English

كيف تزدهر رائدات الأعمال في منظومة لا تزال متحيّزة ضدهن؟

English

كيف تزدهر رائدات الأعمال في منظومة لا تزال متحيّزة ضدهن؟

مقال لسمية الدبّاغ، مؤسسة Maeya

أن تكوني مؤسسة شركة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعني غالبًا أنكِ تدخلين مباراة يعرف الجميع قواعدها، إلا أنتِ، بينما لا يُقدَّم لكِ أي مرجع جاهز تستندين إليه في خطواتك الأولى. حين بدأت مشروعي، لم يكن هناك مستثمر يكتب شيكًا ولا مجلس استشاري ولا شبكة علاقات ومعارف تفتح الأبواب. كنت أنا وحدي، أمام حاسوبي، مع علامة تجارية أؤمن بها، أحاول النمو داخل منظومة يسيطر الرجال على معظم مواقع القرار فيها.

ما فاجأني لم يكن نقص الدعم، بل حجم الافتراضات. كان البعض يصف علامتي التجارية بأنها “هواية” أو “مشروع جانبي”، بينما كنت أدير—بمفردي—التصنيع واللوجستيات والتسويق وخدمة العملاء والعمليات والشؤون المالية. كثيرًا ما اضطررت إلى توضيح أنه لا يوجد فريق مختبئ يعمل خلفي—كل تفصيلة من العمل كانت على عاتقي.

كما التقيت أشخاصًا بلا أي خبرة في مجال الملابس الرياضية يشرحون لي عملية الإنتاج بثقة، وكأن سنواتي في بناء هذه العمليات وإتقانها لا قيمة لها. ومع كل حديث وشرح من هذا النوع، ازداد يقيني بأن الخبرة الحقيقية تُكتسب بالممارسة، لا بـ"التنظير".

عوائق غير مرئية لكننا نصطدم بها كل يوم

لم يكن ما عشته استثناءً، واقع تعيشه آلاف النساء في المنطقة. نتقدم خطوة بخطوة، نتعلم الاتفاف حول العوائق بدل انتظار إزالتها، ونبني دوائر دعم صغيرة وحقيقية في مقابل شبكات النفوذ التقليدية. نعتمد على حدسنا،ومرونتنا وقدرتنا على التكيّف في بيئة لم تُصمم من أجلنا، حتى وإن كانت تتغير تدريجيًا بسبب وجودنا فيها.

ورغم التحسن، تبقى بعض العوائق التي يصعب تجاوزها. أبرز هذه العوائق التشكيك في الجدية. فغالبًا ما يُنظر إلى رائدة الأعمال وكأنها تعتمد على مساعدة غير معلنة، أو كأن مشروعها مجرد نشاط جانبي تمارسه في أوقات الفراغ. ولهذا تجد العديد من رائدات الأعمال أنفسهن مضطرات لإثبات جدية عملهن واحترافيته مرات أكثر مما يفعل الرجال في الظروف نفسها. ثم يأتي رأس المال.

تُظهر بيانات "ومضة" أن الشركات التي تقودها نساء فقط في المنطقة لا تحصل إلا على 1.2 % من تمويل رأس المال الجريء. وهي نسبة تكشف الصورة من دون شرح. كثير من النساء يبدأن بتمويل ذاتي ويتعلّمن كل شيء بمفردهن ويضطررن إلى التوسّع ببطء لغياب أي شبكة أمان مالية. في هذه الظروف، يصبح كل قرار أثقل وكل تعثّر أشد وقعًا.

وتستمر الفجوات البنيوية في تشكيل بيئة ريادة الأعمال. فالرجال يسيطرون على مواقع القرار، من المستثمرين إلى مجالس الإدارة إلى الدوائر غير الرسمية التي تولد فيها الفرص. وهكذا تتعلّم النساء التفاوض بدقة أكبر، وتعديل نبرة حديثهن وفقًا للغرفة، والسير على الخط الرفيع بين الوضوح و"المباشرة الزائدة" — معادلة نادرًا ما يحتاج الرجال إلى حسابها.

ما تعتمد عليه رائدات الأعمال

ورغم كل ما تواجهه رائدات الأعمال في المنطقة، يواصلن بناء مشروعات قوية وقادرة على الصمود، بالاستناد إلى نقاط قوة كثيرًا ما يتجاهلها الآخرون.

● المرونة

عندما يكون المشروع ممولًا ذاتيًا، تتعلم رائدة الأعمال بسرعة كيف تدير مواردها بدقة، وتبحث عن حلول عملية حين تظهر العقبات، وتُعدل مسارها فورًا عندما لا ينجح الخيار الأول. التقدم يتحقق بما هو متاح، لا بما هو مثالي.

● المجتمع

كثير من النساء يبنين أعمالهن عبر بناء العلاقات والروابط الصادقة والمباشرة. بالنسبة لي، كان الحديث بصراحة عن رحلتي—بنجاحاتها وإخفاقاتها—كافيًا لبناء الثقة قبل أن أتمكن من الاستثمار في التسويق أو العلاقات العامة. وعلى امتداد المنطقة، تنمو مشروعات كثيرة بفضل هذا الصدق في بيئة تميل غالبًا إلى العناية بالصورة أكثر من المضمون.

● الدقة في التفاصيل

إدارة العمل بمفردي أجبرتني على فهم كل شيء: التوريد وتجارب القياس والتغليف واللوجستيات ومسارات البيع وخدمة العملاء والأرقام. لم يكن الأمر جميلًا ولا سهلاً، بل كان مرهقًا. لكنه صقل مهاراتي وجعلني أكثر قدرة على اتخاذ القرار. صرت أرى المشكلات مبكرًا وأعالجها بسرعة لأنني أعرف كيف يعمل كل جزء من العمل.

● قوة التحمل والاستمرار

وليس تلك الصورة المثالية التي تُعرض على وسائل التواصل، بل القوة الهادئة التي تدفعك للمواصلة عندما لا يبدو أي شيء ناجحًا. كثير من النساء ينجحن ببساطة لأنهن قررن ببساطة ألا يتوقفن.

ما الذي يعنيه التقدّم الحقيقي؟

علّمتني رحلتي شيئًا أساسيًا: أن نساء المنطقة لا يقفن على الهامش في انتظار الفرصة. هنّ موجودات، يبنين ويبتكرن ويطوّرن ويغيّرن قطاعات بأكملها. لكن لكن للإصرار الفردي حدوده. فالتقدّم الحقيقي يحتاج إلى منظومة ترى النساء كجزء أصيل من نمو هذا القطاع، لا إضافة لاحقة له، وهذا يعني:

  • وصول أسهل إلى التمويل.
  • تبادل المعرفة المهنية بدل احتكارها.
  • والتعامل مع الأعمال التي تقودها نساء بجدية منذ البداية—لا بعد سنوات من إثبات الذات.

إن مستقبل اقتصاد المنطقة يرتبط مباشرة بقدرتنا على دعم النساء اللواتي يقدن بالفعل في هذا المجال. فقد حققت رائدات الأعمال في الشرق الأوسط إنجازات كبيرة بموارد محدودة. تخيّلوا ما يمكن أن يصنعنه حين تتوفر لهنّ مساندة فعلية ودعم حقيقي وتمثيل واضح وهياكل تُهيأ لنجاحهن لا تُلحق به.

 والهدف بسيط: بيئة عمل لا تحتاج فيها المرأة إلى بذل ضعف الجهد كي تُؤخذ على محمل الجد، ويصبح نجاحها أمرًا متوقعًا—not استثناءً يثير الدهشة.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.