English

شركات ناشئة مصرية تواجه تحديات الأزمة الاقتصادية العالمية بحلول مُبتكرة

شركات ناشئة مصرية تواجه تحديات الأزمة الاقتصادية العالمية بحلول مُبتكرة

مر الاقتصاد العالمي بعدة أزمات خلال الثلاثة أعوام الماضية، مثل جائحة كورونا ثم الحوادث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ، والتي ضربت عدة دول حول العالم وتسببت بأزمة غذائية دولية، تلى تلك الحرب الروسية الأكرانية، مما كان له بالغ الأثر في حدوث أزمات بسلاسل التوريد العالمية، وما نتج عنها من نقص المواد الخام بالأسواق الدولية، أعقبها حدوث موجات تضخم وارتفاع لأسعار المواد الخام، أثرت على الدول المرتفعة والمنخفضة الدخل على حد سواء بشكل متباين، وكانت مصر – التي تعتبر أكثر دول منطقة الشرق الأـوسط وشمال إفريقيا سكاناً - من بين تلك الدول التي انعكس الأمر فيها كذلك على نشاط بعض الشركات والمشاريع الناشئة، مما دعا بعض رواد الأعمال لابتكار طرق جديدة لإحتواء تأثيرات تلك الأزمة والتغلب على تداعياتها.

تأثيرات الأزمة العالمية

توقع تقرير منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD، الذي حمل عنواناً "الأزمات المتعددة تطلق العنان لواحد من أدنى النواتج الاقتصادية العالمية في العقود الأخيرة"، ونُشر خلال شهر يناير من العام الحالي، أن يتباطأ نمو الناتج العالمي من حوالي 3.0% في عام 2022 إلى 1.9% في عام 2023، وهو ما يمثل أحد أدنى لمعدلات النمو في العقود الأخيرة، على أن يعود ويرتفع النمو العالمي بشكل معتدل إلى 2.7% في عام 2024، حيث ستبدأ بعض الرياح المعاكسة في التراجع، ومع ذلك، يعتمد هذا بشكل كبير على وتيرة وتسلسل المزيد من التشديد النقدي، ومسار وعواقب الحرب في أوكرانيا، وإمكانية حدوث مزيد من الاضطرابات في سلسلة التوريد.

يقول "وليد صادق" المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة باي سكاي، التي تعمل في مجال التقنية المالية، وتتخذ من مصر مقراً لها: "لا شك في أن الأزمات الاقتصادية تؤثر على جميع القطاعات والشركات سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ولكننا ندرس خطواتنا بدقة حتى نتفادى هذه التأثيرات ونتمكن من استكمال مسيرتنا، وعلى الرغم مما نشهده من تذبذب في الأوضاع الاقتصادية إلا أننا مستمرون في ضخ استثمارات جديدة لتطوير مجال التكنولوجيا المالية، كما نسعى إلى الوصول لجميع الأعمار والفئات الممكنة، وإتاحة فرص متساوية لتوفير حلول الدفع، وقد وصل حجم استثمارات الشركة إلى 100 مليون جنيه خلال العام الماضي".

يوضح تقرير للبنك الدولي، بعنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية"، نشر في يناير 2023، أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من 5.7 في المائة العام الماضي إلى 3.5 في المائة في عام 2023 وإلى 2.7 في المائة في عام 2024.

اشار مؤشر البنك الدولي عن مصر، الصادر في نوفمبر 2022، أن الحكومة المصرية قد كانت أعلنت عن حزم التخفيف الاجتماعي التي تشمل توسيع تغطية برامج التكافل والكرامة للتحويلات النقدية، ورفع المعاشات التقاعدية وأجور القطاع العام، والتدابير الضريبية، من بين إجراءات أخرى للتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار، علاوة على ذلك، طلبت مصر دعم صندوق النقد الدولي لتنفيذ برنامج اقتصادي شامل لمعالجة التداعيات السلبية للظروف الاقتصادية العالمية والحرب في أوكرانيا، واستعادة الاستقرار المالي الكلي ، وترسيخ برنامج الإصلاح الهيكلي.

