English

المستثمرون التأسيسيون: يُولَدون هكذا أم يُصبحون كذلك؟ [رأي]

English

المستثمرون التأسيسيون: يُولَدون هكذا أم يُصبحون كذلك؟ [رأي]

Angel investing

تعاني المنطقة العربية من نقصٍ في المستثمِرين التأسيسيين، فكيف نؤسّس للمزيد منهم؟ (الصورة من "لابز أوف لاتفيا" LabsofLatvia)

لم يعد السؤال ما إذا كانت الروح الريادية قد انتشرَت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأنّها قد انتشرَت فعلاً.

الجميع يحبّ الشركات الناشئة، وهذه الأخيرة تعرف أين تجد الحبّ: حاضنات أعمال، مساحات عمل مشتركة، مؤتمرات وملتقيات في كلّ أيام الأسبوع. لقد باتت المنطقة تزخر بأنظمة الدعم التي غالباً ما تكون مدعومةً من الحكومات، والمخصّصة للشركات في مراحلها الأولى.

لذلك انطلق، اترك وظيفتك، وأطلِق شركتك، وستجد من يساعدك خلال طفولتك الريادية.

ولكن هناك مشكلةٌ لا يجب أن تغيب عن بالك: في مرحلةٍ ما ستحتاج شركتك الناشئة للنموّ وستصبح شركةً حقيقية.

عندها، سوف تواجه الواقع المرير الذي سيكشف أنّ الشركة لا تقوم فقط على رائد الأعمال والفريق الذين يعملون بأظافرهم وأسنانهم من أجل نجاح الشركة، بل هي تعتمد اعتماداً كبيراً على رأس المال.

أين المال؟

هذه مشكلتنا في المنطقة، إذ يوجد وهمٌ خلدّته على ما يبدو شبكاتُ الدعم وقبله روّاد الأعمال بسرور، وهو أنّ المستثمِرين سيحضرون حالما تحتاج إليهم.

ولكنّ هذا ليس أمراً غير معقول؛ فعلى الرغم من الظروف الحالية، تزخر المنطقة بالأموال ليس فقط على المستوى الحكوميّ، بل وعلى مستوى الشركات والمكاتب العائلية وحتى الأفراد الذين غالبا ما يحصلون على دخلٍ مرتفع لا يخضع للضرائب أو يتمّ ادّخاره مؤسّساتياً.

ما نراه هو حلقةُ مفقودة: تتدفّق هذه الأموال في مكانٍ ما، ولكن ليس في شركات المنطقة التي تكون في مراحلها الأولى، أو إذا كان كذلك فليس بطريقةٍ فعالة.

في عام 2013، استثمر أعضاء شبكة "فينتشر سوق" VentureSouq في شركةٍ تتّخذ من دبي مقرّاً لها، وحصلوا على كلّ ما يمكن لمستثمرٍ أن يحلم به: مؤسّسون أقوياء قاموا سابقاً بصفقات بيعٍ واستحواذ ناجحة، ومنتَجٌ حسن التطوير، وقاعدة عملاء قائمة ومتينة، وعامل جذبٍ قويّ للمستخدِمين، وتواجدٌ في عدّة مدن كبيرة ومتنامية.

ومع ذلك، عانَت هذه الشركة خلال السنوات الثلاث الماضية في سبيل إيجاد رأس المال الذي تحتاجه للاستمرار في وتيرة النموّ التي يطمح إليها أعضاء الفريق.

ولكن كيف يمكن لشركةٍ نمَت في دول مجلس التعاون الخليجي لأن تتعثّر مالياً، في حين يأتي الأخرون من الخارج إلى هذه المنطقة التي تغرق بالأموال؟

ادعُ كلّ الملائكة

الطريق المثالية للشركات هي حيث يمكن أن تنتقل من حاضنات الأعمال ومسرّعات النموّ، إلى المستثمرين التأسيسيين angel investors، إلى شركات الاستثمار المخاطر، إلى بيع الأسهم الخاصّة، وصولاً إلى طرح الأسهم الاكتتاب العام.

عند كلّ خطوةٍ، يجب أن يتوافر رأس المال اللازم لهذه الشركات بحيث يجب أن يتناسب مع مستويات المخاطر في كلّ مرحلة، والذي يمكن أن يضيف قيمةً استراتيجية للشركة في هذه المحطّة من مسيرتها.

