English

الصناديق الناشئة.. الرهان الصعب لمكاتب الاستثمار العائلي

English

الصناديق الناشئة.. الرهان الصعب لمكاتب الاستثمار العائلي

تحظى مكاتب الاستثمار العائلي في المنطقة باهتمام متزايد من مديري الصناديق الناشئة في مجال رأس المال المغامر، وهم المستثمرون الجدد الذين يديرون صناديق صغيرة أو في بداياتها، وذلك بفضل وعود تحقيق عوائد استثنائية وفرص الوصول المبكر إلى الجيل القادم من الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها السوقية مليار دولار (اليونيكورن). ورغم أن البيانات تشير إلى أن هذه الصناديق الناشئة يمكن أن تحقق أداءً أفضل من الصناديق الاستثمارية الكبرى والمستقرة، فإن الواقع أكثر تعقيدًا ومحفوفًا بالمخاطر مما تصوّره الصورة المتفائلة التي تروّج لها صناعة الاستثمار.

يأتي هذا المقال ضمن سلسلة "ومضة" حول الدور المتغيّر لمكاتب الاستثمار العائلي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فبعد أن تناولنا في مقالات سابقة دور المستشارين الماليين والمخاطر المرتبطة بالاستثمار المباشر في الشركات الناشئة، نركّز هنا على صعود مديري الصناديق الناشئة والتحديات التي تواجهها المكاتب عند تقييمهم.

عوائد مرتفعة ومخاطر أعلى

تُظهر دراسات عدّة أن مديري الصناديق الناشئة - وغالبًا هم الذين يجمعون صندوقهم الأول أو الثاني- حققوا تاريخيًا معدلات عوائد داخلية (IRR) متوسطة أعلى من نظرائهم في الصناديق الاستثمارية الكبرى والمستقرة. ويرجع ذلك إلى حجم صناديقهم الصغيرة وتركيزهم على مجالات استثمار محددة ورغبتهم القوية في إثبات أنفسهم، ما يدفعهم إلى اتباع نهج أكثر جرأة وتفاعلًا مع استثماراتهم.

وكما يوضح كريستوفر أوو، وهو مستشار لمكاتب عائلات ثرية: " قد يحقق مديرو الصناديق الناشئة أداءً أفضل من الصناديق الكبرى، لكن هذه ليست القصة كاملة، فبينما ينجح بعضهم في تحقيق عوائد استثنائية، تخفق صناديق كثيرة في محاولاتها الأولى وتحقق نتائج ضعيفة.

وهنا تكمن المفارقة، فبينما يحقق أفضل مديري الصناديق الناشئة أداءً يفوق التوقعات، تبقى نتائجهم متباينة بدرجة أكبر بكثير مقارنة بالصناديق الكبرى. ويضيف كريس: " وهم النجاح يعقّد الصورة، فقصص النجاح تتصدر العناوين، بينما تختفي معظم الإخفاقات بعيدًا عن الأنظار.

تحدي اختيار مديري الصناديق الناشئة

غالبًا ما يكون لدى مديري الصناديق الناشئة الكثير ليخسروه، سواء على المستوى المهني أو الشخصي، وهو ما يجعلهم أكثر اندفاعًا ومرونة وتخصصًا. هذه التركيبة تمنحهم قدرة أكبر على الوصول إلى صفقات استثمارية فريدة غالبًا ما تكون بعيدة عن متناول الصناديق الكبرى. كما أن صغر حجم صناديقهم يمنحهم ميزة إضافية، إذ يمكن لصفقة ناجحة واحدة فقط أن تُحدث فرقًا كبيرًا في أداء الصندوق. وكما يوضح كريس: "السبب الرئيسي وراء نجاح بعض مديري الصناديق الناشئة هو حجم الصندوق. فمع الصناديق الصغيرة، يمكن لانتصارين فقط أن يعيدا كامل رأس المال المستثمر. أما الصناديق الأكبر، خصوصًا في المراحل المبكرة، فتحتاج إلى عدد أكبر بكثير من النجاحات للوصول إلى نقطة التعادل."

