كيف يصنع الاعتناء بتجربة المستخدم فرقًا حاسمًا في نجاح الشركات الناشئة

بقلم جورج الفغالي، عضو مجلس الإدارة ونائب الرئيس التنفيذي للاستشارات وتطوير استراتيجيات النمو في شركة CXG، المتخصصة في تصميم وتطوير تجارب العملاء للعلامات التجارية.
خلال حديث مع مؤسس إحدى الشركات الناشئة، هزّ كتفيه بلا مبالاة حين سألته عن استراتيجيتهم لتحسين تجربة المستخدم، وأجاب قائلاً: "سنهتم بذلك لاحقًا، عنما نتوسّع". لم تكن هذه الإجابة التي وددت سماعها. فانتظار اللحظة المناسبة للاستثمار في تحسين تجربة المستخدمين (CX) لا يُعدّ استراتيجية، بل مخاطرة حقيقية.
في الحقيقة، توقعات العملاء اليوم تجاوزت حدود المقارنة بينك وبين منافسيك المباشرين في السوق المحلي، وأصبحت تتأثر بأفضل تجربة عاشها المستخدم مع أي علامة تجارية، أيًا كانت، سواء كانت سهولة الطلب من أمازون، أو دقة توصيات نتفليكس، أو الاهتمام الخاص الذي يقدّمه موظفو المتاجر الراقية، فهذه هي المعايير التي يحاكم بها أداء شركتك الناشئة.
في الشرق الأوسط، حيث يتمتع المستهلكون بوعي عالٍ ويواكبون التطورات التكنولوجية بسرعة لافتة، أصبحت توقعاتهم في ارتفاع مستمر. فالشركة الناشئة في الرياض أو أبو ظبي لا تنافس فقط نظراءها المحليين، بل تدخل في سباق مع عمالقة عالميين يستثمرون بكثافة في تصميم تجارب سلسة ومتكاملة للعملاء والمستخدمين. قد يبدو هذا التحدي مربكًا للبعض، لكنه في الحقيقة فرصة واعدة: فالشركات الناشئة التي تدرك هذا مبكرًا، يمكنها أن تحوّل تجربة المستخدم إلى مصدر تفوّق حقيقي.
تجربة المستخدم ليست رفاهية يمكن تأجيلها
من أكثر المفاهيم الخاطئة ضررًا في عالم الشركات الناشئة هو الاعتقاد بأن تحسين تجربة المستخدمين يمكن تأجيله إلى ما بعد التوسّع، أي أن الشركة تصل أولًا إلى مرحلة تلبي فيها احتياجات السوق، ثم تُسرّع وتيرة النمو، وتعود لاحقًا لمعالجة جوانب تجربة العملاء. لكن في الواقع، تجربة العميل هي الركيزة الأساسية للنمو الطبيعي لأي علامة تجارية، إذ تساهم في ترسيخ ثقة المستخدمين وبناء ولاء طويل الأمد للعلامة التجارية والتميّز وسط المنافسين، خصوصًا حين تكون الميزانيات التسويقية محدودة ولا مجال لخسارة أي عميل. الانتظار قد يعني أنك لن تصل إلى تلك المرحلة أبدًا.
لنأخذ منصة Ounass كمثال. منذ اليوم الأول، جعلت Ounass من تجربة المستخدم محورًا أساسيًا في رؤيتها وطريقة تقديمها للخدمة. تجمع المنصة بين أزياء مختارة بعناية، وواجهة استخدام أنيقة، وخدمة توصيل في اليوم نفسه داخل المدن الكبرى، إلى جانب خدمة دعم عملاء تمنح المتسوقين شعورًا بالعناية الشخصية رغم اتساع نطاق العمل. كما أدمجت المنصة تفاصيل مدروسة بعناية -من التغليف الفاخر إلى سهولة إجراءات الإرجاع- لتُقدّم تجربة تمزج بين سهولة التسوق التي اعتدناها من عمالقة التجارة الإلكترونية مثل أمازون أو نون، وبين الفخامة والاهتمام بالتفاصيل. لقد ساهمت هذه الاستثمارات المبكرة في ترسيخ الثقة وبناء ولاء طويل الأمد مع المستخدمين.
