عربي

الذكاء الاصطناعي يُعيد رسم مستقبل قطاع الأغذية في الشرق الأوسط

English

الذكاء الاصطناعي يُعيد رسم مستقبل قطاع الأغذية في الشرق الأوسط

مقال بقلم بلال زهران، المدير التنفيذي لشركة Foodics في مصر والإمارات

يشهد قطاع الأغذية والمشروبات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحولًا سريعًا. فمع استمرار التكنولوجيا في إعادة تشكيل توقعات العملاء وإدارة الأعمال، أصبح الابتكار في تكنولوجيا الأغذية والمطاعم (Food Tech) عنصرًا أساسيًا في تطوير هذا القطاع، إذ يتيح للمطاعم العمل بكفاءة أعلى وبأسلوب أكثر استدامة وربحية.

تكنولوجيا الأغذية تفرض حضورها

يساهم اندماج تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والحوسبة السحابية وأنظمة الدفع المتكاملة في تمكين مُشغلي قطاع الأغذية والمشروبات من مواكبة تغيّر سلوك المستهلكين في المنطقة. ووفقًا لتقديرات شركة PWC، من المتوقع أن ينمو قطاع تكنولوجيا الأغذية والمطاعم في المنطقة بنسبة 14% خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك بفضل تسارع التحول الرقمي وتزايد وعي المستهلكين بالتقنيات الحديثة.

ومن التحضيرات الداخلية في المطبخ إلى تجربة العملاء في صالة الطعام، أصبحت تكنولوجيا الأغذية والمطاعم حاجة أساسية لا غنى عنها للمطاعم التي ترغب في مواكبة التغيرات والمنافسة في سوق سريع التغيّر.

نظم تشغيل ذكية لخفض التكاليف وزيادة الربحية

أصبحت الأنظمة الذكية التي تدير عمل المطاعم (RMS) وأنظمة تسجيل الطلبات والدفع (POS) وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتوقّع حجم المبيعات عناصر أساسية في تشغيل المطاعم الحديثة اليوم، إذ تساعد هذه الأنظمة في إدارة المخزون وتيسير تدفق الطلبات وتقليل هدر الطعام وتحسين جدولة العمل، مما ينعكس على تحسين هامش الربح وتقليل الأخطاء البشرية.

في عام 2024 وحده، اعتمدت 41% من المطاعم التي شملها الاستطلاع أدوات الذكاء الاصطناعي لتوقّع المبيعات، خاصة بهدف تقليل هدر الطعام، الذي لا يزال أحد أبرز عوامل التكاليف في القطاع. كما تتيح أدوات الإدارة عن بُعد والتحليلات اللحظية تشغيل الفروع المتعددة بشكل أكثر كفاءة وقابلية للتوسع.

رقمنة تجربة الطعام من المطبخ إلى الطاولة

أدوات التعامل المباشر مع العملاء - مثل أكشاك الطلب الذاتي والقوائم الرقمية وأنظمة الدفع المدمجة على الطاولة - تُحدث تحوّلًا في تجربة تناول الطعام، إذ تُساهم في تقليل زمن الانتظار وتحسين دقة الطلبات، كما تُوفر للزبائن تجربة أكثر مرونة وتوافقًا مع تفضيلاتهم.

أما داخل المطبخ، حلّت شاشات عرض الطلبات (KDS) محل الإيصالات الورقية، ما يُقلل من الأخطاء أثناء تحضير الطلبات ويُعزز من كفاءة العمل والاستدامة البيئية. كما تتيح أدوات إدارة المخزون رؤية لحظية لاستهلاك المكونات، ما يساعد المطاعم على تفادي نفاد الأصناف أو شراء كميات زائدة، وبالتالي تعزيز الكفاءة والربحية معًا.

