English

الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف مستقبل العقارات في الإمارات

English

الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف مستقبل العقارات في الإمارات

مقال بقلم ميلاد منشيبور، المؤسس والرئيس التنفيذي لـAIR

في النصف الأول من 2025، سجّل سوق العقارات في دبي أكثر من 125 ألف صفقة بقيمة تجاوزت 431 مليار درهم، وفقًا للمكتب الإعلامي لحكومة دبي — بزيادة بلغت 25%  مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

ورغم الصورة المستقبلية للإمارات وسياساتها المتقدمة، جاءت هذه الأرقام عبر نظام وساطة عقارية تقليدي لم يشهد تغييرات جوهرية منذ عقود. فمع كل الحديث عن المدن الذكية والتحوّل الرقمي، لا يزال البائعون والمشترون يتعاملون مع تقييمات غير واضحة وبيانات متفرّقة وإجراءات يدوية تبطئ حركة السوق بدل تسريعها.

والسؤال هنا: كيف سيبدو السوق إذا انتقلت التكنولوجيا من دور مساعد إلى عنصر محوري في عملية البيع والشراء؟

منظومة يتكامل فيها الإنسان مع التقنية

تعتمد المرحلة المقبلة في السوق العقاري على نموذج جديد يعمل فيه وكلاء العقار داخل منظومة ذكية مترابطة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. تتولى هذه التقنيات تحليل البيانات وإدارة سير العمل وتنظيم الخطوات وتحديد الوقت الأنسب لتنفيذها، بينما يركّز وكلاء العقارات على ما لا يمكن للآلة القيام به: فهم العملاء ودوافعهم والظروف المحيطة بكل صفقة.

بهذا الأسلوب، يصبح السوق أوضح وأسرع، وتصبح عملية البيع والشراء أقرب إلى تداول الأصول المالية من حيث الدقة وسهولة إتمام الصفقات. ولا يتعلق الأمر بتسريع الإجراءات فقط، بل بإعادة تشكيل تجربة البيع والشراء كلها. فكلما انخفضت التعقيدات وزادت الشفافية أصبحت عملية شراء العقار في الإمارات أسرع وأكثر سلاسة.

حدود النموذج الحالي

أصبح ازدهار السوق العقاري في الإمارات في الوقت نفسه مصدر قوّة ونقطة ضعف. فمع ارتفاع الطلب، يتحوّل عدد كبير من وكلاء العقار إلى مجرّد منفّذين للصفقات، بدل أن يكونوا مستشارين يقدمون توجيه حقيقي. المستثمرون الذين يدفعون رسومًا مرتفعة لا يشعرون دائمًا بأنهم يحصلون على الخدمة التي يتوقعونها، بينما يقضي الوكلاء معظم وقتهم في البحث عن العملاء بدل التركيز على مساعدتهم بشكل فعلي.

وفي الوقت نفسه، تضخّمت كمية البيانات العقارية — من القوائم والأسعار واتجاهات الطلب إلى السجلات التاريخية — إلى درجة تتجاوز قدرة التحليل البشري. وهذا يؤدّي إلى تقييمات غير دقيقة ومفاوضات غير متوازنة وفترات أطول لإتمام الصفقات، وهي نتائج لا تنسجم مع صورة الإمارات كبيئة سريعة وابتكارية.

أين يصنع الذكاء الاصطناعي قيمة حقيقية؟

يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي معالجة كميات ضخمة من البيانات واستخلاص الأنماط وأتمتة المهام المتكررة. وفي القطاع العقاري، تظهر قيمته في ثلاث مراحل أساسية:

