أدوات المدير المالي... الحلقة المفقودة في نهضة الشركات الناشئة بالشرق الأوسط

بقلم: عدنان مرودي (شريك مشارك)، وسيمون شارب (شريك)، شركة Global Ventures
يُعد المديرون الماليون (CFOs) محور اتخاذ القرار الاستراتيجي، حيث يربطون بين السيولة، والأداء، والتخطيط المستقبلي، والتنفيذ التشغيلي. ومع تسارع التحول الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وازدياد تعقيد البيئة الاقتصادية، لم تتمكن البنية المالية في العديد من المؤسسات من مواكبة هذا التغير. لا تزال فرق الأقسام المالية تعتمد إلى حد كبير على جداول البيانات والإجراءات اليدوية وأنظمة غير مترابطة.
تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة ما يصل إلى 90% من القطاع الخاص، وتوظف أكثر من 50% من القوى العاملة الرسمية في أسواق رئيسية مثل السعودية ومصر. ومع ذلك، تظل هذه الشركات تعاني من نقص كبير في الخدمات المالية، إذ لا تحصل إلا على 8% من إجمالي الإقراض في المنطقة، وتنخفض النسبة إلى 2% فقط في بعض دول الخليج. كما لا تزال أكثر من 80% من الشركات الصغيرة والمتوسطة تعتمد على عمليات يدوية أو شبه يدوية، ما يحد بشدة من الدقة والكفاءة وقابلية التوسع.
لكن هذا الواقع بدأ يتغير. فهناك موجة جديدة من شركات التكنولوجيا المالية تعيد تصور كيفية عمل الفرق المالية، والمديرون الماليون هم من يقودون هذا التحول.
في هذا المقال، نستعرض أبرز التحديات التشغيلية التي تواجه المديرين الماليين في المنطقة، ولماذا أصبحت أدوات التكنولوجيا المالية ضرورة ملحّة، ومن هم اللاعبون الجدد الذين يعيدون تشكيل المشهد. أدوات تكنولوجيا المدير المالي أصبحت من أكثر القطاعات تأثيرًا – والأقل تسليطًا للضوء – ضمن تطور التكنولوجيا المالية في المنطقة.
ما الذي يدفع هذا التحول؟
لقد حددنا خمسة تحديات متكررة تواجه فرق المالية في المنطقة، تمثل كل منها فرصة واضحة لأدوات التكنولوجيا المالية الحديثة لإحداث تأثير ملموس:
- الإجراءات اليدوية المفرطة: تقضي فرق المالية وقتًا غير متناسب على مهام قابلة للخطأ مثل مطابقة الفواتير، وتسويات النفقات، والتوفيق المحاسبي، ما يبطئ عملية اتخاذ القرار ويحد من الوقت المخصص للتخطيط الاستراتيجي.
- أنظمة تقنية معقدة وغير مترابطة: لا تتكامل أنظمة تخطيط الموارد المؤسسية (ERP)، وأنظمة الموارد البشرية، والمبيعات، والبنوك بشكل فعال، مما يضطر المدير المالي إلى "سد الثغرات" بين الأدوات بدلًا من الاعتماد على مصدر موحد للبيانات.
- ضعف التعاون بين الفرق: لا تزال عملية إعداد الميزانيات والتنبؤ المالي تعتمد على تبادل مستندات متفرقة عبر البريد الإلكتروني وجداول Google، مما يؤدي إلى فوضى في نسخ الملفات وانعدام السياق الفوري.
- تشظي البيانات على نطاق واسع: مع توسع الشركات في عدة أسواق، تصبح مراقبة الأداء عبر الوحدات أكثر تعقيدًا. وفي غياب لوحات تحكم مباشرة وتحليلات موحدة، تفتقر فرق المالية إلى رؤية شاملة.
- غياب أدوات التخطيط المالي المتقدمة: لا يزال Excel هو الأداة الأساسية للتخطيط المالي والتحليل (FP&A) في المنطقة. الأدوات القائمة على سيناريوهات متعددة نادرة، مما يعرض الفرق المالية للمخاطر الناتجة عن تقلبات التكاليف أو العملات.
ومع تراكم هذه القيود، تصبح الحاجة إلى حلول متكاملة وحديثة أمرًا لا غنى عنه.
