English

ثقافة الفشل البنّاء: ما الذي يمكن أن تتعلمه الشركات الناشئة من فلسفة إيلون ماسك؟

English

ثقافة الفشل البنّاء: ما الذي يمكن أن تتعلمه الشركات الناشئة من فلسفة إيلون ماسك؟

مقال بقلم بهاء حمادي، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة Keel Comms

في الثقافة المؤسسية التقليدية، يُعامَل الفشل كأنه مرض مُعدٍ، بينما يتعامل إيلون ماسك معه كجزء أساسي من البحث والتطوير. فنموذج "الفشل السريع" يوصلك إلى الحقيقة بشكل أسرع.

ففي الوقت الذي تُطلق فيه معظم الشركات مشروعها التجريبي، يكون إيلون ماسك قد حطم بالفعل ثلاثة نماذج أولية (سواء صواريخ أو سيارات أو برمجيات)، وأعاد تصميم النموذج الرابع وهو في الجو، ثم أطلق الخامس إلى المدار ومعه كاميرا GoPro مُثبتة عليه. قد تبدو فلسفة ماسك الشهيرة «افشل بسرعة» مجرّد حيلة من حِيَل وادي السيليكون، مثل تلك العبارات التي تتردّد في عروض الشركات الناشئة جنباً إلى جنب مع كلمات مثل إحداث خلل في السوق (Disrupt)، وتغيير المسار الاستراتيجي (Pivot)، والبلوكتشين. لكن إذا تعمّقت أكثر، ستكتشف أنها مبدأ جوهري للبقاء الاستراتيجي في عالم يتحرك بسرعة تفوق سرعة الصوت.

إعادة تعريف الفشل

في الشركات الكبرى يُعامَل الفشل كوصمة عار، فتُغرق الاجتماعات بالمصطلحات للتملص من المسؤولية، وتُمدّد الجداول الزمنية تحسبًا لأي خطأ، وبذلك تخنق الأفكار الجديدة قبل أن ترى النور. النتيجة: إمّا ركود ممل لكنه آمن، أو انهيار بطيء ومؤكد. أما ماسك فيعتبر الفشل مرحلة طبيعية من البحث والتطوير. في Spacex انفجرت الصواريخ على الهواء مباشرة. في TESLA صارت عبارة “جحيم الإنتاج” توصيفًا رسميًا لمرحلة محورية في تاريخ الشركة. وفي منصة X (تويتر سابقًا) عدّل استراتيجيته أمام العالم، بفوضى أحيانًا ونتائج كارثية أحيانًا أخرى، لكن دائمًا بهدف واضح. كل فشل يُسجّل، يُحلَّل، ويُبنى عليه. وهذا ما يُسمى بدورة المراجعة السريعة.

الفشل السريع لا يعني الفشل المطلق

من المهم توضيح أن الفشل السريع لا يعني الاندفاع الأعمى وراء أفكار رديئة، بل هو اختبار مدروس للفرضيات بأقل قدر ممكن من المخاطرة وبأعلى درجة من الوضوح. قال ماسك ذات مرة: "الفشل خيار هنا. إذا لم تكن هناك أشياء تفشل، فهذا يعني أنك لا تبتكر بما يكفي". لكنه لم يقل أبدًا إن التمسك بالجهل خيار. كل عملية إطلاق فاشلة في SpaceX تبعتها تحليلات دقيقة وإعادة تصميم ومراجعة شاملة للإجراءات. الهدف ليس السقوط بحد ذاته، بل أن تسقط وأنت تتعلم بالسرعة التي يفرضها الواقع.

الميزة الاستراتيجية للفشل السريع

كثير من المؤسسات الكبرى تقضي شهورًا، بل سنوات، في صقل منتج أو خدمة لا يريدها أحد، بينما يقودك نموذج “الفشل السريع” إلى الحقيقة بسرعة أكبر. سواء كان الأمر منتجًا أو خدمة أو سوقًا جديدة، فإن الإطلاق المبكر يعني إمّا أن تثبت صحة فكرتك أو تتعلم لماذا لن تنجح. وفي الحالتين أنت رابح. المنظمات التي تتبنى الفشل السريع تخلق ثقافة شجاعة؛ حيث يشعر أفراد الفرق بقدر أكبر من الأمان في التجريب، وطرح الأفكار الجريئة، والتحرك من دون شلل بيروقراطي. وفي القطاعات التي ينهار فيها الوضع القائم ويتغيّر العميل أسرع من خطتك الخمسية، تصبح القدرة على الاختبار والتعديل والتخلي عن الأفكار بسرعة ضرورة لا رفاهية. فبينما ينتظر منافسوك الموافقات الرسمية، تكون أنت قد جرّبت الإصدار الثاني بالفعل.

لكن الاحتفاء بالفشل بلا انضباط قد يرسّخ ثقافة هدر الموارد أو يُحبط الموظفين، إذا لم تُلتقط الدروس وتُطبّق بصورة منهجية. الفشل السريع يحقق أفضل نتائجه حين يقترن بجمع صارم للبيانات ومحاسبة واضحة وثقافة تميّز بين التجارب البنّاءة والأخطاء التي يمكن تجنّبها.

الموازنة بين السرعة والانضباط

رغم مزاياها، فإن مقاربة “الفشل السريع” ليست خالية من المخاطر. ففي القطاعات عالية التنظيم — مثل الرعاية الصحية أو الطيران أو الخدمات المالية — قد تؤدي السرعة المفرطة إلى تهديد السلامة أو خرق القوانين أو الإضرار بالسمعة. كما أن الفرق التي تحتفي بالفشل من دون انضباط قد تجعل الهدر أمرًا عاديًا أو تُحبط الموظفين إذا لم تُلتقط الدروس المستفادة وتُترجمها إلى تحسينات فعلية. لذلك فإن الفشل السريع ينجح فقط حين يقترن بجمع صارم للبيانات ومحاسبة واضحة وثقافة تميّز بين التجارب البنّاءة والأخطاء التي كان يمكن تجنّبها.

عقلية ماسك

إيلون ماسك شخصية مثيرة للجدل؛ قد تحبه أو تكرهه، لكن لا يمكن إنكار أنه بنى بعضًا من أجرأ المشاريع في العالم من خلال تأكيده أن الأنا لا يجوز أن تقف في طريق التقدّم. هو لا يخلط بين أن تكون مخطئًا وأن تكون غبيًا، وهذا ما يجعله أذكى من كثيرين. في النهاية، فلسفة “الفشل السريع” هي رهان على القدرة على التطور أسرع من انهيار صناعتك. لا بأس أن تتحطم بعض النماذج الأولية، أو أن تطلق فكرة غريبة، أو حتى أن تكون محل سخرية مرة أو مرتين. المسألة كلها تكمن في قدرتك على الإصغاء جيدًا، والتعلّم بسرعة، وإعادة المحاولة بجرأة متواضعة قد تنقذ عملك في النهاية.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.