عربي

من العقار إلى رأس المال المغامر.. جيل جديد يعيد تشكيل استثمارات العائلات في الخليج

English

من العقار إلى رأس المال المغامر.. جيل جديد يعيد تشكيل استثمارات العائلات في الخليج

تشهد مكاتب الاستثمار العائلي في دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) تحوّلًا لافتًا في استراتيجياتها. فبعد أن كان تركيزها الأساسي ينحصر في الحفاظ على الثروة، بدأت اليوم تتجه نحو نهج أكثر جرأة وتنوعًا، يشمل الاعتماد على مستشارين موثوقين، خوض تجارب في الاستثمار المباشر بالشركات الناشئة، استكشاف آفاق جديدة مثل شركات بناء المشاريع (Venture Studios) والتقنيات العميقة (Deeptech)، وإعادة تعريف دورها في مشهد الاستثمار الخليجي.

تتناول هذه السلسلة من ومضة كيف تتحول الثروات العائلية في المنطقة إلى قوة حاسمة تعيد تشكيل مشهد رأس المال المغامر وتؤثر في مستقبل اقتصاد الابتكار العالمي.

جيل جديد.. استراتيجيات جديدة

تشهد مكاتب العائلات في الخليج تحوّلًا عميقًا في طريقة إدارتها للثروات. فبعد أن كان تركيزها يكاد يقتصر على حفظ الثروة من خلال الاستثمار في العقارات والأسهم والأعمال التشغيلية، تتجه اليوم نحو استراتيجيات أكثر جرأة تشبه إلى حد كبير نهج رأس المال المغامر.

يعكس هذا التحوّل تأثير الأجيال الجديدة داخل العائلات، وانفتاحها على خوض استثمارات أكثر جرأة، مع السعي لربط رأس المال برؤية أوسع تُحقّق أثرًا طويل المدى وقيمة تتجاوز حدود الربح السريع.

الاستثمار تحت تأثير العائلة والسيولة

أصبحت خيارات الاستثمار تتأثر بشكل متزايد بتركيبة العائلة والاحتياجات النقدية. كما يوضح كريستوفر أو، وهو مستشار لمكاتب استثمار عائلي كبرى: "أول ما أحرص على فهمه عند الحديث مع العائلات هو احتياجاتها من التدفقات النقدية وتركيبتها العائلية ككل. فوجود وريث واحد بمصروفات محدودة يختلف تمامًا عن عائلة كبيرة تضم عشرات الورثة الذين يعتمدون على أرباح شهرية. هذا البُعد المتعلق بالتدفقات النقدية يُعد عاملاً حاسمًا في تشكيل القرارات الاستثمارية."

أصبح هذا المنظور العملي اليوم أساسًا لاتخاذ القرارات المتعلقة بمختلف فئات الأصول، بدءًا من تخطيط السيولة وحتى توزيع الاستثمارات على البدائل.

بين الثقة وخبرة المستشارين

مع سعي مكاتب الاستثمار العائلي إلى مزيد من الاحترافية، بدأت العديد منها في تعيين فرق داخلية متخصصة والاستعانة بمستشارين خارجيين. ومع ذلك، تبقى الثقة هي المحرك الأساسي لقرارات الاستثمار.

وكما يوضح كريس: "الثقة هي كل شيء. فالمستشارون المتفرغون قد تكون لديهم أحيانًا دوافع أخرى، ويدفعون نحو قرارات تسهّل عملهم أكثر مما تخدم مصلحة المكتب. لهذا السبب، الاستعانة بعدة مستشارين خارجيين مستقلين، لا يعرف بعضهم البعض، يمكن أن يساعد في الوصول إلى قرارات أكثر توازنًا."

كما أن تنويع الاستثمارات عبر قطاعات وأسواق جغرافية جديدة لا يتطلب رأس المال فقط، بل يحتاج أيضًا إلى خبرة متخصصة، ما يجعل الحاجة إلى مشورة محايدة وموثوقة أكبر من أي وقت مضى.

الاستثمارات المباشرة والأصول البديلة

تجذب الصفقات المباشرة والأصول البديلة — مثل الائتمان الخاص ورأس المال المغامر — اهتمامًا متزايدًا من مكاتب الاستثمار العائلي. لكن المخاطر هنا كبيرة.