العميل السعيد هو أفضل حملة تسويقية
الواقع أن تجربة المستخدم السلسة قادرة على دفع عجلة النمو بطريقة لا تستطيع الميزانيات التسويقية وحدها تحقيقها. حين يحظى العميل بتجربة ممتازة، فإنه لا يكتفي بالعودة، بل يحدّث الآخرين عنها.
وهذا بالضبط ما حدث مع شركةAirbnb في بداياتها. فقد قام المؤسسون بزيارة أصحاب العقارات في نيويورك بأنفسهم، وساعدوهم في تحسين صور الوحدات السكنية وتنسيقها، بل وقاموا بصياغة الإعلانات معهم. هذه الاستثمارات المباشرة في تجربة المستخدم انعكست بسرعة في شكل حجوزات أعلى وتوصيات شفهية إيجابية.
وخذ مثالًا آخرGlossier، شركة التجميل الناشئة التي تحوّلت إلى علامة تجارية عالمية. بدأت المؤسِّسة إميلي فايس من مدونة "Into the Gloss"، حيث أنشأت مجتمعًا من القارئات، ثم طوّرت منتجاتها استنادًا إلى ما كانت تقرأه وتسمعه منهن. شعر العملاء أنهم مسموعون، وأنّ رأيهم يصنع فارقًا. هذا الارتباط العاطفي تحوّل إلى ولاء، وجزء كبير من مبيعات Glossier جاء من التوصيات الطبيعية لا الإعلانات.
هذه الأمثلة ليست استثناءات نادرة. صحيح أنك بحاجة إلى منتج أو خدمة ممتازة، لكن تجربة العميل هي ما يمنح هذا المنتج تأثيره الحقيقي. عندما تُصمَّم التجربة بعناية منذ البداية، تصبح واحدة من أقوى محرّكات النمو القابلة للتوسّع لأي شركة ناشئة.
أخطاء شائعة
أين تتعثر الشركات الناشئة عادة؟ أولًا، في خلق تجارب مجزأة. فقد يبدو الموقع الإلكتروني ممتازًا، لكن تجربة التوصيل بطيئة وغير مُرضية، أو قد يكون التسجيل والاستخدام الأول سلسًا، لكن لا وجود لأي دعم أو متابعة بعد ذلك. تذكّر: العميل لا يتعامل مع علامتك التجارية كمجموعة من الأقسام المنفصلة، بل يعيش تجربة واحدة شاملة، وكل نقطة احتكاك قد تصنع فارقًا.
ثانيًا، إهمال ما بعد البيع. فكثير من الشركات الناشئة تركز بشكل مفرط على جذب العملاء، كنها تغفل عن المرحلة الأهم: الحفاظ عليهم. قد يكون التغليف ركيكًا، أو عملية الإرجاع مربكة، أو يُقابل المستخدم بصمت تام بعد إتمام الشراء. كل ذلك كفيل بأن يفقد العلامة التجارية زخمها. لا تقع في هذا الفخ: فالتجربة المميزة لا تنتهي عند الدفع، بل تبدأ من هناك.
وثالثًا، غياب آليات التغذية الراجعة. الشركات الناشئة تتحرك بسرعة، لكن التحرك دون الاستماع للمستخدمين يُعد مجازفة. إن لم تكن تستمع باستمرار لعملائك -سواء من خلال استبيانات، مراجعات، أو تتبع لما يُقال على المنصات -فأنت تعمل في الظلام. والقاعدة هنا بسيطة: الشركات التي تستمع وتتعلّم وتتجاوب، هي من تنجح وتبقى في الصدارة.
تجربتك أسرع وعميلك أقرب
تتمتع الشركات الناشئة بميزة حقيقية تتمثَّل في قدرتها على الحركة بسرعة ومرونة. فهي لا تحتاج إلى فرق عمل ضخمة أو أنظمة إدارية معقدة كي تقدّم تجربة مستخدم متميزة. ما تحتاجه فعلاً هو عقلية واضحة، وثقافة تنظيمية تُعطي تجربة المستخدم أولوية منذ اليوم الأول -ثقافة تعتبر ملاحظات العملاء وسيلة للتطوير، لا تهديدًا، وتؤمن بأن تجربة العميل مسؤولية الجميع، من فريق المنتج إلى التسويق إلى خدمة العملاء.
من خلال عملي مع عدد من أبرز العلامات التجارية الفاخرة عالميًا، لاحظت أن التحدي الأكبر لدى هذه المؤسسات يكمن في تغيير العقليات القديمة والأنماط الإدارية الراسخة. أما الشركات الناشئة، فهي أكثر تحررًا، ويمكنها أن تبدأ من الصفر، وتُعيد النظر في كل ما هو سائد.