من جهتها تقول "فالنتينا بريمو"، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ Startups Without Borders:"الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت على الشركات الناشئة المصرية لأن الكثير منها عليها التعامل مع النفقات المتزايدة، لذلك أعتقد ان الشركات الناشئة المصرية يجب أن تكون أكثر تنافسية في السوق العالمي، ولذلك يجب أن تكون أكثر قدرة على الدخول في الأسواق العالمية للاستفادة من الفرص العديدة".

يشير مؤشر البنك الدولي أنه من المتوقع أن تتأثر بيئة الاقتصاد الكلي في مصر خلال العام المالي 2022/23 بفعل التغيرات المتزامنة، قبل أن تبدأ في التحسن على المدى المتوسط، حيث لا يزال خلق الحيز المالي أمراً بالغ الأهمية لتعزيز رأس المال البشري والمادي للسكان المصريين، الذين يتجاوز عددهم 104 ملايين نسمة، والأهم من ذلك، أن الاستمرار في متابعة الإصلاحات، بما في ذلك تعزيز السياسة التجارية والتسهيلات وكذلك التحسينات في بيئة الأعمال التجارية الأوسع، كما يمكن أن يُطلق العنان لإمكانات القطاع الخاص في الأنشطة ذات القيمة المضافة الأعلى والموجهة نحو التصدير اللازمة لخلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.

يؤكد "عمر صقر"، مؤسس مؤسسة نواة العلمية، المصرية، "أن مؤسسته قد تأثرت سلباً بالأزمة الاقتصادية، حيث ارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج التي نستخدمها... ولكن قمنا بمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية عن طريق القيام بمراجعة دقيقة لكل عمليات الشركة لخفض المصاريف دون التقليل من العمالة، وأدخلنا تطويرات على البروتوكولات المستخدمة للتحليل لخفض التكلفة من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا المتطورة، واضطررنا لرفع اسعارنا بعض الشيء، وذلك مع التوسع في أسواق مجاورة، لنركز على تصدير خدماتنا للخارج، وهو ما يدعم دخول العملة الصعبة للبلاد".

مواجهة الأزمة

تحاول الشركات الناشئة ابتكار أدوات وحلول جديدة تهزم بها الأزمة الاقتصادية وتحقق بها هامش ربح تستطيع من خلاله الصمود والمضي قدماً في تنفيذ أنشطتها وبرامجها الاستثمارية، حيث أوضح  تقرير لمنظمة The Startup Scene، لتقييم أداء الشركات الناشئة المصرية خلال عام 2022، أنه  على الرغم من الصعوبات، لا تزال مصر تعتبر نظامًا رائدًا للشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيمكن التغلب على الأزمة الحالية بخلق المزيد من خيارات التمويل والمزيد من المستثمرين للشركات الناشئة، وهو ما يحدث في مصر على مدار العام.

تستكمل "فالنتينا" حدثها موضحة "أنها قد رأت العديد من رواد الأعمال المصريين يبنون شركاتهم الناشئة من مجرد فكرة ويقومون بالكثير من الأعمال من صفر دعم، لذلك يجب إحضار الاستثمار الذكي الذي لا يركز على تدفق النقود فقط بل المساعدة في التوسع بالسوق الدولي، وإقامة شبكة علاقات عالمية موسعة، حيث تعتبر مصر مليئة بالفرص المتعددة لرواد اأاعمال، فعلى بالرغم من الأزمة العالمية فإن السوق المصري وبيئة العمل تنمو بشكل موسع".

حسب مؤشرات البنك الدولي عن مصر، وافق البنك على مشروع تحفيز ريادة الأعمال لخلق فرص العمل برأسمال قدره (200 مليون دولار أمريكي)، يهدف إلى خلق فرص عمل وتحسين الفرص الاقتصادية للمصريين، مع التركيز على النساء والشباب. يوفر هذا المشروع حزمة شاملة من الدعم المالي (تمويل الديون واستثمارات الأسهم) والدعم غير المالي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر والشركات الناشئة المبتكرة والشركات ذات النمو المرتفع، واعتبارًا من يونيو 2021 خلق المشروع على 105784 وظيفة جديدة.

