English

إنشاء تطبيق فائق لمنطقة الشرق الأوسط

English

إنشاء تطبيق فائق لمنطقة الشرق الأوسط
Image courtesy of Shutterstock

قبل ظهور الهواتف الذكية ومتاجر تطبيقات الهواتف المحمولة، كانت شبكة الإنترنت تسيطر عليها بضع منصات إلكترونية تقدم لمستخدميها خدمات عديدة من خلال وجهة واحدة. وكانت الصفحات الرئيسية لمواقع Yahoo وMSN وAOL تُعدّ "مراكز متكاملة" تقدم خدمات الأخبار والبحث والبريد الإلكتروني والرسائل الفورية، وكانت هي البوابة الأساسية التي يعبر المستخدمون من خلالها إلى شبكة الإنترنت.

وشيئاً فشيئاً أصبح الذين يستخدمون شبكة الإنترنت للمرة الأولى في حياتهم يستخدمونها من خلال جهاز محمول، وغالباً ما يستعملون في ذلك تطبيقاً وليس متصفحاً. وهكذا ظهرات التطبيقات الفائقة (super apps) التي تُعدّ تطوراً طبيعياً لبوابات الويب التي كانت شائعة في التسعينيات، والتطبيق الفائق هو تطبيق يجمع معظم الخدمات الإلكترونية في مكان واحد.

وأكثر ما ينطبق عليه مصطلح التطبيق الفائق هم العملاقان التكنولوجيان الصينيان WeChat وAlipay، ومنصة Gojek الإندونيسية، وجميعها منصات تسمح لمستخدميها بالتواصل والاطلاع على المحتوى وطلب مواد البقالة والوجبات الغذائية، فضلاً عن تقديم طلبات الحصول على قروض عقارية وتحويل الأموال. فيُعد التطبيق الفائق وسيلة لتهيئة بيئة حاضنة داخل الإنترنت يتم تقديم مجموعة متنوعة من الخدمات من خلالها، والتي تعمل معاً بسلاسة من أجل راحة المستخدمين عن طريق تسجيل الدخول مرة واحدة وإنشاء ملف شخصي واحد.

وفي منطقة الشرق الأوسط، استلهم تطبيق "كريم"، وهو تطبيق لحجز سيارات الأجرة نشأ في دولة الإمارات ثم استحوذت عليه شركة أوبر لاحقاً مقابل 3.1 مليار دولار في عام 2019، هذه الفكرة من العمالقة الآسيويين. وأطلقت شركة كريم هذا الأسبوع تطبيقها الفائق بعد استثمار بقيمة 50 مليون دولار، وأصبحت الآن تقدم إلى مستخدميها البالغ عددهم 33 مليون مستخدم في 13 سوقاً في شتى أنحاء الشرق الأوسط وباكستان منصة تُمكِّنهم من طلب سيارات الأجرة أو وجبات الطعام أو تحويل رصيد الهواتف المحمولة.

وقال مدثر شيخة، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة كريم، خلال حفل الإطلاق: "يتناول تطبيقنا الفائق ثلاث خدمات: حركة الأشخاص، وحركة الأشياء، وحركة الأموال. ويتمثل هدفنا في تبسيط حياة الأشخاص... فالحياة في منطقتنا ومدننا ليست بسيطة، وإنجاز الأمور الأساسية يستغرق وقتاً طويلاً وينطوي على كثير من التعاملات". وإزالة هذه التعاملات وتبسيط الأعمال اليومية سيمنحان الناس مزيداً من الوقت لقضائه في "الأشياء المهمة حقاً"، على حد تعبير مدثر.

ولا توجد معايير رسمية لعدد الخدمات التي يجب أن تقدمها المنصة لكي يُطلَق عليها اسم تطبيق فائق، ولكن هذه التطبيقات غالباً ما تكون مدعومة بخدمات الشبكات الاجتماعية والخدمات اللوجستية وخدمات المدفوعات. وما إن يكتسب التطبيق قدراً كافياً من الزخم ويقدم عدداً كافياً من الخدمات، فإن خطوته التالية تتمثل في إدراج خدمات من أطراف أخرى في منصته، وإدخال تلك الخدمات في بيئته الحاضنة.

وتأمل شركة كريم أن تضيف خدمات أخرى، مثل دفع فواتير المرافق والشراء من متاجر التجزئة التقليدية، لتصبح جزءاً من بيئة كريم الحاضنة، حيث يمكن للمستخدمين شراء المنتجات من متاجر التجزئة عبر المحفظة المحمولة Careem PAY ثم تصلهم المنتجات التي اشتروها عن طريق سائقي الشركة، المعروفين أيضاً باسم "الكباتن".

