English

الشرق الأوسط الجديد: المرأة في صلب البيئة الحاضنة الريادية

الشرق الأوسط الجديد: المرأة في صلب البيئة الحاضنة الريادية

أمضيت فصل الربيع الماضي أجوب الشرق الأوسط، من القاهرة إلى عمّان ومن بيروت إلى دبي، أستكشف مجتمع الشركات التكنولوجية الناشئة البارز، لكن غير المعروف كفايةً بعد. وازدَدْت حماسةً عندما اتضح لي أنّ المرأة الريادية هي المحرّك الأساس على الساحة العربية الريادية اليوم.

المرأة العربية تدير منصّة للترجمة العربية في بيروت، وتشرف على مؤسسات تجارة إلكترونية في عمّان، وتطلق مواقع إلكترونية تستهدف بها جمهور إقليمي وعالمي بعد تحقيق النجاح المحليّ عبر الأعمال التقليدية، كما تستخدم المرأة الرياضية السابقة التكنولوجيا لابتكار منتجات تشجّع على التمارين، وتبلور المرأة الأمّ منصّات إجتماعيّة تسهّل النفاذ إلى النصائح التعليمية الفضلى، وتستثمر المرأة المتمرّسة في ميدان التحرير خبرتها الفريدة في التحاور والتواصل الإجتماعي من أجل تأليف قصص مصوّرة بالفيديو عبر التعهيد الجماعيّ.   

سأعرّفكم في هذا المقال، وفي مقالات لاحقة، على بعض القصص الرائعة، المفاجئة والمألوفة في الوقت عينه، وعلى منطقة متغيّرة ينبغي أن تحثّنا نحن في الولايات المتحدة على متابعة أخبارها وإنجازاتها.

على غرار الكثيرين من زملائي في الغرب، تكوّنت في ذهني صورة مبسّطة أحادية غالبًا ما نراها عبر نشرات الأخبار، فظننت أنّ الشرق الأوسط، في أحسن أحواله، هو عبارة عن مجتمعات ذكوريّة، حيث يُحرَّم قانونًا على المرأة القيادة في السعودية مثلاً. لعلّ هذا الواقع موجود في أغلب الأحيان داخل العالم العربي الغنيّ بتنوّعه، إلاّ أنّ واقعًا آخر بدأ يأخذ منحىً متطوّرًا مختلفًا منذ سنوات.

ألييس نيلسون هي المديرة التنفيذية لمنظّمة "فايتل فويسز" (Vital Voices) غير الحكومية التي أسستها هيلاري كلينتون، والتي تركّز جهودها على التدريب والإستثمار في مشاريع المرأة القياديّة الصاعدة في العالم. تعتبر نيلسون اليوم أنّ التغيير الذي نشهده في منطقة الشرق الأوسط جزء من تحوّل عالميّ شامل، وتقول "إنّنا نلاحظ نجاح المرأة في مجاراة الرجل وفي سدّ الثغرة الموجودة على مستوى التنمية الإقتصادية وتعليم الفتيات. غير أنّنا لا زلنا نشهد في القرن الواحد والعشرين تأخّرًا ملموسًا للمرأة في مجالات القيادة والسلطة واتخاذ القرارات."

إستنتجت نيلسون أيضًا أنّ المرأة لا تحتلّ إلاّ أقلّ من 20% من المقاعد البرلمانية في العالم، والنسبة أقلّ في ما ينطبق على المواقع التنفيذية أو العضوية في مجالس إدارة الشركات الكبرى.

تشير نيلسون من جهة أخرى إلى أنّ "ديناميكيّة السلطة تبدّلت للغاية لحسن الحظّ خلال السنوات الأخيرة، نتيجة النفاذ السهل إلى شبكات التواصل الإجتماعي وأجهزة الهواتف المحمولة المتطوّرة. إنّ النجاح في تحقيق التأثير والتغيّر الحقيقي لم يعد محصورًا بالعمل داخل مكتب، بل أيضًا عبر حساب "تويتر". ولا يخفى على أحد أنّ التكنولوجيا تبدّل كلّ شيء، متخطّيةً الحواجز الثقافية التي كانت في زمن ما تعيق المرأة، ومحدثةً فرص ريادية نحو التغيير."

رغم كلّ التحولات وحالات عدم الإستقرار التي تعصف بالمنطقة، يبقى التوقيت هو الأنسب، نظرًا إلى أنّ الشرق الأوسط يعاني الأمرّين من مشاكل أزليّة مضاعفة، قد أدّت إلى نشوء مشاريع رياديّة في أسواق صاعدة أخرى.

أوّلاً، أدّت سهولة الحصول على التكنولوجيا إلى خلق مستوى عالٍ وغير قابل للإنعكاس من الشفافية والتواصل، والنفاذ غير المكلف إلى الأسواق ورؤوس الأموال، وهو واقع لم يكن له وجود منذ خمس سنوات. ثمّة جيل جديد بالكامل، في المنطقة كما في أماكن أخرى من العالم، لم يعرف يومًا العالم كما يعرفه الآن بعد تقدّم تكنولوجيا المعلومات، أي، وبمعنى آخر، يستوعب جيّدًا كيف يعيش الآخرين ويبتكرون فرصًا لأنفسهم، معوّلين على النفاذ السهل إلى الأدوات التكنولوجية والإجتماعية والتعاونيّة غير المكلفة، من أجل تأسيس الأعمال والوصول إلى زبائن جدد وأسواق كانت في ما مضى بعيدة المنال."

