English

الاتجاهات المتوقعة في عام 2022

English

الاتجاهات المتوقعة في عام 2022
الصورة عبر Shutterstock

 بعد عامين من استمرار عدم اليقين، تلاشى تمامًا تردُّد المستثمرين الذي ساد في بداية الجائحة، فحصلت شركات ناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تمويل يقارب 3 مليارات دولار في عام 2021، وهو مبلغ قياسي بالنسبة للمنطقة. ونتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في العام الجديد مع مزيد من الصفقات والشيكات الأكبر (خاصة في الجولتين التمويليتين الثانية والثالثة) مع نمو البيئة الحاضنة وارتفاع تقييمات الشركات في المنطقة. وقبل الجائحة، كانت تقييمات المرحلة المبكرة تتأرجح حول 5 ملايين دولار، أما اليوم فتتراوح من 10 ملايين إلى 15 مليون دولار للشركات الناشئة في مرحلة التأسيس. 

وقد أثبتت الشركات الناشئة قوة عزيمتها وأهميتها في العصر الرقمي، وتحظى الشركات التي لديها أموال باهتمام أكبر. وفي الآونة الأخيرة، رأينا المزيد من المكاتب العائلية تهتم بصناديق رأس المال الاستثماري، وسيستمر ذلك خلال هذا العام، جنباً إلى جنب مع الشركات العائلية والمؤسسات التي تعمل بشكل أكبر مع الشركات الناشئة، سواء من خلال الاستثمارات المباشرة أو الشراكات أو إنشاء المشاريع. كما أن الأفراد أصحاب الثروات الضخمة في المنطقة، الذين يرغبون في تنويع محافظهم الاستثمارية وزيادة استثماراتهم في مجال التكنولوجيا، من المحتمل أن يصبحوا "مستثمرين ملائكة خارقين" (super angels) أو أن يؤسسوا صناديق فردية محدودة الشراكة، فيتجنبوا المستثمرين المغامرين التقليديين ليتمكنوا من التحكم في استثماراتهم بشكل أكبر. وسيركز هؤلاء الأفراد بشكل أساسي على مجالات معينة، وسيوفرون للشركات الناشئة مستثمرين خبراء في أحوال السوق المالية وشبكات وخبرات قيّمة في مجالهم. 

وسوف تتوجه أيضاً أنظار صناديق الثروة السيادية إلى المنطقة. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، أصبحت تلك الصناديق من المستثمرين النشطاء في صناديق رأس المال الاستثماري العالمية وفي الشركات الناشئة، ولكن سيشهد هذا العام اهتماماً أكبر بالعروض في المنطقة. وسوف يقود هذه المسيرة صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، وشركة مبادلة للاستثمار بأبوظبي، وصندوق أبوظبي للنمو (ADQ). ويُعدّ كلٌّ من صندوق الاستثمارات العامة وشركة مبادلة أكبر المساهمين في صندوق رؤية سوفت بنك الأول، الذي وُزِّع بالكامل دون أي استثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي الواقع، توسعت في منطقة الشرق الأوسط شركات ناشئة عالمية عديدة استفادت من هذا الصندوق، حيث تتنافس مع الشركات المحلية في المنطقة. لكن هذا التوسع تراجع إلى حد ما مع صندوق رأس المال الاستثماري الياباني الثاني، الذي قاد جولتين ضخمتين في الشرق الأوسط العام الماضي - هما الجولة التمويلية الثالثة لشركة كيتوبي بقيمة 415 مليون دولار، والجولة التمويلية الثانية لشركة يونيفونيك بقيمة 125 مليون دولار

وستصبح هذه الجولات التمويلية الضخمة، التي يدعمها مستثمرون دوليون كبار، أكثر شيوعاً في هذا العام. فقد أنشأت شركة سيكويا كابيتال فرعاً لها في دبي، وهي تدرس الآن الاستثمار في المنطقة بعد استثمارها في شركة تيلدا المصرية للتكنولوجيا المالية. وفي ضوء اهتمام اثنين من أكبر الأسماء في مجال رأس المال الاستثماري بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكننا أن نتوقع قدوم مستثمرين دوليين آخرين، وقد يكون قدومهم بطيئاً لكنه مُؤكَّد. 

وسيؤدي هذا المستوى من الاستثمار والجولات التمويلية الأكبر والنمو السريع لقطاع الشركات الناشئة إلى ظهور مزيد من الشركات المليارية في المنطقة، رغم أن بعض التقييمات ستكون بلا شك مُبالَغاً فيها، والبعض الآخر سيكون مُستحَقاً عن جدارة. ويمكننا أن نتوقع ظهور ثلاث شركات مليارية على الأقل في هذا العام، وستكون على الأرجح في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين بذلت حكومتهما جهوداً متضافرة لإنشاء شركات مليارية في أسواقهما. فأطلقت الإمارات العربية المتحدة مبادرة "موطن ريادة الأعمال'' التي تسعى إلى إنشاء 20 شركة مليارية بحلول عام 2031، بينما يتطلع صندوق رأس المال الجريء التقني (STV) في المملكة العربية السعودية إلى جمع مليار دولار لتعزيز ودعم إنشاء مزيد من الشركات المليارية في المنطقة. 