تنصح "فالنتينا" رواد الأعمال المصريين بتجنب النظر لنهاية النفق فقط بل الاستمرار في العمل وتوسيع شبكة علاقاتاتهم، ومناطق نشاطهم للاستفادة من المنافسة بالسوق العالمي.

يوافقها في الرأي "مهند هشام"، مؤسس شركة "”Water Will المصرية الناشئة، التي توفر حلولاً مائية مستدامة للمجتمعات الريفية في مصر وإفريقيا، "الذي يدعو المشاريع الناشئة لفتح أسواق بالخارج، مع استغلال شبكات العلاقات التجارية لتنمية الصادرات وفتح أسواق جديدة، مع ضرورة المرونة مع تغيرات السوق، وتطوير المنتج وتعديله مع الظروف المتغيرة".

يؤكد تقرير The Startup Scene أنه قد عقدت شركة Modus Capital ومقرها نيويورك شراكة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لإطلاق شركة بناء مشاريع في مصر، بينما تخطط Global 500، وهو صندوق رأس مال استثماري مقره سان فرانسيسكو، لفتح مكتب جديد في البلاد، وهو الأول في القارة الأفريقية، لدعم ما يقدر بنحو 200 شركة ناشئة، وذلك بالإضافة إلىAlgebra Ventures ، وهو صندوق رائد لرأس المال الاستثماري في مصر، يواصل الاستثمار في الشركات الناشئة المحلية، كما بدأ تمويل الديون أيضًا في إحراز تقدم في مصر، حيث قامت شركة التكنولوجيا المالية الناشئة Blnk مؤخرًا برفع الاستثمارات من خلال تمويل الأسهم والديون، كما أن سوق الشحن الرقمي Trella يؤمن الاستثمارات من خلال تمويل الديون. بدلاً من بيع حقوق الملكية.

 يدعو "صادق" رواد الأعمال إلى "إعادة النظر في الخطط المستقبلية، واستراتيجيات النمو الخاصة بهم، من خلال تقليل النفقات واعتماد استراتيجية لتحقيق الأرباح تتماشى مع مستويات التضخم الحاصلة حالياً، مع تقليل النفقات عبر الاعتماد على توظيف المستقلين عن بعد، مع تخفيض أو تأجيل بعض الاستثمارات، طالما أن الخدمات والمنتجات قد تكون غير ضرورية للمستهلكين أو لا تخدم الوضع الحالي، وذلك بالتوازي مع الاستمرار بالابتكار أكثر من أي وقت مضى، من خلال تقديم منتجات وخدمات تلبي طموحات المستهلكين". يتفق معه "صقر" الذي يرى "أنه على الشركات الناشئة الانفتاح على الأسواق الخارجية، وأن يقدموا للسوق منتجات وخدمات تلائم المستهلك العالمي وليس المحلي فحسب، لأن التصدير هو من أبرز المكاسب لمصر خلال الفترة القادمة، وهو ما حدث في دول كثيرة نمى قطاع الشركات التقنية فيها حتى أصبح جزءاً رئيسياً من اقتصاد الدولة".

يُعتبر التعاون بين المؤسسات الاقتصادية الرسمية والقطاع الخاص خاصة الشركات الناشئة – التي تُعد من أبرز المتأثرين بتلك الأزمة – جزء رئيسي من خطة مواجهة تداعياتها، حيث أنه بقيام الدولة بتقديم مزيد من التسهيلات التجارية ومساعدة رواد الأعمال على إيجاد سبل متنوعة لتمويل مشروعاتهم الناشئة، فضلاً عن تسهيل الإجراءات والخطوات اللازمة لإتاحة الفرص أمام الشركات الناشئة لفتح أسواق جديدة بالخارج، مما سيسمح بضخ مزيد من العملة الأجنبية بالسوق المحلي، وتوظيف مزيداً من الأيدي العاملة والمهارات الجديدة، وبالتالي تنشيط السوق الداخلي، وزيادة القوة الشرائية المحلية، وهو ما سينعكس بالإيجاب على الاقتصاد القومي.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.