استثمارات الخليج في الذكاء الاصطناعي ترتفع… لكن الفوز بثقة المستثمرين يحتاج قواعد جديدة
مقال بقلم: فريد يوسف، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Founder Group AI
يتقدم تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة لافتة، وبوتيرة قلّ أن نراها في أي منطقة أخرى. فالرؤى الحكومية الطموحة والاستثمارات الضخمة والتركيز الواضح على تنويع الاقتصاد، كلها عوامل وضعت السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعُمان في موقع مبكر كقادة عالميين في تبنّي الذكاء الاصطناعي.
على امتداد المنطقة، تضخ الحكومات مليارات الدولارات في تطوير البنية التحتية ومراكز البيانات وتعزيز القدرات السحابية وبناء الأسس التقنية التي ستخدم الجيل القادم من الصناعات القائمة على الذكاء الاصطناعي. ففي أبوظبي تواصل «G42» توسعها عبر شراكات دولية مؤثرة، بينما تطوّر السعودية — من خلال «HUMAIN»— قدرات ضخمة لمراكز بيانات متخصّصة في الذكاء الاصطناعي، وتعمل قطر بدورها على توسيع خدماتها السحابية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. تعكس هذه الاستثمارات رغبة واضحة في ترسيخ الذكاء الاصطناعي كعنصر أساسي في الاقتصاد الخليجي.
ويحتل الذكاء الاصطناعي كذلك موقعًا مركزيًا في الاستراتيجيات الوطنية الكبرى، من «رؤية السعودية 2030» إلى «الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031» في الإمارات. وبالنسبة لصنّاع السياسات، لم يعد يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين الإنتاجية فقط، بل كقوة دافعة لقطاعات جديدة بالكامل — من الرعاية الصحية واللوجستيات إلى التقنيات المالية وكفاءة الطاقة — وهي القطاعات التي تمثل أعمدة رئيسية في تشكيل مستقبل تنويع الاقتصاد في المنطقة.
ما الذي يبحث عنه المستثمرون مع اقتراب 2026؟
تتوسع فرص شركات الذكاء الاصطناعي في المنطقة، لكن سقف التوقعات يرتفع معها. فمع اقتراب عام 2026، لن يكتفي المستثمرون بمنتجات تضيف “ميزة ذكية” فقط، بل سيبحثون عن رؤية متكاملة مدعومة بعائد واضح على الاستثمار ونماذج تشغيل فعّالة وخطط حقيقية للوصول إلى السوق. باختصار، الفائزون هم من ينجحون في تحويل الذكاء الاصطناعي إلى قيمة اقتصادية حقيقية عبر:
- أتمتة تقلّل التكاليف.
- تنبؤات تعزّز الإيرادات.
- منصات قادرة على التوسع بفرق صغيرة وبُنى مرنة.
ويظهر هذا التحوّل بوضوح في القطاعات التي بدأت تعتمد على نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة، مثل قطاع العقار، حيث بدأت شركات كثيرة تعتمد على الأتمتة والتحليلات التنبئية وتحسين سير العمل لتسريع إتمام الصفقات. الشراكة الأخيرة بين شركة وساطة إماراتية ومنصة الذكاء الاصطناعي AIR مثال واضح: فالهدف ليس استبدال العاملين، بل رفع سرعة عملهم ودقته وجودته. وهذا بالضبط ما يجذب المستثمرين اليوم: تطبيقات عملية تُثبت قيمتها بالأرقام، وليس تجارب نظرية أو أفكار غير مجرّبة.
من أدوات للتجربة إلى أنظمة تعتمد عليها المؤسسات
يتحوّل الذكاء الاصطناعي في الخليج بسرعة من كونه أدوات للتجربة إلى أنظمة تعتمد عليها المؤسسات في عملها اليومي. ومع نضج التقنيات، ستتجه السوق نحو ركائز أساسية تشمل:
- ذكاء اصطناعي قادر على اتخاذ قرارات وتنفيذ مهام، لا مجرد توليد إجابات.