وقد خطت المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة في توفير خيارات تمويل بديلة للشركات الناشئة. فبدأت في الآونة الأخيرة تدفع سوقها الموازية (نمو). وقد شهدنا بالفعل طرح أسهم شركة "جاهز" للاكتتاب العام الأولي في السوق الموازية (نمو)، حيث جمعت ما يزيد على 400 مليون دولار، وتستعد شركة عِلم المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة لطرح 30% من أسهمها هذا العام. وبعد الضجة التي ثارت في العام الماضي حول شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، من المرجح أن تصبح الاكتتابات العامة الأولية مساراً أكثر جاذبية لخروج الشركات الناشئة، ويؤدي ذلك إلى بقاء رؤوس الأموال في المنطقة ويسمح للشركات الناشئة بأن تظل مستقلة. وخير مثال على ذلك هو شركة فوري المصرية، التي تواصل إحداث تأثير إيجابي على البلد بعد إدراجها في البورصة المصرية في عام 2019، وتزيد قيمتها السوقية اليوم على مليار دولار. ولكن قبل أن تتمكن بورصات المنطقة من إغراء الشركات الناشئة لطرح أسهمها، هناك كثير من عقبات السيولة النقدية والعقبات التنظيمية التي يجب حلها أولاً. 

ومع ذلك، سيظل الاستحواذ، من قبل شركة عالمية في الغالب، هو طريق الخروج الأرجح لمعظم الشركات الناشئة. ومن المحتمل أن نشهد حدوث مزيد من عمليات الدمج والاستحواذ في المنطقة من شركات عالمية ترغب في الاستفادة من المنطقة. وقد رأينا بالفعل شركة المطابخ السحابية التي يقع مقرها في الولايات المتحدة "ريف تكنولوجي" (وهي شركة ناشئة أخرى مدعومة من سوفت بنك) تستحوذ على شركة iKcon الإماراتية بينما استحوذت شركة Stillfront السويدية على شركة جواكر الأردنية الناشئة للألعاب مقابل 205 ملايين دولار. 

وفي العام الماضي، سلطنا الضوء على المملكة العربية السعودية بوصفها سوقاً تنبغي مراقبتها نظراً لازدهار نشاط الشركات الناشئة في المملكة. وقد أظهرت الجهات التنظيمية، لا سيما في قطاع التكنولوجيا المالية في المملكة، استعدادها للعمل مع الشركات الناشئة في إطار سياسة مصرفية مفتوحة قيد الإعداد، ومن المحتمل أن تصبح المملكة مركزاً إقليمياً للتكنولوجيا المالية في المستقبل القريب. وسوف يُحدِث ذلك موجةً متتابعةً من التأثيرات في شتى أنحاء المنطقة، حيث تحاول الأسواق الأخرى مواكبة واقع التكنولوجيا المالية المتطور باستمرار. وسوف تستمر الرقمنة التي شهدها العامان الماضيان، ولن يتمكن القطاع المصرفي والمالي من الإفلات منها. فنجاح البنوك الرقمية الجديدة وغيرها من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية بشتى أنحاء العالم يسلط الضوء على إمكانات التكنولوجيا المالية في حالة تخفيف اللوائح التنظيمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع المساعدة أيضاً على الحد من ارتفاع معدلات الإقصاء المالي. 

ولأن المستهلكين أصبحوا أكثر اعتياداً على إجراء معاملاتهم المصرفية والمالية عبر الإنترنت، فمن المحتمل أن نشهد اهتماماً أوسع بالتداول عبر الإنترنت وبالعملات المشفرة. وسيشهد هذا العام زيادة انتشار العملات المشفرة في الشرق الأوسط، خاصةً بعد الارتفاع الصاروخي لعملة البيتكوين والجولات التمويلية الكبيرة التي فازت بها عدة شركات ناشئة في مجال تبادل العملات المشفرة في المنطقة، ومنها BitOasis. 

وبنفس الطريقة التي تلغي بها العملات المشفرة مركزية القطاع المالي، سوف تؤدي تقنية Web 3.0، القائمة على تقنية سلسلة السجلات المغلقة (بلوكتشين)، إلى إلغاء مركزية الإنترنت. فسوف تمنح المستخدمين قدراً أكبر من التحكم في بياناتهم، الذي يقع اليوم في أيدي عدد قليل من عمالقة الإنترنت مثل جوجل وأمازون وفيسبوك. ورغم أنه من المستبعد أن يكون للمنطقة دور كبير في تطوير تقنية Web 3.0، سنشهد ظهور شركات ناشئة في هذا المجال وسيتعين على الجهات التنظيمية أن تدرك دورها، إن وجد. 

وأخيراً، ستُصبح التطبيقات الفائقة مستخدمة على نطاق أوسع في المنطقة، بداية من تطبيق "كريم". فتوفير العديد من السلع والخدمات للمستخدمين على منصة واحدة يقدم مستوى الكفاءة والسهولة الذي يطلبه المستهلكون اليوم ويحتاجون إليه. فها هي استراتيجية شركة "كريم" المتمثلة في تقديم كل شيء بدايةً من توصيل الطعام وصولاً إلى تحويل الأموال قد أدت في العام الماضي إلى تضاعف عدد العملاء الذين يستخدمون خدمات متعددة على منصتها بمقدار مرتين ونصف. وهناك العديد من التطبيقات الفائقة الأخرى في المنطقة ومن المرجح أن يظهر المزيد منها، وبعضها يُركِّز على سوق متخصصة بعينها، والبعض الآخر يقدم مجموعة متنوعة من الخدمات في محاولة للاستحواذ على حصة أكبر من السوق. كما أن هذه التطبيقات الفائقة سوف تُتيح لتُجّار التجزئة التقليديين فرصة الوصول إلى الجمهور الذي يقع أسير الإنترنت مع الاستفادة مما تتيحه المنصة من حلول التوصيل والتكنولوجيا المالية في بيع سلعهم عبر الإنترنت.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.