ويبقى التحدي قائمًا، فبالنسبة إلى مكاتب الاستثمار العائلي التي تدير رؤوس أموال كبيرة، فإن نجاح عدد محدود من الصناديق الصغيرة لا يترك عادةً أثرًا جورهيًا على أداء المحفظة الاستثمارية ككل. كما أن التباين الكبير في أداء مديري الصناديق الناشئة يجعل من الصعب وضع استراتيجية متماسكة وفعالة.

توزيع المخاطر أم الرهان المركز؟

بالنسبة إلى مكاتب الاستثمار العائلي، لا يكمن التحدي في العثور على المدير الاستثنائي القادم بقدر ما يكمن في إدارة المخاطر.وينصح كريس بالتعامل بحذر، ويقول: "يفضَّل أن تتجنب مكاتب الاستثمار العائلي تمويل الصناديق الأولى ما لم تكن تبني محفظة متنوعة منها. أما إذا كان الرهان على صندوق أو اثنين فقط، فيجب التأكد من أن للمدير سجلًا ناجحًا. تمويل ثلاثة أو أربعة صناديق ممكن، لكن فقط إذا أثبت المديرون كفاءتهم سابقًا."

ورغم أن إغراء دعم مدير ناشئ "كاريزمي" قد يبدو قويًا - خاصة في أسواق تلعب فيها هذه المكاتب دور المستثمرين الرئيسيين - فإن الواقع مختلف، حيث أن معظم الصناديق الأولى لا تحقق عوائد مميزة، وأي رهانات خاسرة قد تؤدي إلى خسائر سريعة في الثروة.

حين يصبح الهروب من المخاطر مجازفة أخطر

تحاول بعض مكاتب الاستثمار العائلي تجنّب مخاطر الاستثمار في الصناديق عبر المشاركة في صفقات استثمارية مباشرة مع مديري الصناديق الناشئة، لكن هذا الخيار قد يكون أكثر خطورة. يحذّر كريس من الاندفاع: "بعد الميراث أو بيع الأصول، تميل بعض العائلات إلى استثمار مبالغ تفوق قدرتها على تحمّل المخاطر. الثروة يمكن أن تتبخّر سريعًا إذا فشلت صفقات الاستثمار المباشر. كما أن هذه الاستثمارات ليست سلبية كما يظن البعض، فهي تحتاج إلى متابعة نشطة وإدارة دقيقة، وهو أمر لا يجيده كثيرون."

ويضيف كريس أن النهج الأكثر استدامة هو بناء محفظة متنوعة، ذات إدارة شبه سلبية، تعتمد على توزيع المخاطر بدل الانغماس في صفقات فردية عالية التعقيد.

الخلاصة: قرارات محسوبة لا اندفاعية

نجاحات مديري الصناديق الناشئة في مجال رأس المال المغامر حقيقية في بعض الحالات، لكن الأرقام المبهرة لا تعني بالضرورة فرصًا مضمونة. بالنسبة إلى مكاتب الاستثمار العائلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الطريق الآمن ليس مطاردة "المدير الصاعد" القادم، بل بناء استراتيجيات مدروسة تقوم على الانضباط في اختيار الصناديق وتنويع الاستثمارات والإدارة الواعية للمخاطر بدل الاندفاع وراء موجة الحماس.

وكما يلخص كريس: "العائلات التي تنجح هي تلك التي تطرح الأسئلة الصحيحة وتستعين بالخبراء وتُدرك ما لا تعرفه".

____________________________________________________________________________________________________________________________

يأتي هذا التقرير ضمن سلسلة متواصلة نسلّط فيها الضوء على كيفية تفاعل مكاتب الاستثمار العائلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع صناديق رأس المال المغامر ورأس المال الخاص وأشكال التمويل البديلة. ترقّبوا المزيد من التحليلات خلال الأسابيع المقبلة.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.