من حيث حاضنات الأعمال ومسرّعات النموّ، تمّ تغطية هذه المرحلة بشكلٍ لافت. وباتت البرامج الموجودة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجذب شركاتٍ من خارج المنطقة لتأتي وتؤسّس موطئ قدمٍ لها في دبي وأبوظبي وقطر. ومن هذه المنظّمات على سبيل المثال، "فلات6لابز" Flat6Labs أبوظبي التي ضمّت في دورتَيها الأخيرتَين شركاتٍ من روسيا ("أنيهوج" Unnyhog) وإيطاليا ("كيكابو لابز" Kikabo Labs) والهند ("فليب تكنولوجيز" Flip Technologies) واليونان ("سوسورس" Susurrus). وفي الواقع، فإنّ أكثر من نصف الشركات التي تشارك في برامجها تكون إمّا ذات منشئٍ عالميّ أو تركّز على السوق العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد لدينا في المنطقة شركات استثمار مخاطر وشركات استثمار مقابل أسهم تقليدية ذات مصداقية ونشطة ومموّلة تمويلاً جيداً، وهي قد بدأت تولي مزيداً من الاهتمام للشركات الناشئة المتدرّجة: مثل الاستثمار الأخير لشركة "أبراج" Abraaj في شركة "كريم" Careem.

بالرغم من كلّ ذلك، ما زلنا غير ناضجين على صعيد الاستثمار التأسيسي، علماً أنّ هذه المرحلة حسّاسةً جداً على الشركات في مراحلها الأولى بحيث إذا لم تستطِع إقناع الناس بالاستثمار فيها فإنّها ستموت. وفي ظلّ غياب مجتمع استثمار تأسيسيّ قابل للنموّ والاستمرار، كان على شركات الاستثمار المخاطر أن تنحدر إلى جولات تمويل أصغر وفي وقتٍ أبكر.

افرد جناحيك

كيف تحوّل الناس في هذه المنطقة إلى مستثمِرين تأسيسيين؟ خلال السنوات الثلاث التي كنّا نعمل فيها على تعزيز مجتمع استثمار تأسيسيّ نشط، تعلّمنا أنّ هذا يتطلّب الكثير من الدقّة.

يرغب المستثمرين في الاستثمار في شركاتٍ لديها إمكاناتٌ للنموّ، ولكن القليل من خطر الفشل. يريدون الوصول إلى المشغّلين، ولكنّهم لا يريدون متابعة أمورٍ مثل التقارير أو الأوراق. يريدون اتّخاذ قراراتٍ مدروسة، ولكن العمل اعتماداً على الفطرة. سوف يعملون عندما يكون هناك شعورٌ بالتفرّد، عندما يرون أنّهم قد يفوّتون شيئاً كبيراً إذا لم يكن يصعّدوا ويحرّروا شيكاً. والأهمّ من ذلك، أنّهم يريدون أن يتماشوا مع إدارة الشركة، وأن ينضمّوا إليهم ويرأسوهم.

على الصعيد الشخصيّ، لم أخرج من رحم مستثمرٍ تأسيسي، بل كانت مسيرتي شخصية. كان لديّ صديقٌ قد أطلق شركته الخاصّة، وعندما بدأ ينجح بدأتُ أشعر بالغيرة. ففكرتُ أنّه لو كنتُ أحد المساهمين في هذه الشركة لأردتُه أن يحقّق مزيداً من النجاح، وبالتالي استثمرتُ مبلغاً صغيراً من المال ولكنّه يكفي ليشعرني بالانخراط في الشركة.

وعلاوةً على ذلك، بعد أن استثمرتُ في هذه الشركة بتُّ أتفاخر أما جميع من ألتقي بهم، فاكتشفتُ أنّ الكثير منهم كانوا يتمنّون لو أنّهم مشاركون وأنّهم ظنّوا أنّ شيئاً كبيراً قد فاتهم؛ لقد كانوا يوبّخونني لأنّني لم أخبرهم بالأمر في وقتٍ سابق. بعد ذلك، تبنّى فكرة البحث عن مثل هذه الصفقات أربعةُ أشخاصٍ أصبحوا فيما بعد شركائي في "فينتشر سوق".

لقد بتنا نعرف الآن أنّه يوجد شهيةٌ كبيرةٌ للاستثمار، ولكن القليل من الاهتمام النشط بهذا الأمر.

المنطقة مليئةٌ بأشخاصٍ يمكن أن يكونوا مستثمِرين ولكنّهم يبحثون عن حافزٍ فقط، مثلما حديث معي. فالرغبة في الاستثمار في شركاتٍ في مراحلها الأولى والمعرفة اللازمة للقيام بذلك على نحوٍ فعّال، ليست وراثيةً بل أمراً يتمّ اكتسابه.

لدينا في المنطقة ما يمكن أن يشكّل قاعدة تمويلٍ قوية للغاية يمكن أن تكون بمثابة ميزةٍ تنافسيةٍ كبيرة للشركات الإقليمية، وهي بحاجةٍ فقط إلى أن تتقدّم بطريقةٍ فعالة.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.