لماذا تُعد الشركات الصغيرة والمتوسطة سوقًا غير مستغل للتكنولوجيا المالية في المنطقة؟
تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة دعامة أساسية لاقتصاد المنطقة، لكنها لا تزال محرومة من حلول المؤسسات المالية التقليدية. وهو ما يخلق فرصة واضحة لشركات التكنولوجيا المالية لسد هذه الفجوة، من خلال تقديم أدوات مرنة وسهلة الوصول تتيح لهذه الشركات النمو داخل منظومة مالية داعمة.
ملامح أدوات المدير المالي في المنطقة
تقوم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية بتطوير بنية تحتية مالية حديثة من الصفر. وما يميز المنطقة هو ليس فقط تطوير أدوات جديدة، بل تطويرها بفهم عميق للسياقات المحلية، من التنظيمات إلى التعقيد التشغيلي وتشظي الأنظمة المصرفية.
يبني مؤسسو التكنولوجيا المالية منصات شاملة تتجاوز الحلول الموضعية، لتدمج بين المدفوعات والمحاسبة والتقارير ضمن منظومة واحدة.
مشهد أدوات المدير المالي
تتطور الأدوات الحديثة للمدير المالي لتشكل منظومة متكاملة تغطي جميع جوانب العمليات المالية، بدءًا من أتمتة المدفوعات والنفقات، مرورًا بالحسابات الدائنة والمدينة، ووصولًا إلى البرمجيات المحاسبية.
حلول أتمتة المدفوعات تسهّل عمليات الصرف من الرواتب إلى مدفوعات الموردين، عبر تقليل التدخل اليدوي وتقليص الأخطاء وضمان تنفيذها في الوقت المحدد.
أدوات إدارة النفقات توفّر رؤية لحظية للمصاريف التشغيلية، مع إمكانية تتبعها والتحكم بها وتحسينها من خلال التقارير وسير الموافقات والسياسات.
منصات إدارة التدفقات النقدية والملكية تتيح الوصول إلى مصادر تمويل بديلة مثل التمويل القائم على الإيرادات، قروض الشركات الصغيرة، وتحويل الفواتير إلى سيولة، إلى جانب دعم إدارة الأسهم.
حلول الحسابات الدائنة والمدينة تعمل على مطابقة المدفوعات مع الفواتير تلقائيًا، مما يحسّن الكفاءة ويقلل من الأخطاء.
وأخيرًا، توفر البرمجيات المحاسبية السحابية إدارة مالية شاملة من دفتر الأستاذ والرواتب حتى التقارير، مع تكامل سلس مع الأنظمة الأخرى لتوفير رؤية موحدة للعمليات المالية.
مستقبل أدوات المدير المالي في المنطقة
تشير التوجهات إلى أربعة محاور رئيسية ستشكل المرحلة المقبلة لأدوات المدير المالي في المنطقة:
- الامتثال المحلي: من خلال واجهات عربية، وفواتير إلكترونية مدمجة، وتعامل ضريبي مخصص.
- منصات شاملة: تتحول الأدوات من منتجات وظيفية منفردة إلى منصات متكاملة تبدأ بالبطاقات أو المحاسبة وتمتد إلى قدرات تشغيلية أوسع.
- حلول قطاعية: تلبي احتياجات قطاعات محددة كالتجزئة واللوجستيات والتجارة الإلكترونية، ما يوفر كفاءة أعلى من الحلول العامة.
- أدوات التخطيط المالي والتدفقات النقدية: تتيح اتخاذ قرارات ديناميكية قائمة على السيناريوهات، والتحول من لوحات معلومات ثابتة إلى نماذج تنبؤية آنية.
ومع تسارع التحول الرقمي في المنطقة، بات المدير المالي عنصرًا حاسمًا في توسيع نطاق العمليات وتعزيز وضوح الرؤية الاستراتيجية. وتُعد أدوات التكنولوجيا المالية المصممة خصيصًا لهذا الدور محفزًا رئيسيًا لتمكين النمو بكفاءة وذكاء.
ومع زيادة تبني هذه الحلول، تُشكل أدوات المدير المالي حجر الأساس في المرحلة المقبلة من نمو الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.