عربي

لماذا ينبغي على المكاتب العائلية إعادة النظر في الاستثمار المباشر في الشركات الناشئة

English

لماذا ينبغي على المكاتب العائلية إعادة النظر في الاستثمار المباشر في الشركات الناشئة

حين تبيع إحدى العائلات الثرية في الشرق الأوسط شركة تملكها، أو تحصل على سيولة من تصفية أصل استثماري احتفظت به طويلًا، أو تحقق أرباحًا كبيرة من طرح عام أولي، يبرز سؤال طبيعي: ماذا نفعل بالمال الآن؟

بالنسبة لكثير من مكاتب الاستثمار العائلية في المنطقة، تكون الإجابة هي اللجوء إلى الاستثمار المباشر.

هذا النوع من الاستثمار - الذي يتجاوز صناديق التمويل التقليدية ويعتمد على ضخ الأموال مباشرة في شركات ناشئة - طالما بدا في ظاهره خيارًا ذكيًا. فامتلاك حصة أكبر في شركة واعدة وتجنب رسوم الإدارة والحفاظ على قدر من السيطرة كلها عناصر مغرية.لكن خلف هذا البريق، كثيرًا ما تنطوي هذه الاستراتيجية على قدر من المخاطر يفوق ما يبدو على السطح.

يقول كريستوفر إ.و، عضو مجلس إدارة مؤسسة Operation Snow Leopard ومستشار لعدد من مكاتب الاستثمار العائلية: "بعد حالات الميراث أو الحصول على سيولة كبيرة، تميل بعض العائلات إلى ضخ استثمارات تفوق قدرتها الفعلية على تحمّل المخاطر. لقد رأيت ثروات كاملة تتبدّد بسبب صفقات مباشرة نُفذت بشكل سيئ. من السهل أن تظن أن بإمكانك تحمّل المخاطر لأن لديك الكثير من المال، لكن الأعباء تتراكم بسرعة وقد تخرج الأمور عن السيطرة."

ورغم أن بعض مكاتب الاستثمار العائلية حققت نجاحًا من خلال اتباع هذا النهج، فإن الغالبية تُخطئ في تقدير الوقت والخبرة والفحص المتعمق المطلوب لإنجاح هذا النوع من الاستثمارات. ويضيف كريستوفر: "البعض أصبح يرى أن صناديق رأس المال المغامر خيار غير مجدٍ، بينما هي في الواقع من أفضل أدوات الاستثمار لتحقيق عوائد مرتفعة، لكنهم ببساطة لم يتعاملوا معها بالطريقة الصحيحة."

وهم السيطرة

الصفقات المباشرة تمنح العائلات شعورًا زائفًا بالتحكم والسيطرة. لكن على عكس صناديق رأس المال المغامر المؤسسية، تفتقر معظم مكاتب الاستثمار العائلية إلى الخبرة التنفيذية والجاهزية المؤسسية والمعرفة المتخصصة وشبكات العلاقات التي تتيح لها تقييم الشركات الناشئة في مراحلها الأولى بشكل دقيق. وغالبًا ما يُبنى التحقق المسبق من جدوى الاستثمار على الحدس أو علاقات شخصية، بدلًا من اعتماد منهجيات مدروسة. يقول كريستوفر: "بعض العائلات تظن أنها تفهم المجال بما يكفي فلا تلجأ إلى خبراء خارجيين، وهذا قد يكون محفوفًا بالمخاطر. فالتقنيات المتقدمة بطبيعتها في طليعة التطور، وحتى المختصين الماليين يواجهون صعوبة في الإلمام بها."

هذا الشعور بالثقة المفرطة، خاصة بعد تحقيق السيولة، قد يكون خطرًا. كثير من العائلات، بعد أن تتوفر لها سيولة كبيرة، تندفع نحو قطاعات لا تعرفها جيدًا، وبدون دعم كافٍ، والأسوأ أنها تميل إلى عدم تنويع الاستثمارات -أي وضع رهانات كبيرة في عدد محدود من الصفقات، بدلًا من توزيع المخاطر عبر استثمارات متعددة.

التفكير في الاستثمار غير المباشر

إذا لم يكن الاستثمار المباشر هو الخيار الأمثل، فما البديل؟

بالنسبة لمكاتب الاستثمار العائلية، يبرز الاستثمار غير المباشر - عبر صناديق رأس المال المغامر - كخيار عملي أكثر استقرارًا. يشبّهه كريستوفر ببناء "محفظة مستقرة ومتنوعة"، تدار من قبل محترفين يمتلكون الخبرة في تقييم المخاطر وتنويع الأصول والوصول إلى فرص استثمارية يصعب على الأفراد الوصول إليها بمفردهم. يضيف كريستوفر: "الصفقات المباشرة قد تبدو استثمارات هادئة لا تتطلب جهدًا كبيرًا، لكنها في الواقع تحتاج انخراط دائم ومهارات عالية. قلة فقط من العائلات تنجح في إدارتها كما ينبغي. لذلك، بناء محفظة متنوعة عبر الصناديق أكثر فاعلية على المدى الطويل."

