عربي

بين الثقة والخبرة: كيف تختار مكاتب العائلات مستشاريها؟

English

بين الثقة والخبرة: كيف تختار مكاتب العائلات مستشاريها؟

في الوقت الذي تعيد فيه مكاتب العائلات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تنظيم علاقتها بالاستثمار المباشر في الشركات الناشئة — كما أشرنا في مقال سابق — بدأ يتضح تحول آخر لا يقل أهمية، يتعلق بتغير الدور الذي يلعبه المستشارون الاستثماريون ضمن هذا المشهد.

ومع انخراط العائلات بشكل أكبر في إدارة ثرواتها واتخاذ قراراتها الاستثمارية، ارتفعت أيضًا توقعاتها ممن يقدمون لها المشورة. لم تعد تبحث فقط عن خبير يدير رؤوس الأموال، بل عن شريك موثوق يفهم رؤيتها ويساعدها على حماية إرثها وتنمية ثروتها على المدى الطويل.

ومع تطوّر هذه المكاتب وتحولها إلى كيانات أكثر نضجًا، أصبحت معايير اختيار المستشارين تتغير بسرعة. لم تعد الأولوية لتحقيق أقصى عائد مالي فقط، بل باتت العائلات تفضل العمل مع شركاء استراتيجيين يفهمون تعقيد السوق، ويحترمون قيم العائلة وأهدافها، ويواكبون تطلعاتها جيلاً بعد جيل، مع التزام واضح بالشفافية والاستقامة.

أبعد من الأرقام

لم تعد مكاتب العائلات تكتفي بالنظر إلى الأرقام والميزانيات فقط، بل بدأت تنخرط في خطط استثمارية أكثر طموحًا، وتتعامل مع أطر تنظيمية أكثر تعقيدًا، وتهتم بشكل متزايدًا بتوجيه الثروة نحو أهداف ذات معنى وقيمة. هذا يضع على المستشارين دورًا أوسع من مجرد تقديم المشورة الفنية، حيث أصبح من الضروري أن يكونوا قادرين مواكبة رؤية العائلة طويلة المدى ويتأقلموا مع تغيّر أولوياتها ويقدّموا دعمًا فعّالًا في مجالات مثل الاستثمار والحوكمة وتخطيط انتقال الإدارة بين الأجيال.

وفي أسواق مثل السعودية والإمارات، حيث تتحوّل الكثير من مكاتب الجيل الأول إلى نماذج مؤسسية أكثر تنظيمًا، يزداد الاهتمام بهذا النوع من الإرشاد الاستراتيجي بشكل واضح.

ثقة، تناغم، خصوصية

ما يميّز المستشارين الناجحين ليس فقط خبراتهم، بل قدرتهم على بناء علاقة ثقة حقيقية مع العائلة. يقول كريستوفر أو، وهو مستشار لعائلات ثرية، إن الشفافية وسهولة التواصل والحفاظ على الخصوصية قد تكون أهم بكثير من أي نموذج مالي. ويضيف: "العائلات تريد من يفهم قيمها، لا فقط من يفهم أصولها."

الاستقلالية أيضًا عامل حاسم. فالعلاقات الداخلية داخل العائلة — سواء بين أفرادها أو مع المستشارين — قد تؤثر على القرارات ولا تضمن الحياد. لهذا السبب، تفضّل كثير من العائلات الاستعانة بعدة مستشارين خارجيين مستقلين، غير مرتبطين ببعضهم البعض، لضمان تنوع الآراء والحفاظ على الموضوعية.

الكفاءة وحدها لا تكفي

الكفاءة الفنية لم تعد كافية وحدها. ما يميز المستشارين الناجحين اليوم هو الذكاء العاطفي والقدرة على فهم ديناميكيات العلاقات العائلية والتعامل بحساسية ووعي مع المواقف المعقّدة واختلاف الأجيال — مع الحفاظ على موقعهم كطرف موثوق داخل الدائرة العائلية.

لذلك، في بعض الحالات، ليس غريبًا أن يُصبح المستشار قريبًا من العائلة لدرجة يُدعى فيها إلى مناسبات خاصة، أو يُستشار في قرارات شخصية مصيرية.

استثمار مباشر يحتاج أكثر من مشورة

مع تزايد عدد مكاتب العائلات التي تتجه للاستثمار المباشر، خصوصًا في الشركات الناشئة والأصول الملموسة مثل العقارات، لم يعد دور المستشارين يقتصر على التخطيط المالي التقليدي. أصبح مطلوبًا منهم تقييم الصفقات، رصد أي مؤشرات مقلقة، والمساعدة في بناء شراكات فعّالة.

كما تستفيد العائلات من شبكات علاقات مستشاريها للحصول على فرص استثمار مشترك، وفهم أعمق للقطاعات الناشئة — لا سيما تلك التي تشهد نموًا سريعًا مثل التكنولوجيا المالية والمناخ والتقنيات المتقدمة.

القيمة قبل التكلفة 

صحيح أن المقابل المالي لا يزال جزءًا من المعادلة، لكن التركيز اليوم أصبح على القيمة الحقيقية التي يضيفها المستشار لعمل العائلة. فالمستشار الجيد يمكنه أن يجنّب العائلة قرارات مُكلّفة، ويقترح فرصًا جديدة، ويساعد على تبسيط قرارات استثمارية معقّدة — وغالبًا ما يتفوّق أثره على ما يُدفع له. 

ولهذا، يُنصح أن تُحسن العائلات اختيار من تعمل معهم، من خلال التحقق من خبراتهم السابقة، مراجعة التوصيات، وسؤال عائلات أخرى عن مدى التزامهم واحترامهم للثقة والعلاقة.

في النهاية، لم تعد مكاتب العائلات تبحث عن منفذين، بل عن شركاء حقيقيين. والمستشارون الأكثر فاعلية اليوم هم من يجمعون بين الخبرة الفنية والذكاء العاطفي، ويعملون باستقلال، ويتفاعلون مع رؤية العائلة لا فقط مع حساباتها. 

وكما يقول كريستوفر أو: "العائلات التي تنجح هي تلك التي تطرح الأسئلة الصعبة، تحيط نفسها بأشخاص موثوقين، ولا تخجل من الاعتراف بما لا تعرفه."

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يأتي هذا التقرير ضمن سلسلة متواصلة نسلّط فيها الضوء على كيفية تفاعل مكاتب الاستثمار العائلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع صناديق رأس المال المغامر ورأس المال الخاص وأشكال التمويل البديلة. ترقّبوا المزيد من التحليلات خلال الأسابيع المقبلة.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.