عربي

هل يعيق السعي وراء "اليونيكورن" تطور بيئة الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط؟

English

هل يعيق السعي وراء "اليونيكورن" تطور بيئة الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط؟

مقال بقلم عماد الدين عبيري

لأكثر من عقد، أصبح مصطلح "يونيكورن" — الذي يُطلق على الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها السوقية مليار دولار قبل طرحها في البورصة — هو النموذج الأشهر لما يُعدّ نجاحًا في عالم ريادة الأعمال: توسّع سريع، تقييمات فلكية، وضجة إعلامية عالمية.

وفي منطقتنا، بدا هذا المفهوم واعدًا بشكل خاص، إذ رُوّج له كفرصة تتيح للمؤسسين تجاوز البيروقراطية والأنظمة التقليدية، ووضع المنطقة على خارطة الابتكار العالمية. 

لكن اليوم، ومع نضج بيئات ريادة الأعمال في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وازدياد وعي المؤسسين والمستثمرين وصنّاع القرار بما يُنتج قيمة فعلية على الأرض، قد يكون الوقت مناسبًا لطرح سؤال بسيط: ماذا لو لم يكن مستقبل النجاح في منطقتنا مرتبطًا بـ"يونيكورن" جديد؟ وماذا لو كان التأثير الحقيقي لا يأتي من مطاردة الأحلام البراقة، بل من البناء المتقن والعمل المدروس؟

الشركات الناشئة تبدأ بالأسئلة، لا بالتقييمات

رغم العناوين الرنانة التي تحتفي بالمليارات، أغلب الشركات الناشئة لا تبدأ بحلم ضخم أو تقييم مالي مبهر، بل تنطلق من إحساس بوجود خلل، أو لحظة بصيرة، أو تساؤل يفتح بابًا جديدًا للتفكير. لا تولد هذه الشركات في بيئات مثالية، بل في الفجوات — بين أنظمة لم تعد صالحة، واحتياجات تنتظر من يلبيها.

 في هذه المرحلة المبكرة، لا يكون المعيار هو سرعة النمو، بل وضوح الرؤية:

  • من نخدم؟
  • ما المشكلة التي نحاول حلّها؟
  • وهل ما نقدّمه يُحدث فرقًا؟

في لحظة التأسيس، لا يكون الهدف هو التوسّع، بل بناء قيمة حقيقية تستحق الاستمرار.في هذه المرحلة بالذات، تبدأ الشركات في غرس بذور الثقة، والارتباط، والقدرة على الصمود — وهي عناصر لا تُشترى ولا تُستعار، بل تُصنع مع الوقت، خطوة بخطوة.

من التأسيس إلى التوسّع: تحوّل في طريقة التفكير

النمو الحقيقي في عالم الشركات الناشئة لا يتعلق فقط بالتوسّع، بل بالنمو الواعي والمدروس. ويعني ذلك الانتقال من مرحلة التجريب والمرونة، إلى مرحلة البناء المنظّم والعمل وفق قواعد واضحة، فما كان يُدار بالحدس والمحاولة، يحتاج الآن إلى إدارة فعّالة وخطط قابلة للتكرار واستراتيجيات أكثر وضوحًا.

في هذه المرحلة، تصبح التحديات أكثر تعقيدًا: كيف نُوسّع الفريق من دون أن نفقد هوية الشركة وروحها؟ كيف نحافظ على انسياب العمل رغم زيادة الأعباء والمسؤوليات الإدارية؟ وكيف نكبر من دون أن نفقد تركيزنا أو نندفع خلف طموحات غير واقعية؟

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التوسّع يشمل أيضًا التعامل مع أسواق مجزأة، وتشريعات متغيّرة من بلد إلى آخر، وبنية تحتية لا تزال في طور البناء. وفي الحقيقة، هذا التحدي لا يكفيه الطموح وحده، بل يتطلّب مرونة ورؤية بعيدة المدى وفهمًا عميقًا للسياق المحلي.

ليست كل قصص النجاح بحاجة إلى أن تكون "يونيكورن"

صحيح أن نموذج "اليونيكورن" أو "الشركة الناشئة المليارية" قد يكون ملهمًا، لكنه ليس الصورة الوحيدة للنجاح.

فهناك نماذج أخرى تستحق التقدير، مثل:

  • شركة تنمو بهدوء وثبات في قطاعات لا تحظى باهتمام كافٍ.
  • مشروع تحرّكه رسالة مجتمعية، ويعيد استثمار أرباحه محليًا.
  • حلّ رقمي يُحسّن الخدمات العامة أو يعزّز قدرة المجتمعات على التكيّف.
  • شركة تُحقق الربحية بدلًا من مطاردة جولات تمويل لا تنتهي.

قد لا تُصنّف هذه الشركات ضمن الـ"يونيكورن"، لكنها غالبًا ما تكون هي التي تستمر وتصمد، وتوظّف من المجتمع المحلي، وتتكيّف مع التغيّرات، وتظل قريبة من المجتمعات التي تعمل فيها — خصوصًا في الأسواق الناشئة. ليس النمو السريع هو ما يبني أنظمة قوية، بل الفهم العميق للسياق والواقع المحيط والعمل في خدمته.

نحو تعريف جديد للنجاح في عالم الشركات الناشئة العربية

ومع تطوّر بيئة ريادة الأعمال في منطقتنا، لابد أن يتطوّر أيضًا فهمنا لما يعنيه "النجاح". نحن بحاجة إلى تسليط الضوء على قصص شركات:

  • تعالج مشكلات ملموسة تواجه الناس في حياتهم اليومية.
  • تصمّم حلولًا قادرة على الصمود في وجه التحديات.
  • تنمو استنادًا إلى فهم عميق للسوق والسياق، وليس إلى التمويل وحده.
  • تختار التأثير المستمر والموثوق على الانتشار اللحظي والضجة العابرة.
  • وتبني قيمة حقيقية تُقاس بما تُحدثه من فرق، لا فقط بما تحققه من أرقام.

الجيل الجديد من رواد الأعمال في العالم العربي يستحق مساحة لتجربة مسارات مختلفة للنجاح. نماذج قد لا تُشبه "قالب اليونيكورن"، لكنها أقرب إلى واقعنا، وأكثر توافقًا مع احتياجات الفعلية على المدى البعيد.

مستقبل هادئ، لكن استراتيجي

الابتكار لا يكون صاخبًا دائمًا، فبعض أنجح المشاريع وأكثرها تأثيرًا تُبنى بهدوء ووعي، وعلى أسس قابلة للاستمرار. هي شركات تبدأ بخدمة مجتمعاتها، ثم تتوسّع لاحقًا، وتستمر طويلًا لأنها تركّز على ما يُحدث فرقًا حقيقيًا. لا تطارد هذه المشاريع التقييمات البراقة، بل تركز على بناء شيئًا أصيلًا ومتينًا. تبقى، وتتطوّر، وتقدم قيمة تدوم. وهذا هو — على الأرجح — ما قد يبدو عليه "الإنجاز الكبير" القادم.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.