عربي

نهضة التجارة الإلكترونية تستمر في تغيير ملامح قطاع التجزئة في اليمن

English

نهضة التجارة الإلكترونية تستمر في تغيير ملامح قطاع التجزئة في اليمن
مصدر الصورة: بازاري

امتد النمو في أنشطة ريادة الأعمال الذي تشهده معظم مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأونة الأخيرة إلى اليمن، حيث لا يزال رواد الأعمال المحليون يعانون من آثار الفوضى الاقتصادية الناجمة عن الحرب الأهلية المستمرة منذ ما يقرب من عقد من الزمان، ممهدًا بذلك الطريق نحو إنشاء نظامٍ بيئيٍ محلي للتكنولوجيا.

ويأتي الازدهار في أنشطة الشركات الناشئة في اليمن باعتباره أثرًا غير مباشر تمخض عن الارتفاع النسبي في معدلات انتشار خدمات الإنترنت، الذي رافقه زيادة في النمو السكاني، ليسهما معًا في تمهيد الطريق لإنشاء شركات تجارة إلكترونية محلية، يتركز معظمها في صنعاء العاصمة. 

وتتركز معظم الأنشطة التجارية على الأغلب في عدد قليل من مدن اليمن، تحديدًا تلك التي تكون فيها الآثار التي تخلفها النزاعات المسلحة المستمرة أقل حدةً ووضوحًا من غيرها. وتحتل مدن أخرى مثل عدن وتعز المرتبة الثانية بعد صنعاء من حيث ارتفاع القوة الشرائية وانخفاض معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة وزيادة استخدام الإنترنت والهواتف الذكية.

تشير دراسة استطلاعية أجرتها مؤخرًا شركة “Kepios” المختصة بالاستشارات إلى أن ما يقرب من 73.2 بالمائة من السكان البالغ عددهم 30.2 مليون نسمة لا يمكنهم الوصول إلى شبكة الإنترنت، ويعود ذلك بصورة أساسية إلى تفشي الأمية، وخصوصًا في المناطق الريفية والمدن الواقعة على الحدود، في مقابل 26.7 بالمائة فقط، أي ما يعادل تسعة ملايين شخص يستخدمون شبكة الإنترنت بانتظام. وسجلت الدراسة أيضًا زيادةً في أعداد مستخدمي الإنترنت بنسبة 2.2 بالمائة بين عامي 2021 و2022.

وساهم دخول تقنية الجيل الرابع (4G) للشبكات الخلوية عريضة النطاق التي باتت تغطي معظم أجزاء المنطقة الشمالية في اليمن إلى ظهور المزيد من الشركات الناشئة على الساحة. وتلفت الشركات الناشئة المحلية هذه الآن اهتمام المستثمرين الإقليميين، ففي الشهر الماضي، قامت شركة توصيل الناشئة المختصة في توصيل الطعام بجمع التمويل من شركة نمو الإماراتية المختصة باستثمار رأس المال المغامر في المراحل المبكرة. 

ومن الشركات الناشئة الأخرى التي تمكنت أيضًا من جمع الأموال شركة بازاري المختصة بالتجارة الإلكترونية، وهي حاليًا في صدد إكمال جولة تمويل تمهيدية بقيمة 2.5 مليون دولار بعد عامين قضتهما في التمهيد لهذه الجولة. وتأسست هذه الشركة الناشئة في عام 2020 على يد علي وعبدالله الحبشي.

يقول عبد الله الحبشي مدير العمليات والمؤسس المشارك في بازاري: “رواد الأعمال اليمنيون لم يستفيدوا للأسف من الطفرة التكنولوجية التي أحدثها جائحة كورونا كما هو الحال في العديد من الدول العربية الأخرى، حيث لم يكن النظام البيئي للشركات الناشئة قد رأى النور بعد في تلك الفترة.”  وأضاف الحبشي: "ونظرًا لتأثر السوق بالنمو الذي حققه قطاع الشركات الناشئة في الدول الشقيقة والمجاورة، بدأنا نلمس تقدمًا ملحوظًا بوتيرة سريعة في قطاع ريادة الأعمال المحلي. ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في تعزيز المشهد انخراط مجموعة كبيرة من المغتربين اليمنين الذين يعيشون في منطقة الخليج في إطلاق شركات تكنولوجيا عالية النمو أو خوض غمار الاستثمار بأنفسهم.”