وفي وجود هذه البنية التحتية، يستطيع، نظرياً، أي شخص يتطلع إلى بيع منتجاته أو خدماته أن ينضم إلى بيئة كريم الحاضنة ويعرض منتجاته أو خدماته عبر الإنترنت، ولذلك تأثيرات بعيدة المدى على الاقتصاد الرقمي للمنطقة. لكن تتمثل إحدى العقبات التي تواجهها شركة كريم في شُيوع التعاملات النقدية في الأسواق التي تعمل فيها. فيشير البنك الدولي إلى أن نسبة البالغين الذين لديهم حساب مصرفي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تتجاوز 8%.

يقول مدثر شيخة: "تتراوح نسبة الدفع عبر المنصات الرقمية حالياً بين 2% و3% فقط، أما في الصين أو أوروبا أو الولايات المتحدة فإن هذه النسبة يمكن أن تتراوح بين 20% و40% وتُدفع مئات المليارات من الدولارات عبر المنصات الرقمية. ونحن بصدد إحداث هذه النقلة من خلال التجارة الإلكترونية".

الشمول المالي

بينما تركز شركة كريم على إدخال خدمات أخرى وتجار تجزئة خارجيين إلى تطبيقها الفائق، فإن شركة "حالاً" المصرية، وهي شركة ناشئة لنقل الركاب بالتكاتك والدراجات النارية، تتخذ نهجاً مختلفاً قليلاً يستند إلى الشمول المالي.

ويتمتع منير نخلة، مؤسس شركة "حالاً"، بخبرة في مجال التمويل البالغ الصغر، فقد سبق له أن أنشأ شركة "مشروعي" وشركة "تساهيل" التي تُعدّ أكبر شركة للتمويل البالغ الصغر في مصر، ويقوم منير حالياً بدمج تلك الخبرة في عروض حجز المركبات عبر تطبيقه ليجعله تطبيقاً فائقاً لا يقتصر على نقل الأشخاص والأشياء فحسب، بل يزيد أيضاً من وصول المستخدمين إلى المنتجات المالية.  

يقول منير: "توجد رغبة قوية في إلغاء التعامل النقدي في المجتمع المصري، لذلك أدركت أننا إذا جعلنا تطبيق "حالاً" يتعامل مباشرة مع المستهلكين في مصر لتقديم خدمات التنقل وتوصيل الطلبات والشراء والاقتراض وتحويل الأموال، سواء بطريقة الند للند أو من خلال التجار، فسيصبح "حالاً" منصةً للمستهلكين المصريين".

ويمتلك بالفعل تطبيق "حالاً" محفظة مغلقة، ويعني ذلك أن الأموال التي تُوضَع فيه يمكن استخدامها لدفع تكاليف خدمات أخرى على منصته مثل دفع الفواتير، ولكن لا يمكن صرف هذه الأموال نقداً، على عكس ما يحدث في المحفظة المفتوحة. وقد حصلت الشركة في الآونة الأخيرة على موافقة مبدئية من البنك المركزي المصري للحصول على ترخيص محفظة مفتوحة.

وفي الوقت نفسه، تدفع شركة كريم بمحفظتها "المغلقة التي تعتمد على طريقة الند للند" وتأمل أن تصبح في النهاية المحفظة الرقمية المفضلة في المنطقة. وتشير الشركة إلى أن رحلة واحدة من بين كل ثلاث رحلات يحجزها عملاء الشركة يُدفع ثمنها عبر Careem PAY، وأن العملاء الذين يدفعون الثمن نقداً يميلون الآن إلى الحصول على النقود الفكَّة المتبقية في شكل رصيد في المحفظة، بدلاً من أخذ عملات معدنية.

كما أن القدرة على صرف أموال نقدية من محفظة رقمية مفتوحة لها أهمية كبيرة في هذا الجزء من العالم حيث يعتمد ملايين الناس على التحويلات المالية. فإذا قام عامل في دبي بشحن محفظته الرقمية لدى "كريم" أو "حالاً" ثم حوَّل أموالاً إلى أسرته في القاهرة، فإن المحفظة المفتوحة ستسمح لأسرته بتسلُّم الأموال نقداً بدلاً من أن يقتصر استخدام تلك الأموال على شراء المنتجات والخدمات المتاحة على التطبيق. وإذا تمكنت شركة كريم من الحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة لامتلاك محفظة مفتوحة، فسوف يُمكِّن ذلك الشركة من أن تصبح إحدى أكبر الجهات الفاعلة في مجال الشمول المالي بالمنطقة.

