English

أبرز توجهات الاستثمار في الشركات الناشئة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

English

أبرز توجهات الاستثمار في الشركات الناشئة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الدكتورة يلينا يانجوسيفيتش هي أستاذ مشارك في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة هيريوت وات دبي

برزت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة بوصفها مركزاً للشركات الناشئة، وتواصل استقطاب اهتمام المستثمرين من جميع أنحاء العالم. ويتعيّن اليوم على رواد الأعمال والمستثمرين إدراك توجهات الاستثمار الحالية لضمان النجاح ضمن المشهد المتغير لريادة الأعمال في المنطقة.

ويتمثل أحد أبرز توجهات الشركات الناشئة في ظهور قطاع التكنولوجيا المالية وما حمله من أثرٍ ملحوظ على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث أسهم في إطلاق حلول الدفع الرقمي، ومنصات إقراض النظراء (P2P)، والخدمات القائمة على تقنية البلوك تشين، والتي استقطبت جميعها استثماراتٍ كبيرة على مستوى المنطقة. ويُعزى هذا التوجه إلى زيادة الإقبال على الخدمات المالية المبتكرة، وإدراك المستثمرين لأهمية التحول الرقمي في تطوير الأنظمة المصرفية، حيث تلعب شركات التكنولوجيا المالية دوراً محورياً في تحوّل القطاع المالي وردم فجوة التمويل بين الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة والنهائية. ووفقاً لأحدث البيانات، فقد استثمرت شركة ليكويديتي جروب، الشركة الرائدة عالمياً للتكنولوجيا المالية وإدارة الأصول، أكثر من 300 مليون دولار في الشركات الناشئة التي تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها.

التجارة الإلكترونية في صدارة التحول الرقمي

أصبح التحول الرقمي قوةً رئيسية تساهم في رسم ملامح مشهد الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما في قطاع التجارة الإلكترونية الذي شهد تحولاً كبيراً نحو اعتماد منصات التسوق والترفيه والخدمات عبر الإنترنت. وأفادت بيانات "ومضة" أن الشركات الناشئة المتخصصة بالتجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استقطبت تمويلاً يتجاوز 214 مليون دولار خلال عام 2023، مما يؤكد النمو المتسارع للقطاع وثقة المستثمرين بنجاحه. ويعكس التوجه نحو التحول الرقمي تغير سلوك المستهلكين في المنطقة واستعدادهم لاعتماد المنصات المريحة عبر الإنترنت في مختلف جوانب حياتهم.

التكنولوجيا الصحية والتعليمية تقودان التحوّل المجتمعي

أسهمت التحديات الصحية العالمية في تسليط الضوء على قطاع التكنولوجيا الصحية وأهميته في توفير حلول الرعاية الصحية المبتكرة، كما أخذ المستثمرون يدركون الإمكانات الواعدة للشركات الناشئة المتخصصة في توفير خدمات صحية مبتكرة. وشهدت المنطقة زيادةً ملحوظةً في الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا الصحية، التي تسعى إلى معالجة الاحتياجات الملحّة، والمساهمة في إيجاد بنية تحتية مرنة وقابلة للتكيف لقطاع الرعاية الصحية في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، سجل قطاع تكنولوجيا التعليم نمواً ملحوظاً نتيجة التوجه المتزايد نحو التعلّم عن بُعد في ظل أزمة كوفيد-19 العالمية، التي سلطت ضوءاً أكبر على القطاع. وكان قطاع تكنولوجيا التعليم خامس أكثر قطاعٍ تسجيلاً للصفقات العام الماضي، حيث جمعت 29 شركةً ناشئة من شركاته نحو 70 مليون دولار، مما يؤكد مرونة المنظومة التعليمية للمنطقة وقدرتها على التكيف، إضافة إلى أهمية التكنولوجيا في رسم ملامح مستقبل التعلّم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

التغيرات الإقليمية ما بين الإمارات والسعودية والأسواق الناشئة

تشهد منظومة الشركات الناشئة ازدهاراً ملحوظاً في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غير أن بعض الدول تميّزت عن غيرها في استقطاب رأس المال المغامر، وعلى رأسها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر. وتحافظ الإمارات على جاذبيتها أمام رأس المال المغامر بفضل بيئتها المواتية لعقد الأعمال ومبادراتها الاستراتيجية المستمرة؛ في حين شهدت السعودية تدفقاً متسارعاً للاستثمارات، وخاصةً في قطاعات التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية. وفي المقابل، تتميز مصر بتعداد سكانها الكبير، ومعظمهم من فئات الشباب، مما جعلها مركزاً للابتكارات ولإطلاق مجموعة من أكثر الشركات الناشئة نجاحاً في المنطقة.

