English

‎بناء رؤيا لريادة الأعمال في لبنان للعام 2020 – الجزء الثاني

English

‎بناء رؤيا لريادة الأعمال في لبنان للعام 2020 – الجزء الثاني

كما ناقشت في آخر مقالة لي، فإن بناء بيئة حاضنة للريادة، تسعى إلى تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في لبنان بشكل منتظم، يجب أن يشمل مساعدة الشركات الناشئة في الوصول إلى الأسواق الدولية، فالسوق المحلي صغير جداً ليدعم قطاعاً يتوسع بشكل متسارع.

ولكن من الضروري خلق بيئة أسهل، من شأنها أن تساعد الشركات على الانتقال من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي، وأن تساعد في زيادة عائدات الضرائب الحكومية. تخيّل بيئة حيث يمكن تسجيل شركة من شخص واحد خلال 24 ساعة على الإنترنت بكلفة 75 ألف ليرة (خمسين دولار) أو حتى أقل، ودفع ضريبة مخفّضة إلى حين بلوغ الشركة حجماً معيناً ودخلاً معيناً. وإنّ جعل عملية التسجيل بسيطة سيفيد أيضًا قطاع خدمات الشركات (مدققي الحسابات والمحامين وغير ذلك)، وبذلك سيستفيد الجميع من العدد المرتفع للشركات الناشئة.     

وفي ما يتعلّق بدورة حياة الشركة، فإن إقفال شركة يجب أن يصبح أقل عبئاً. ويجب أن تفسح البيئة التنظيمية المجال لآليات تسمح بتفادي الإفلاس، لأن الفشل هو جزء لا يتجزأ من دورة حياة الشركة. 

المخاطرة والفشل

تتقبل معظم الاقتصادات الداعمة للريادة الفشل إلا أنه يعتبر وصمة عار في لبنان. وفي حين أن أوروبا لا تزال تعتمد مقاربة محافِظة للريادة مقارنة بالولايات المتحدة على سبيل المثال، إلاّ أنّ ما يدلّ على تحقيق تقدّم هو أنّ الاتحاد الأوروبي قد اختار من بين مجموعة وضعت أخيراً لعشرة مبادئ في "صغّر أهدافك أولاً: قانون الشركات الصغيرة في أوروبا"، مبدأ يركّز على الإفلاس: "اضمن أن يحصل الرياديون الصادقون الذين يواجهون خطر الإفلاس على فرص ثانية بسرعة".   

نحن نتعلّم من أخطائنا. فحين يتحدث المرء إلى رياديين من وادي السليكون، يجد أن الرياديين يفشلون على الأقل مرة قبل أن ينجحوا في شركة. وبذلك فإنه ينظر بعين الشك إلى من لم يفشلوا إذ من الأساسي أن يكون لدينا ثقافة تتسامح مع الفشل. 

بالإضافة إلى ذلك، علينا أن نعالج مسألة المخاطرة. فمستوى القيام بخطوة مخاطرة في لبنان منخفض جداً. وحين نسمع عن أكاديميين ينصحون الطلاب بالحصول على وظيفة بدلاً من أن يحاولوا تطوير فكرة أو فرصة، لا يسعنا سوى أن نتساءل لماذا. غالباً ما لا تكون الفكرة التي تسعى إليها مثالية لعدة أسباب، ولكن الأمر الهامّ هو عدم إخماد شغف وتطلعات المواهب الشابة. وإن لم يكن لديهم الخبرة الضرورية، فلندعهم يعثروا عليها أو يوظفوها.

ما هو الأكثر خطورة؟ محاولة بدء شركة بعد الجامعة (مع الدعم المناسب الموجود في لبنان) حين لا يكون لدى الشخص الكثير من المسؤوليات، أم بدء الشركة بعد 5 أو 10 سنوات حين يكون لدى الشخص عائلة وموجبات مالية؟ قد لا يصبح الجميع ريادياً ويبدأ شركة، ولكن من لديه الدافع والشغف فيجب أن يعطى كل الدعم اللازم. وبدأنا نشهد تغيراً في السلوك في السنوات الماضية ولكن لا تزال الطريق طويلة.