نهج مختلف

يقدم حالياً كلُّ من تطبيق "كريم" وتطبيق "حالاً" عدداً مُحدَّداً من الخدمات التي تعتمد على البنية التحتية الخاصة بخدمات حجز سيارات الأجرة والخدمات اللوجستية، ولكن هناك شركة ناشئة في دولة الإمارات تأمل أن تصبح التطبيق الفائق للمنطقة من خلال تقديم عدد غير محدود من الخدمات. إنها شركة Yanzo، التي خرجت من تحت عباءة برنامج "ومضة إكس"، وهي أقرب إلى المساعد الشخصي الرقمي من كونها تطبيقاً، ويمكنها تنفيذ أي طلب يأتيها من العملاء. ومن الأمور الفارقة أن Yanzo لا تمتلك تطبيقاً مستقلاً خاصاً بها، بل بمجرد أن يقوم المستخدم بإنشاء حساب وتقديم طريقة الدفع المفضلة لديه، يكون تواصله مع الشركة بعد ذلك عبر تطبيق واتسآب.

يقول طارق عثمان، أحد مؤسسي Yanzo ورئيسها التنفيذي: "Yanzo منصة محادثات عملية، فهي مثل التحدث إلى شخص يعرفك ويلبي طلبك على نحو شخصي بناءً على ما يعرفه عنك وعن طلبتاك السابقة. ولا شك أن القوة الخارقة لمنصة Yanzo تكمن في إنجاز كل ما يطلبه العميل".

وبالتعاون مع عدد كبير من الشركاء، منهم تجار تجزئة لا يبيعون منتجاتهم عبر الإنترنت، يتولى فريق Yanzo إجراء البحث المطلوب لتلبية طلب العميل، ويُحدِّد مُقدِّم الخدمة المناسب، ويضع قائمة مختصرة بخيارات تنفيذ الطلب. فإذا كان العميل يريد أن يستضيف حفلة مثلاً، فسوف تُحدِّد له Yanzo جميع مُقدمي الخدمة الذين يمكنهم تلبية متطلباته، بدايةً من استئجار الأثاث وشراء البالونات والكيك وحتى تصميم دعوات الضيوف. ويحدث كل ذلك عبر واتسآب، وستقوم شركة أخرى بتوصيل كل شيء إلى العميل مباشرةً.

يقول طارق عثمان: "إنها خدمة ذات طابع شخصي، وليست مجرد قائمة منسدلة يختار منها العميل من يناسبه، بل تبدأ رحلة العميل بالبحث لتحديد وفهم ما تبحث عنه لكي نتأكد من حصولك على الشيء أو العنصر المناسب. ولا يوجد هذا البحث في التطبيقات الفائقة الأخرى، بل لديهم قائمة بالموردين، ولا يستطيعون أن يخبروك هل بإمكانهم إنجاز الأمر بالطريقة التي تريدها أم لا".

وهذا المستوى العالي من المواءمة حسب الاحتياجات الشخصية ساعد على ارتفاع معدلات احتفاظ شركة Yanzo بعملائها ومستخدميها. يقول طارق عثمان: "ما تقدمه التطبيقات الفائقة هو قائمة، ولا يوجد تفاعل أو إضفاء للطابع الإنساني على العملية، وعلى العميل أن يقوم بنفسه بعمليات الاختبار وتقديم العروض والبحث".

وللبيانات الخاصة بعادات المستخدمين وطلباتهم أهمية بالغة في استراتيجية Yanzo. بل ربما تكون البيانات في الواقع هي أغلى سلعة متاحة لجميع التطبيقات الفائقة. يقول منير نخلة: "المستثمرون يُقيِّمون التكنولوجيا، لكنهم في نهاية المطاف يُقيِّمون البيانات. وكلما تعمقتُ في هذا المجال، رأيتُ أن بيانات المستهلكين لها قيمة أكبر من أي نوع آخر من البيانات".

إن فهم عادات كل شخص ورغباته واحتياجاته وتوقعها حتى قبل أن يتصرف هو بمقتضاها يؤدي إلى تحسين إضفاء الطابع الشخصي على الخدمات والمنتجات، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى جعل الشخص ينقر على زر "الشراء". إلا أن ذلك قد يُزعِج بعض المستهلكين.