استثمارات رأس المال المغامر وتوقعات الشركات المليارية

تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادةً مستقرة في توزيع رأس المال المغامر. وأكدت "الشركة السعودية لمشاريع التكنولوجيا – STV" أن استثمارات رأس المال المغامر ازدادت بأكثر من الضعف حتى وصلت إلى 2,58 مليار دولار مقارنةً مع 1,09 مليار دولار في عام 2020. كما ارتفعت هذه الاستثمارات في السعودية وحدها بنحو أربعة أضعاف، حيث وصلت إلى 548 مليون دولار مقارنةً مع 148 مليون دولار في عام 2021. وانطلاقاً من الإمكانات الواعدة التي تحملها المنطقة، تتوقع "الشركة السعودية لمشاريع التكنولوجيا – STV" ظهور 45 شركة مليارية على الأقل بحلول عام 2030، بما في ذلك شركة واحدة من المتوقع أن تصل قيمتها التقديرية إلى نحو 20 مليار دولار، مما يجعلها ضمن فئة الشركات الديكاكورن. وتعكس هذه التوقعات الثقة المتزايدة بنجاح الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وازدهارها على المدى البعيد.

مواجهة التحديات بنجاح

رغم وفرة الفرص، إلا أن مشهد الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يخلو من التحديات والعقبات، والتي ينبغي تجاوزها بنجاح لضمان مواصلة النمو واستقطاب الاستثمارات على المدى البعيد. وتشمل هذه التحديات ما يلي؛

البيئة التنظيمية: قد تواجه الشركات الناشئة صعوبةً في التعامل مع التعقيدات التنظيمية لدول المنطقة، التي تتنوع اللوائح التنظيمية فيما بينها. ويدعو رواد الأعمال والمستثمرون اليوم دول المنطقة إلى اعتماد أُطرٍ تنظيمية موحدة وشفافة، تساهم في إيجاد بيئة أعمال مشجعة ومواتية.

استقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها: تحتاج الشركات الناشئة معظم الأحيان إلى المساعدة في استقطاب المواهب والاحتفاظ بها، رغم أن المنطقة تتميز بوفرة الكفاءات الشابة والماهرة. ولضمان نجاح هذه الشركات على المدى البعيد، لا بد من إيجاد منظومة تحتضن المواهب والكفاءات، وتقدم حوافز مجزية تشجع المتخصصين على الانضمام للشركات الناشئة والبقاء لديها.

توافر التمويل للشركات الناشئة في مراحلها المبكرة: ارتفعت معدلات التمويل بشكلٍ ملحوظ في المنطقة، إلا أن الشركات الناشئة ما زالت تعاني لتأمين رأس المال، لا سيما في مراحلها المبكرة. فغالباً ما يفضل المستثمرون وضع أموالهم بأمان لدى الشركات القائمة. ويمكن ردم هذه الفجوة من خلال تشجيع المستثمرين الملاك ووضع منهجية فعّالة لتمويل الشركات في مراحلها المبكرة.

المُضي قدماً

تحتضن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مشهداً جاذباً للاستثمار في الشركات الناشئة، وتوفر فرصاً عديدة في مجموعة من القطاعات المدفوعة بالتحول الرقمي والابتكار. ولا يخلو الأمر من التحديات طبعاً، إلا أن تضافر جهود رواد الأعمال والمستثمرين وصنّاع السياسات من شأنه تجاوز جميع هذه العقبات، وإيجاد بيئة أكثر مرونة وازدهار لريادة الأعمال. كما تتطلب مواكبة التطور المستمر لهذه المنظومة تركيزاً أكبر على الشراكات الاستراتيجية والإصلاحات التنظيمية واحتضان الكفاءات والمواهب، والذي يلعب دوراً محورياً في رسم ملامح النمو المستقبلي للشركات الناشئة في المنطقة. وتقدم الفترة الحالية فرصةً مميزة للمستثمرين ورواد الأعمال على حد سواء، حيث يمكنهم مواكبة المشهد المتطور للمنطقة والمساهمة في منظومتها المزدهرة للابتكار.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.