وفي المنطقة، تُظهر الأرقام حجم التحوّل نحو هذا النموذج: أكثر من 83% من مكاتب العائلات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتجه اليوم إلى الاستثمار الخاص، ونحو 58% منها نشطة في قطاع رأس المال المغامر. وتحتضن المنطقة أكثر من 124 مكتبًا عائليًا مستقلًا، وتصل استثماراتهم إلى ما يزيد على 383 مليار دولار موزعة على أكثر من 7,200 صفقة.

لكن هذا لا يعني أن الاستثمار المباشر لا مكان له، فالفكرة ليست في استبعاده، بل في ترشيده. الاستثمار المباشر يصبح أكثر جدوى حين يكون انتقائيًا، ومبنيًا على شراكة مع صناديق موثوقة أو كمستثمر مرافق، ما يتيح للعائلات الجمع بين الرؤية الخبيرة والاحتفاظ بدور فعّال في التملّك واتخاذ القرار.

التعلّم بالطريقة الصعبة

في الشرق الأوسط، حيث تُشكّل الشركات العائلية عماد القطاع الخاص، يظل الإغراء بالاستثمار المباشر قويًا. فثقافة الأعمال القائمة على العلاقات الشخصية تدفع العديد من العائلات إلى دعم من يعرفونهم، معتقدين أن القرب والثقة كافيان لضمان النجاح. لكن كما اكتشفت بعض العائلات على نحو مؤلم، المعرفة الشخصية لا تضمن نتائج إيجابية. يقول كريستوفر: "أعرف عائلات خسرت ملايين في صفقات مباشرة بدت واعدة جدًا على طاولة العشاء. الأمر لا يتعلق برأس المال فقط، بل يتطلب انضباطًا وهيكلية وتواضعًا في التقدير."

بالنسبة لمديري الصناديق الباحثين عن شركاء تمويليين في المنطقة، تمثّل هذه الحالة تحديًا وفرصة في آن واحد. فالعديد من العائلات تنظر بعين الشك إلى النماذج التمويلية التقليدية، بسبب تجارب سابقة لم تسر كما هو متوقّع. لكن في المقابل، هناك من بدأ يدرك أهمية الشراكة مع مدراء استثمار ذوي خبرة، خصوصًا في القطاعات المعقّدة مثل التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي والخدمات اللوجستية العابرة للحدود.

من أبرز الاستثمارات التي قادتها مكاتب استثمار عائلية في المنطقة صفقة استحواذ " Mayhoola" على دار الأزياء العالمية " Valentino" مقابل 700 مليون يورو عام 2012، ثم بيع حصة منها لمجموعة " Kering" مقابل 1.87 مليار يورو في 2023. كما التزمت مجموعة " Al Nowais" بضخ مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة في مصر. تعكس هذه الصفقات البارزة حجم رأس المال الإقليمي ومدى طموحه في اقتحام أسواق عالمية وقطاعات استراتيجية.

ورغم تراجع الزخم مؤخرًا حول أدوات التمويل الخاصة (private credit) ، لا تزال هذه الأدوات تحتفظ بجاذبيتها، لا سيما لدى مكاتب العائلات التي تسعى إلى عوائد مستقرة تتراوح بين 10 و 12%. فهذه الأدوات توفر مرونة أكبر مقارنة بالاستثمار الخاص، الذي قد يحقق عوائد أعلى (بين 15 و17%)، لكنه يتسم بدرجة أعلى من التعقيد وصعوبة التسييل. هذا التحول يعكس اتجاهًا أوسع: مع توسع مكاتب الاستثمار العائلية وتطوّر أدوارها، بات مزيد من الأفراد يعرّفون أنفسهم كممثلين لهذه الكيانات، في إشارة إلى تصاعد تأثيرها في تشكيل أسواق المال.

ويعلّق كريستوفر: "في نهاية المطاف، العائلات التي تنجح هي تلك التي تطرح الأسئلة الصعبة وتُحيط نفسها بالخبرات وتبقى صادقة مع نفسها بشأن ما لا تعرفه."


يأتي هذا التقرير ضمن سلسلة تقارير متواصلة نسلّط فيها الضوء على كيفية تفاعل مكاتب الاستثمار العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع صناديق رأس المال المغامر والاستثمار في الملكية الخاصة وأشكال التمويل البديلة. ترقبوا المزيد من التحليلات خلال الأسابيع المقبلة.

 

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.