  • الوصول إلى البائعين: يستطيع الذكاء الاصطناعي تحديد أصحاب العقارات المحتملين من خلال تحليل سلوك المشترين والفجوات في السوق والبيانات التاريخية، ثم توليد رسائل مخصّصة أكثر فاعلية من أساليب توليد العملاء التقليدية.
  • إدارة المشترين: من خلال تحليل البيانات السلوكية وتفضيلات العملاء وما يحتاجونه فعليًا، يساعد الذكاء الاصطناعي وكلاء العقار على فهم المشترين بدقة أكبر وربطهم بالعقارات المناسبة. وتدعم تقنيات مثل التعرف على الصور وتحليل البيانات المتقاطعة هذا النوع من المطابقة الدقيقة.
  • إتمام الصفقة: توفر نماذج التقييم المدعومة بالذكاء الاصطناعي تقارير واضحة تجمع بين اتجاهات السوق وتقديرات الأسعار وبيانات الأحياء، ما يسهّل التفاوض ويجعله أسرع وأكثر عدلًا.

ولا تهدف هذه الأنظمة إلى استبدال وكلاء العقار، بل إلى تعزيز أثرهم، بحيث يركّزون على الجانب الإنساني من العملية — مثل فهم العميل والتفاوض وتقديم المشورة — بينما تتولّى الأتمتة المهام الثقيلة المعتمدة على البيانات.

انتقال طبيعي وسلس

تتميّز المرحلة الجديدة في التحوّل الرقمي بالانتقال من مجرد رقمنة الإجراءات إلى منصات تُبنى من الأساس على الذكاء الاصطناعي. فبينما ركّزت حلول العقار الأولى على تحويل القوائم والوثائق إلى نسخ رقمية، تعيد النماذج الحديثة صياغة رحلة المعاملة كاملة اعتمادًا على عمليات ذكية.

في هذا النموذج، يعمل الذكاء الاصطناعي كشريك في اتخاذ القرار: يوزّع المهام وينظّم الوقت ويتعلم باستمرار من حركة السوق. ومعه ينتقل القطاع إلى منظومة جديدة يتكامل فيها الإنسان والتقنية بشكل طبيعي وسلس.

لماذا تمتلك الإمارات موقعًا مميزًا للقيادة؟

تبدو الإمارات في موقع مثالي لقيادة هذا التحوّل. وكما ورد في الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "نريد أن تكون الإمارات الدولة الأكثر استعدادًا للذكاء الاصطناعي في العالم."

ومن خلال السياسات المرنة وتسهيل الإجراءات، وصلت الدولة إلى مستوى قريب من الأتمتة الكاملة لكثير من معاملات العقار، فيما تتيح مبادرات مثل تطبيق Dubai REST الوصول المفتوح إلى البيانات العقارية. وقلّة من الأسواق العالمية تمتلك هذا القدر من الجاهزية لانتقال يعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي.

من التقنيات العقارية إلى البنية التحتية الذكية

لا يقتصر اعتماد الذكاء الاصطناعي على تحسينات تدريجية، بل يشير إلى انتقال نحو بنية تحتية ذكية تُستخدم فيها البيانات باستمرار لتوجيه الاستثمار والتصميم والتطوير العمراني. وتمتد تطبيقاته إلى ما هو أبعد من الوساطة العقارية، ليشمل التخطيط الإنشائي وتقييم الأصول والصيانة التنبؤية — وهي عناصر رئيسية في رؤية الإمارات لمدن مستدامة وذكية.

وتُظهر التجارب الأولية في السوق أن هذا التحول قد بدأ بالفعل. وتكمن الفرصة الآن في بناء منظومة مشتركة تجمع الشركات الناشئة والمطورين والجهات التنظيمية والمستثمرين لوضع معايير جديدة للشفافية والكفاءة والثقة في القطاع.

مستقبل تصنعه التقنيات الذكية

مع استمرار جذب الإمارات للاستثمارات العالمية، يمكن للنماذج العقارية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أن تعيد تعريف السوق العقاري ليصبح مساحة تجمع بين الربحية والابتكار. فالجمع بين دقة التحليل التقني والجانب الإنساني في التعامل يفتح الطريق أمام سوق أسرع وأكثر عدلًا وشفافية، بما يجعل تجربة البيع والشراء معيارًا جديدًا لأسواق العقار حول العالم.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.