كما أن قرب الشركات الناشئة من عملائها يمنحها ميزة إضافية. يمكنك -كمؤسس- أن تطّلع على كل رسالة دعم، أو تتحدث مباشرة مع المستخدمين، أو تراقب أماكن تعثّرهم داخل الموقع، أو تقرأ تعليقاتهم على المنصات. يمكنك أن تكتشف الخلل ونقاط الضعف وتُجري تحسينات سريعة وتقيس النتائج في غضون أيام. هذه القدرة على الاستجابة الفورية هي ما يجعل نمط عمل الشركات الناشئة فريدًا، وهي ما تتمنى الشركات الكبرى أن تملكه.
ومن الأمثلة المحلية اللافتة، شركة Cafu الإماراتية، المتخصصة في توصيل الوقود عند الطلب. ورغم أن الوقود ليس منتجًا يرتبط بالعاطفة عادةً، استطاعت Cafu أن تحوّله إلى خدمة ذكية قائمة على الراحة وسهولة الاستخدام جعلت العملاء يتحدثون عنها بإعجاب. في المراحل الأولى، اشتكى المستخدمون من طول الانتظار وعدم وضوح موعد وصول السائق. استجابت الشركة سريعًا، وأضافت خاصية التتبّع اللحظي والتنبيهات المسبقة لبناء الثقة وتقليل التوتر في تجربة المستخدمين.
لم تكن هذه مجرد تحسينات تقنية، بل جاءت استجابة مباشرة لما عبّر عنه العملاء من ملاحظات واحتياجات. وبفضل هذا التفاعل السريع، استطاعت Cafu أن تبني قاعدة عملاء وفية في قطاع لم يكن يُتوقع له أن يُلهم ارتباطًا عاطفيًا أو ولاءً للعلامة التجارية.
لكن من المهم أن نتذكّر أن التكنولوجيا -وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي- رغم قدرتها على تحسين تجربة المستخدم وتخصيصها، ليست الحل السحري لكل شيء. بل إننا نشهد اليوم تراجعًا لدى بعض الشركات عن الاعتماد المفرط على الأتمتة، بعد أن تسبّبت في فقدان الجانب الإنساني في التفاعل مع العملاء.
شركة Klarna السويدية للخدمات المالية، على سبيل المثال، تصدّرت العناوين مؤخرًا بعدما قررت إعادة توظيف فرق دعم العملاء من البشر، بعد أن تبيّن أن استبدالهم بالكامل بروبوتات دردشة ذكية زاد من إحباط العملاء بدلًا من تحسين تجربتهم. وفي عصر الذكاء الاصطناعي، يجب ألا تنسى الشركات -وخاصة الناشئة- أن اللمسة الإنسانية ما زالت ضرورية، فالناس لا يتذكرون سرعة رد روبوت الدردشة، بل يتذكرون كيف جعلتهم التجربة يشعرون، وهذه هي اللمسة التي لا تستطيع التكنولوجيا وحدها أن تقدّمها.
ماذا يمكنك أن تفعل اليوم؟
إذا كنت مؤسّسًا لشركة ناشئة، فإليك هذا التحدّي: جرّب أن تعيش تجربة عميلك بنفسك. كيف يشعر عندما يتعرّف على علامتك التجارية لأول مرة؟ ماذا يحدث عند محاولة الشراء أو طلب المساعدة؟ هل من السهل إرجاع منتج؟ وهل تبدو تلك اللحظات بسيطة، إنسانية، وتدفع العميل للشعور بأنه محل اهتمام؟
- اختر نقطة واحدة تمثّل عائقًا في التجربة، وابدأ بمعالجتها.
- أنشئ آلية منتظمة لتلقّي آراء العملاء.
- فاجئ أحد عملائك بلحظة اهتمام أو لفتة غير متوقعة.
لا تحتاج إلى أدوات معقّدة، يكفي أن ترفع الهاتف أو ترسل رسالة شخصية لعدد من عملائك. اسألهم ما الذي أعجبهم؟ وما الذي لم يعجبهم؟ فتجربة العميل ليست مجرد جزء من المشروع، بل هي الأساس الذي يُبنى عليه كل شي آخر.