تشجيع المغتربين

حين يتعلق الأمر ببناء منظمات قادرة على الاستمرار بعد مغادرة مؤسِّسها، فإن لبنان ما زال في الخلف. فلماذا ينجح اللبنانيون إلى هذا الحد خارج لبنان، في دول حيث البيئة الحاضنة تسمح لهم بأن يكونوا مبتكرين ورياديين؟ ولماذا لا يُعطَوا الفرص نفسها في لبنان ويُدفعوا للبقاء أو العودة من الخارج؟

وبعبارة أخرى، فإن المغتربين يمكن أن يكونوا أكبر رصيد لنا. ومع وجود الكثير من اللبنانيين في الخارج، غالباً في مواقع مهمة في المجتمعات التي يعيشون فيها، فإن لدى الرياديين اللبنانيين حليفاً عظيماً في بلاد الاغتراب. والعقبة الأكبر هي تحديد كيفية الاتصال بهؤلاء المغتربين والاستفادة منهم. والنموذج الذي يتضمن ذراع مبيعات وتسويق في بلد أجنبي يتمتع بسوق واسعة. إنّ جعل المقر الرئيسي، ومكتب الدعم أو البحث، ومركز التطوير موجودة في لبنان، وتوظيف أصحاب مهارات محليين، هو إحدى المقاربات التي أثبتت نجاحها (مثال على ذلك أمفيبول Amphipole ). وبإمكاننا الاستفادة من المغتربين كمصدر للتمويل ومستودع للخبرة وسوق، أو كمصدر للأفكار المبتكرة التي يمكن أن تُنقل لتنفّذ في لبنان.   

شراكة بين القطاعين الخاص والعام

لا يعاني الوضع في لبنان من الركود إجمالاً، بل تُبذل جهود لتحسين بيئة الأعمال هنا. ويدرك القطاعان الخاص والعام الحاجة إلى التغيير. ويمكن أن يتم التعامل مع بعض المسائل على المدى القصير، ما يساعد على جعل بيئتنا الحاضنة بمستوى البيئات الحاضنة في الخارج من دون أن تكون نسخة عنها. ولكننا نحتاج أن نلقي نظرة بعيدة المدى، كما ذكرت في مقالتي السابقة. وأقترح بشكل خاص أن نضع رؤيا لـ"لبنان 2020" لتحديد أي نوع من البيئة الاقتصادية يمكن أن يحقّق لبنان. نحتاج إلى تقييم أي قطاعات يمكن تعزيزها لكي تحقق نتائج أكثر استدامة، وما هي أنواع الفوائد التي يمكن أن تقوّى، بدءاً بمواطنينا المتعلمين والموهوبين. ويجب ألاّ تقود هذه الرؤيا إلى سياسات صلبة بل أن تخلق بيئة تنتج اقتصاداً متصاعداً وابتكارياً.

وعلى الرغم  من جميع المصاعب التي تواجهها البيئة الحاضنة للريادة، فهي تحقق تقدماً عظيماً في السنوات الخمسة الماضي حيث تدعمها المزيد من المنظمات التي تساند الشركات الناشئة أكثر من أي وقت مضى. ولكن إن لم نفعل شيئاً فسنواصل في تخفيف الزخم الذي حققناه. أما إن قمنا بشكل جماعي بوضع رؤيا للمستقبل، فسنكون قادرين على معالجة التحديات التي تواجهنا.  

لبنان أشبه بألماس خام، وجميعنا ندرك ذلك. ولكن إن بقي خاماً فسنكون قد فوّتنا فرصتنا. يقال إن "أفضل وقت لزرع شجرة كان قبل عشرين عاماً ولكن ثاني أفضل وقت هو الآن". إذاً حان وقت التحرّك. ونحن ندين بذلك إلى شباب لبنان وأطفاله. . 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.