يحذّر كريس قائلًا: "بعد الحصول على سيولة كبيرة، غالبًا ما تقدم العائلات على استثمارات تتجاوز قدرتها الحقيقية على تحمّل المخاطر. الثروة يمكن أن تتبخر بسرعة في صفقات مباشرة تُدار بشكل سيئ. أفضل استراتيجية ما زالت تكمن في بناء محفظة استثمارية كبيرة تعتمد على نهج شبه سلبي. الصفقات المباشرة قد تبدو جذابة، لكنها تتطلب انخراطًا فعليًا أكبر بكثير مما يتوقعه الكثيرون."

ويظهر هذا التوتر بين الطموح والانضباط بوضوح مع سعي العائلات نحو الاستثمار في التكنولوجيا والشركات الناشئة.

شركات بناء المشاريع والتقنيات العميقة.. آفاق جديدة للاستثمار

تجسّد شركات بناء المشاريع الناشئة (Venture Studios) والتقنيات العميقة (Deeptech) جانبَي الإغراء والتعقيد في الاستثمارات في آفاق جديدة. فشركات بناء المشاريع تقدّم سردية مغرية: الحصول على حصص مبكرة وفرصة للمشاركة الفعلية في تأسيس الشركات الناشئة. لكن امتلاك حصص كبيرة من دون دور فعلي في التشغيل قد يتحول إلى عبء يضعف جاذبية الشركة أمام المستثمرين المستقبليين ويعرقل قدرتها على جمع تمويل لاحق.

أما التقنيات العميقة، فتمثّل مصدر إثارة وحماس للكثير من مكاتب العائلات، لكنها تتطلب خبرة تقنية متخصصة يفتقر إليها معظمهم. وكما يوضح كريس: "التقنيات العميقة متقدمة بطبيعتها، وحتى المتخصصون الماليون يجدون صعوبة في تقييمها. العائلات التي تظن أنها قادرة على خوض هذا المجال وحدها تتحمل مخاطر غير ضرورية."

شراكات أوسع ورؤية عالمية

ومن بين أبرز التحوّلات في استراتيجيات مكاتب الاستثمار العائلي في الخليج يبرز التعاون كعامل حاسم. فالأجيال الجديدة أكثر انفتاحًا على بناء شبكات مع نظرائهم وعقد شراكات عابرة للحدود، ما يمنح استثماراتهم بُعدًا عالميًا لم يكن حاضرًا من قبل.

كما أن اتساع حجم رؤوس الأموال يغيّر طبيعة القرارات الاستثمارية. وكما يوضح كريس: "حجم رأس المال الذي تملكه هو ما يحدد طريقة استثمارك. فعندما تصل إلى مستوى معين من السيولة، تبدأ بالنظر في الأصول طويلة الأمد مثل الملكية الخاصة ورأس المال المغامر — وهي استثمارات تتطلب قدرًا كبيرًا من الصبر والانضباط."

خاتمة

لم تعد مكاتب الاستثمار العائلي في الخليج تكتفي بدور مديري الثروة، بل تتحوّل اليوم إلى فاعلين أساسيين في مشهد الابتكار العالمي، حيث تمزج بين رأس المال الصبور وأساليب حوكمة أكثر تطورًا، وتبني شراكات جديدة أكثر ديناميكية تفتح أمامها آفاقًا أوسع.

ومع توسع حضورها في رأس المال المغامر والاستثمارات البديلة، يزداد تأثيرها في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد الإقليمي والعالمي. لكن النجاح في هذه المرحلة لن يتحقق إلا عبر الانضباط والوعي بما نعرف وما نجهل والاستعداد للاستعانة بالخبرات المناسبة.

___________________________________________________________________________________________________________________________

هكذا نصل إلى ختام سلسلة ومضة حول تطوّر مكاتب الاستثمار العائلي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولأن القصة أكبر من أن تُختزل في مقال واحد — من دور المستشارين، إلى مخاطر الصفقات المباشرة، وصولًا إلى التحديات المرتبطة بشركات بناء المشاريع والتقنيات العميقة — ندعوك لاكتشاف الرحلة كاملة عبر مقالات السلسلة السابقة.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.