- تنظيم تلقائي لسير العمل داخل المؤسسات.
- تنبؤات لحظية قائمة على بيانات متعددة الأنماط.
- "أفاتارات" ذكية لخدمة العملاء والتعليم والدعم.
ومع تطوّر هذه القدرات، ستتحرك قطاعات مثل القطاع المالي والحكومي والتجزئة واللوجستيات والطاقة نحو اعتماد أوسع وأسرع لهذه التقنيات. أما بالنسبة للمبتكرين، يعني هذا التحوّل أن المطلوب لم يعد إضافة خاصية ذكية فوق أنظمة قائمة، بل بناء حلول تقوم بعمل حقيقي داخل المؤسسة. فالمؤسسات في الخليج تبحث عن تقنيات تتكفّل بمهام واضحة من بدايتها لنهايتها، وتقدّم أثرًا مباشرًا وقابلًا للقياس. المنتجات التي تركّز على حالة استخدام واحدة عالية القيمة وتنفّذها بعمق وموثوقية ستكون الأقرب للحصول على ثقة هذه المؤسسات وجذب اهتمام المستثمرين.
صعود منظومات الذكاء الاصطناعي الفاعلة
أبرز تحوّل سيشهده عام 2026 هو صعود منظومات الذكاء الاصطناعي الفاعلة — أنظمة قادرة على التخطيط واتخاذ القرار والتنفيذ عبر عمليات العمل الكاملة. هذا التطور سينقل التحوّل الرقمي من مجرد رقمنة لسير العمل إلى تشغيل ذكي يعتمد على قرارات لحظية وتنفيذ ذاتي.
ستتجه المؤسسات إلى نموذج “ذكاء مزدوج”: البشر يحددون الاتجاه — والذكاء الاصطناعي ينفّذ بدقة. هذا التوازن سيعيد تشكيل طريقة التوظيف والإنتاج والابتكار والتعامل مع العملاء.
ومع دخول الذكاء الاصطناعي الفاعل إلى قلب العمليات اليومية داخل المؤسسات، سيحتاج المبتكرون إلى تصميم منتجات تندمج بسلاسة مع مسار عمل يعتمد على الأتمتة. ويتطلب ذلك:
- بنية برمجية مرنة وسهلة الربط عبر واجهات API.
- تدفق بيانات لحظي يخدم وكلاء الذكاء الاصطناعي.
- قدرات تنبؤية وتنفيذية مدمجة داخل النظام.
- مستويات عالية من الشفافية والتحكم والحوكمة المؤسسية.
- منتجات يمكن للذكاء الاصطناعي نفسه إدارتها، ليس البشر فقط، والتي ستكون الرابح الأكبر في موجة التحوّل الرقمي المقبلة.
- وعقلية إقليمية جاهزة للتسريع والتجريب وتبنّي هذه التقنيات بوتيرة أعلى من معظم الأسواق الأخرى.
ميزة دول مجلس التعاونا لخليجي اليوم لا تقتصر على حجم الاستثمارات التقنية، بل تمتد إلى عقلية الانفتاح والاستعداد للتغيير. فالحكومات والهيئات التنظيمية والشركات في المنطقة مستعدة لتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي بوتيرة أسرع من معظم الأسواق حول العالم، وهو ما يخلق بيئة نادرة يمكن فيها للحلول الذكية أن تتوسع بسرعة وتُثبت قيمتها في تطبيقات تشغيلية حقيقية.
وفي عام 2026، سيكون الفائزون الحقيقيون هم المبتكرون الذين يبنون منتجات ذكاء اصطناعي واضحة الهدف، مرتبطة بالسياق المحلي، وقابلة للتوسع عالميًا. فالفرصة في المنطقة هائلة، لكن حجم التوقعات أكبر — من حيث المسؤولية، والكفاءة، والتركيز في البناء.