وبصرف النظر عن ذلك، لا تزال اليمن تفتقر إلى حدٍ كبير إلى ثقافة الأعمال والشركات الناشئة. يرى الحبشي أن معظم الشركات الناشئة في اليمن لا يمكن وصفها بإنها من مبادرات الجيل الرقمي، كما أنها تفتقر إلى الأموال أو المجموعات الاستثمارية التي يمكنها دعمها بدءًا بمراحل التأسيس الأولى وما بعدها. 

ويبين الحبشي قائلاً: “تكمن المشكلة في ضعف الوعي عمومًا حول تكوين الشركات الناشئة وكيفية بناء الشركة والتوسع في نطاق أعمالها واستخدام استثمارات رأس المال المغامر ومن ثم التخارج. ينطبق ذلك على جانب الشركات الناشئة والمستثمرين في ذات الوقت. هذا النوع من المعرفة غير شائع،  ولهذا تواجه العديد من الشركات صعوبة في البقاء والاستمرار نظرًا لنقص رأس المال والقدرة على تغطية تكلفة تأسيس شركة تجارة إلكترونية ناشئة. لا يوجد هنا مجتمع تقني متصل، فالجميع يمارسون الأعمال على نحوٍ فردي.”

واجهت شركة بازاري سلسلة من التحديات وعلى كافة الصعد عند تأسيس الشركة، شأنها في ذلك شأن الشركات الناشئة الأخرى في اليمن، بما في ذلك النقص في الموارد البشرية والمواهب الفنية. من هنا اضطر المؤسسون إلى الاستعانة بمصادر خارجية للحصول على الدعم الفني من شركات تتواجد خارج نطاق السوق المحلية.  

التجارة الإلكترونية

بالنسبة لعبدالله الحبشي، فإن إعادة توجيه تجربة البيع بالتجزئة من خارج الإنترنت إلى الإنترنت وزيادة الوعي بين الجماهير حول الأسواق في المشهد المحلي للبيع بالتجزئة شكلا معًا الدافع الرئيسي وراء تأسيس شركة بازاري. وبرأيه فإنه على الرغم من الصعوبات والتحديات التي ينطوي عليها السوق المحلي، إلا أنه يبقى مليئًا بالفرص التجارية، مشيرًا إلى حجم التجارة الهائل في قطاع التجزئة.

وأضاف قائلاً: "أردنا محاكاة تجربة التجارة الإلكترونية التي نراها في الأسواق الأخرى، مع ضمان تغطية جميع التفاصيل.  نهدف في بازاري إلى إنشاء حلول لكل تحدٍ، بدءًا من التخزين والمستودعات والتوزيع ولغاية التسليم النهائي.” "لم نستهدف في بداية مسيرتنا تحقيق الأرباح، ولكن ركزنا على تشجيع السوق على التحول بعيدًا عن التعاملات خارج الإنترنت وبناء نظام بيئي قوي لأصحاب المصلحة المعنيين، بغض النظر عن مدى صعوبة الوضع الاقتصادي."

تنتقل الأحداث واسعة النطاق في اليمن وتمتد إلى جميع أجزاء سلسلة التوريد، أدت التوترات المستمرة الناجمة عن المشاكل السياسية والأمنية إلى نشوء العديد من التحديات ذات الصلة بالاستيراد، ومن الأمثلة على ذلك وجوب إجراء عملية التخليص الجمركي مرتين، مرة في المنطقة الشمالية الشرقية ومرة في الجنوب الشرقي، مما يؤدي إلى اضطرار المستوردين لشراء السلع بسعرين مختلفين. وإلى جانب ضعف اتصال الطرق والتقدم البطيء في البنية التحتية التكنولوجية، يتسبب ذلك أيضًا ببطء الأداء. 

كما توقف النمو في السوق بسبب ضعف القوة الشرائية التي تدهورت إلى حدٍ كبير، خاصة بعد تعليق رواتب القطاع العام منذ بداية الحرب.

على الرغم من ذلك، يمكن تقدير قيمة سوق التجارة الإلكترونية بحوالي مليار دولار إذا ما أخذنا في الاعتبار صغار تجار التجزئة الذين يعتمدون في بيع منتجاتهم على تطبيقات الوسائط الاجتماعية مثل واتساب وفيسبوك. وحتى يتسنى تحقيق نموٍ مستدام في صافي الأرباح، تميل الشركة الناشئة أيضًا إلى الحصول على منتجاتها مباشرة من كبار المستوردين والعلامات التجارية. وحتى تتمكن من اجتذابهم، تأخذ الشركة الناشئة حصة من كل عملية بيع بعد إتمام الصفقة. 