يقول طارق غبار، أحد مؤسسي "بوينت تشيك آوت"، وهي بوابة دفع إلكترونية مقرها دولة الإمارات وتسمح للعملاء باستخدام نقاط المكافآت والأميال الجوية في شراء سلع عبر الإنترنت: "إن التطبيقات الفائقة في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتع بميزة كبيرة يمكن أن تساعد على تعزيز نمو هذه التطبيقات، ألا وهي قلة المنافسة وعدم وجود قوانين بشأن خصوصية البيانات، والذي يمنح التطبيقات الفائقة ميزة كبيرة لتنمو وتستخدم البيانات كما تريد في استهداف العملاء (بشكل غير عادل) ضد الجهات الأصغر، فسيكون لديها قريباً كثيراً من المعلومات التي يمكن أن تشاركها وتبيعها من أجل تجارب ذات طابع شخصي أكبر، مما سيخلق احتكارات".

والدولة الوحيدة التي لديها قانون شامل بشأن خصوصية البيانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي البحرين، ولكن هناك دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة تدرس حالياً تطبيق قانونها الخاص المماثل لقانون الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات العامة. 

نجاح فائق؟

حينما ينظر المستثمرون أين يضعون أموالهم، فإنهم إما يتبعون أحاسيسهم الداخلية، وإما يقومون بإجراء بحوث سوقية أو يدرسون إمكانات الفريق. ولكن ربما توجد طريقة أسهل لقياس مدى النجاح الذي ستحققه تكنولوجيا ما – وهي إلقاء نظرة على عادات الأثرياء.

فمن طبيعة النفس البشرية أنها ترغب في محاكاة أسلوب حياة الطبقات العليا من المجتمع. فحينما كانت للأثرياء سياراتهم الخاصة وسائقيهم، وفرت التكنولوجيا لعامة الناس نفس الشعور من خلال حجز سيارات الأجرة. وحينما كان الأثرياء يستمتعون بالوجبات التي يعدها لهم طهاة خاصين بهم، أتاحت التكنولوجيا لعامة الناس أشهى المأكولات العالمية من خلال توصيلها لهم بمجرد الضغط على بضعة أزرار. بل حتى خدمات التعليم والاستثمار والرعاية الصحية وما شابهها أصبحت شبكة الإنترنت توفرها للجميع دون تمييز.

ويمتلك الأثرياء الوسائل التي تُمكِّنهم من توظيف أشخاص يفعلون لهم ما يشاؤون، لكن لا يملك بقية العالم سوى الاعتماد على التكنولوجيا. ولذلك إذا كان الأثرياء قد يوظفون خادماً شخصياً أو مساعداً خاصاً، فإن التطبيقات الفائقة هي البديل التكنولوجي الذي يستعين به عامة الناس لأداء الأعمال الروتينية ولتبسيط حياتهم اليومية.

ويُعدّ تبسيط الحياة اليومية فكرة جذابة للمستخدمين، ولكن أي تطبيق فائق سيحتاج إلى تقديم خدمات كافية للاحتفاظ بالعملاء، أما اقتصاديات الوحدة فإنها ستعتمد على السوق والقطاع. وفي حالة شركة "كريم"، التي يعيش سائقيها في دبي ويقودون سيارات لكزس لتوصيل الطلبات، ستكون التكلفة أكبر بكثير من تكلفة شركة "حالاً" التي تقوم بتوصيل الطلبات عبر دراجات نارية. وللتوصيل تكلفة باهظة لا تزال الشركات تدعمها. وقد استحدثت شركة "كريم" خوارزمية جديدة تسمح للسائقين بنقل البضائع والأشخاص من نفس المكان مما يتيح لهم "كسب المزيد من المال" وتقديم سعر أفضل للعملاء في نهاية المطاف نتيجة لزيادة معدل الاستعانة بسائقيها.

يقول مدثر شيخة: "سيزيد ذلك من كفاءة الوحدة الاقتصادية في شركة كريم. وسنعمل على تحسين جذب مستخدمينا من خلال إتاحة خدمات متعددة على التطبيق الفائق، وسترتفع معدلات الاحتفاظ بالعملاء، ونتوقع أن يساعد ذلك على زيادة أرباحنا. ونعتقد أن ذلك سيساعدنا على الظهور كمنصة أكثر استدامة".

وفي نهاية المطاف، لا بد لنجاح أي تطبيق فائق الحصول على موافقة تنظيمية تسمح له بالعمل في القطاعات المختلفة التي يقتحمها، ولا بد أن يقدم للمستخدمين بيئة سهلة الاستخدام وقائمة على الثقة. فهذه هي الطريقة الوحيدة للاحتفاظ بالعملاء والحفاظ على تفاعلهم وإنفاقهم على منصة واحدة.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.