تجربة العملاء: رهان النجاح في سوق تنافسية

أصبح الزبائن اليوم يتوقعون السرعة والتجربة المصممة حسب تفضيلاتهم والشفافية في الخدمة. ووفقًا لدراسة أجرتها Deloitte، فإن 60٪ من مرتادي المطاعم يقولون إن جودة خدمة الزبائن تؤثر بشكل كبير على قراراتهم في تناول الطعام. وتُساعد تكنولوجيا الأغذية والمطاعم على تلبية هذه التوقعات من خلال تفاعلات أكثر سلاسة وخدمة أسرع ودقة أكبر.

كذلك، تُساهم أدوات الخدمة الذاتية وتتبع الطلبات لحظيًا وأنظمة الدفع الواضحة والخالية من أي رسوم خفية في تعزيز ثقة الزبائن وتشجيعهم على تكرار التجربة، مع فتح المجال أمام زيادة المبيعات ورفع كفاءة التشغيل.

كيف تصنع البيانات خريطة النمو الذكي للمطاعم؟

تكمن القوة الحقيقية لتكنولوجيا الأغذية والمطاعم في قدرتها على جمع وتحليل البيانات، حيث تُنتج الأنظمة المتقدمة لتسجيل الطلبات والدفع (POS) وأنظمة متابعة الزبائن وإدارة بياناتهم (CRM) رؤى دقيقة حول عادات الشراء وأنماط المبيعات ومؤشرات الأداء يمكن الاستفادة منها في كل شيء: من تصميم قائمة الطعام إلى إدارة الموظفين ووضع خطط التوسّع.

وقد سجّلت المطاعم التي تعتمد على أدوات تحليل البيانات زيادة في متوسط هامش أرباحها بنسبة تتراوح بين 8 إلى 10%، وفقًا لمؤشرات القطاع. وتُتيح هذه الرؤى للمطاعم مواءمة عروضها مع تفضيلات الزبائن والتحكم في التكاليف بكفاءة أكبر وتحديد المواقع الأنسب لافتتاح فروع جديدة.

في زمن الطلب الرقمي.. البقاء للأسرع

مع اعتماد 31% من المطاعم حول العالم على القنوات الرقمية كمصدر لأكثر من نصف إيراداتها، أصبحت القدرة على الاندماج السلس مع منصات الطلب الإلكتروني ضرورة لا غنى عنها. يتيح استخدام تكنولوجيا الأغذية والمطاعم إدارة مركزية للطلبات الرقمية وبيانات الزبائن والشراكات مع خدمات التوصيل، مما يقلل من التعقيدات ويُحسن دقة العمليات.

ولا يمثّل هذا التحول مجرد خطوة نحو الراحة أو السرعة، بل هو تغيير هيكلي في طريقة تفاعل قطاع الأغذية والمشروبات مع الزبائن، وبناء علاقات مستدامة في اقتصاد يتجه بشكل متزايد نحو الرقمنة.

ملامح المستقبل التكنولوجي للقطاع

مع استمرار المطاعم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تبنّي التحول الرقمي، تُثبت تكنولوجيا الأغذية والمطاعم (Food Tech) أنها ليست مجرد أداة تنافسية، بل عنصر أساسي لتعزيز القدرة على التكيّف والاستمرار. سواء تعلق الأمر بالحد من هدر الطعام أو تحسين جودة الخدمة أو اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً اعتمادًا على البيانات، فإن التكنولوجيا تعيد رسم ملامح النجاح في هذا القطاع.

وبالنسبة للشركات الناشئة والمستثمرين والجهات الداعمة للبيئة الريادية، يوفّر مجال تكنولوجيا الأغذية والمطاعم فرصًا كبيرة، بدءًا من منصات البرمجيات السحابية (SaaS) والتحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى حلول التكنولوجيا المالية المدمجة وتكامل الخدمات اللوجستية. وفي ظل تطوّر القطاع، فإن من يُحسن استثمار إمكانات هذه التقنية لن ينجو فحسب، بل سيكون في صدارة من يقودون المرحلة المقبلة.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.