يقول عبد الله الحبشي في هذا الصدد: "يشكل البائعون الاجتماعيون جزءًا كبيرًا من فضاء البيع بالتجزئة، إلا أنهم يفتقرون لوجود مخزونٍ كافٍ من البضائع، ومعظمهم لا يستخدمون التكنولوجيا في عملياتهم، مما يؤثر سلبًا على عائدات مبيعاتنا. تمثل هذه الفئة جزءًا السوق المستهدف بالطبع، ولكننا نميل الآن إلى التعامل مع العلامات التجارية الكبيرة والمستوردين الذين نساعدهم في العديد من الجوانب المختلفة، بما في ذلك الترويج للمنتجات.”

أشارت الشركة الناشئة إلى أنها تمكنت لغاية الآن من جذب 17000 عميل، وعالجت 10000 طلب، ولديها أكثر من 16000 وحدة من وحدات حفظ المخزون على منصتها الرئيسية. 

ويشرح الحبشي أنه بالرغم من ذلك، فإن المنتج الذي يقدمونه لم ينضج تمامًا بعد، حيث أنه هناك العديد من الجوانب الجاهزة لمزيد من التطوير. ويضيف: "نحاول اعتماد نهج (النمو البطيء) وعدم التوسع بسرعة كبيرة لتجنب الإرهاق السريع."

التكنولوجيا المالية

توقفت المدفوعات التي تعالجها البنوك وتتم عبر شبكة الإنترنت تقريبًا منذ اندلاع الحرب، وبديلاً عن ذلك، أصبحت محافظ الهاتف المحمول وسيلة شائعة يزداد استخدامها في إدارة التعاملات المالية للشركات الناشئة والمستهلكين على حدٍ سواء.

شهد العام الماضي دخول الكثير من شركات التكنولوجيا المالية التي تقدم محافظ محمولة، والتي يمكن أن تساعد بدورها في تحفيز نمو التجارة الإلكترونية وانتشارها.

ويعقب الحبشي على ذلك قائلاً: "لم يعد اليمنيون يستخدمون بطاقات ماستركارد أو فيزا، ولم يكن الحال كذلك قبل اندلاع الحرب. هناك الكثير من الحسابات المصرفية، إلا أن البنوك لا تقدم حوافز للعملاء لتشجيعهم على الدفع عبر الإنترنت. لذا فإنهم يفضلون الدفع نقدًا على أداء المدفوعات عبر العمليات المصرفية، ولكن هناك الآن اتجاه متزايد لاستخدام محافظ الهاتف المحمول، والتي يتجداوز عددها الآن الحسابات المصرفية.” 

تشكل المدفوعات عمومًا عقبة رئيسية تقف في وجه تطور الشركات الناشئة المحلية، ويعزى ذلك بصورة رئيسية إلى وجود بنكين مركزيين في اليمن، يصدر كل منهما نفس الأوراق النقدية ولكن بأسعار صرف مختلفة. وقد أدى ذاك إلى ارتفاع تكلفة التحويلات المالية الداخلية.

"يمثل الاختلاف في أسعار الصرف تحديًا هائلاً، مما يجبر الشركات الناشئة على بناء تقنيات مخصصة لإدارة المدفوعات بفعالية. لكن من المتوقع أن يتغير مشهد المدفوعات نحو الأفضل وخصوصًا نظرًا لما يشهده السوق من دخول المزيد من الشركات الناشئة التي تمتلك حلول للتجارة الإلكترونية مثلنا. ارتبطنا بالفعل مع أحد البنوك بحيث يمكن إضافة المدفوعات عبر الإنترنت ضمن خيارات الدفع لدينا جنبًا إلى جنب مع خياري المحافظ والدفع عند التسليم. وبالنظر إلى المستقبل، فإننا نتطلع أيضًا إلى تطوير ذراع خاص بنا للتكنولوجيا المالية.” 

من المرجح أن تزداد الاستثمارات في قطاع الشركات الناشئة بأكمله خلال الفترة المقبلة، حيث من المرجح أن تدخل البلاد في جولة هدنة ممتدة. إلا أنه بالنظر إلى تقلب المشهد التجاري هذا، يعتمد نطاق هذا النمو إلى حد كبير على كيفية تطور الأحداث. 

 

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.