارة، لذلك هو يعتقد أن تلك التداعيات إيجابية لأنها تحفز على الإبداع والخروج من الصندوق والبحث عن حلول بديلة مُبتكرة، ولكن سيكون هناك تحديات في التمويل لسنوات قليلة ثم ستتحسن الأمور.

يتفق "العمري" مع طرح "الشامي" بخصوص مواجهة تلك التأثيرات حيث يرى أن يجب أن تخطط المنطقة للمستقبل بصورة أكثر تنظيماً وإبداعاً من خلال تشجيع الشركات الناشئة ورواد الأعمال للتركيز على التكنولوجيا الزراعية لتحسين الإنتاج والزراعات ذات التكلفة الأقل والإنتاج الأعلى، والابتكار في تكنولوجيا التخزين وحفظ المنتجات الزراعية واستصلاح الأراضي الجديدة ليساهم رواد الأعمال بدورهم في تحقيق تكامل بالأمن الغذائي بالمنطقة، والتركيز على المنتجات الأساسية، ومن الملاحظ أن هذه الشركات هي محط أنظار المستثمرين وعلى سبيل المثال تصدرت شركة Pure Harvest Smart      Farms للتقنية الزراعية، والتي يقع مقرها في الإمارات، قائمة أكثر 10 شركات ناشئة تمويلًا في الشرق الأوسط، بتمويل 135.8 مليون دولار." 

قد يكون التأخر في إجراء إصلاحات اقتصادية جزء من أسباب تفاقم الأزمة وتأثيراتها على المنطقة، لذلك يجب الإسراع بمساندة مجتمع ريادة الأعمال وتحفيز صناديق رأس المال المغامر والمستثمرين على تمويل الشركات الناشئة عن طريق تقديم تسهيلات تقلل من مخاوفهم المتعلقة بتداعيات الأزمة، وهو ما يوضحه "فريد بلحاج"، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدونة البنك، والذي يعتبر أن المنطقة ليست غريبة عن الأزمات، ولا يمكن الانتظار حتى تمر الأزمة لإحراز تقدم في الإصلاحات المتأخرة. حيث يجب الإسراع بالتنمية مع الانخراط في الاحتياجات الفورية والحفاظ على تركيز قوي على المدى المتوسط ​​والطويل لأجندة الإصلاح، لقد حان الوقت دائمًا للبلدان للعمل بسرعة وحزم من خلال تنفيذ سياسات يمكن أن تساعد في تحفيز بيئة خضراء ومرنة وأكثر شمولاً لمستقبل الجميع .

ربما ترسل تلك الأزمة رسالة هامة للغاية لعدد من دول المنطقة لتشجيع نمو أنشطة الشركات الناشئة، بخاصة التي تعمل في مجال الغذاء والمحاصيل الزراعية والطاقة والتقنية المالية، وتوفير المساندة التمويلية والإدارية لأصحاب تلك الشركات، ومساعدتهم على تلافي العقبات الروتينية التي قد تكون عائق أمام توسع ونمو العديد منهم، ودعونا نؤكد أن رواد الأعمال قد يصبحوا أبرز وسيلة تساعد المنطقة على  مواجهة العديد من الأزمات الخطيرة خلال المستقبل.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.