ثانيًا، يستفيد الجيل الحالي من رأس مال إقليمي وعالمي لا يخشى الخطر السياسي. إنّ الأسواق الصاعدة في بعض الدول (مثل البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وغيرها) التي مرّت بعشرين سنة من التجارب، والتي لم تكن قطّ تعتبر محرّكات إقتصادية محتملة منذ أقلّ من فترة جيل واحد، بدأت تعمد الآن إلى تقديم حلول موازية. كانت كلّ تلك البلدان، ولا زالت، غارقة في حالة التباس سياسي، تواجه حكومات غير شفافة وفسادًا وضعفًا في البنى التحتيّة. واليوم، تشير هذه السابقة في العائدات الإستثمارية المهمّة في الأسواق الناشئة، وعلى صعيد كلّ القطاعات، إلى أنّ فرصة التقدّم نحو اقتصاد مستدام ممكنة في الشرق الأوسط، وبوتيرة سريعة.

ثالثًا ونهايةً، بدأ التغيّر على مستوى ديناميكيّات السوق والنمو وفرص التطوّر في المنطقة قبل الربيع العربي بكثير. وكما أوضح الخبير في شؤون الشرق الأوسط فالي نصر، يفوق عدد سكّان العالم العربي 320 مليون نسمة، أي ضعف حجم البرازيل، ويملك إجمالي ناتج محلّي يتخطّى ناتجي روسيا والهند، بحيث يسجّل متوسّط نصيب الإنتاج للفرد الواحد ضعف المعدّل المسجّل في الصين. في السياق نفسه، ارتفع الدخل القابل للصرف بنسبة 50% خلال السنوات الثلاثة الماضية، ليتخطّى ترليون دولار عام 2012. السوق العربي يافع، يضمّ أكثر من 100 مليون فرد دون الخامسة عشرة من العمر، يعشقون التواصل والهواتف الجوّالة. بهذه الحالة، ستقارب نسبة استخدام الجوّال الـ100% في ثلاث سنوات، ناهيك عن أنّ نسبة استخدام وسائل التواصل الإجتماعي لامست 25% عام 2011، لترتفع بنسبة 125% سنة بعد سنة.

في خضمّ الأحداث والتطوّرات، تلعب المرأة دورًا محوريًّا أساسيًّا ينعكس في كلّ الدراسات التي تجري حول تأثير المرأة على المجتمع العالمي، لا سيما في تقرير العام 2012 حول التنمية والجندرة والمساواة، الذي صدر مؤخرًا خلال فصل الصيف عن البنك الدولي. وفقًا للتقرير، تساهم المرأة أكثر فأكثر في استحداث فرص العمل، رغم استمرار النواقص، وتحرِّك مجال ابتكار الأعمال والنشاط الإقتصادي المبنيّ على المستهلك في كلّ القطاعات. ولا يخفى على أحد إذًا، أنّ المرأة محفّزة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تأسيس أعمالها الخاصّة، وإلى المساعدة في بناء مجتمعات أكثر متانة في منزلها وفي المنطقة، بفضل النفاذ الواسع إلى التكنولوجيا.

أوضحت لي غادة هويدي، مديرة قسم التنمية المؤسساتية في كليّة الأعمال التابعة للجامعة الأمريكية في القاهرة، أنّ حركة رياديّة واسعة وغير رسميّة بدأت تتكوّن منذ حوالي عقد داخل مجتمع الشابات المصريّات. صحيح أنّ معظمهنّ أتين من مهن مختلفة، غير أنهنّ قرّرن إطلاق أعمال جديدة من المنزل. فأوضحت هويدي في هذا الشأن أنّ "ذاك النوع من الأعمال قد يبدأ على نحو تقليديّ، كخدمة تقديم الطعام، زينة المنازل أو تصميم المجوهرات، لكنّ النفاذ السهل إلى التكنولوجيا لا يساهم في تشغيل تلك الأعمال فحسب، بل يشجّع المرأة أيضًا على تأسيس أعمال إقليميّة، وحتى عالميّة."

شهدت من جهتها هالة فاضل سرعة هذا التغيير الذي انتشر في المنطقة. أسست المستثمرة العالمية التي تتنقّل بين باريس وبيروت "منتدى MIT للشركات في المنطقة العربية"، وأطلقت منذ خمس سنوات "مسابقة MIT لأفضل خطّة عمل من الشرق الأوسط". توقّعت فاضل 200 طلب مشاركة من الشرق الأوسط في السنة الأولى عام 2006، وإذ تفاجأت بالحصول على 1500. أمّا هذه السنة، فيشارك في المسابقة أكثر من 4500 فريق من ثلاثة أعضاء في الفريق الواحد، "أي ما يفوق 13 ألف رياديّ محتمل، بالإضافة إلى أنّ 48% من الفرق تضمّ نساء. أتحدّاك الآن أن تقول لي أي مسابقة في "وادي السيليكون" تضاهي هذا النوع من المشاركة؟"

ماذا تبتكر المرأة في العالم العربي إذًا؟ نميل نحن في الغرب إلى موازاة الريادة بالتكنولوجيا الجديدة، في حين تأخذ الريادة داخل المجتمعات الحديثة العهد في عالم التكنولوجيا أشكالاً مختلفة عبر تطوير التكنولوجيات الموجودة أصلاً لتطبيقها في مجالات جديدة.

من بين مساهمات النساء الرياديّات: صُعقت رنا كيّالي جرادنه الأردنيّة الأصل وشريكتها الأردنيّة السعودية لميا طبّاع بيبي لغياب الأفلام والفيديوهات التعليميّة للأطفال باللغة العربية عن شبكة الإنترنت، فأطلقتا موقع "المفكّرون الصغار" (Little Thinking Minds). وتوشك سارة جلال، الأم الشابة من مدينة الإسكندرية، على إطلاق موقع "الجنّة الحلوة" (سويتي هيفن Sweety Heaven)، بعد أن رأت منافع الإنترنت في تقديم طرق مسليّة وجديّة في الوقت عينه لكي يعمل الوالدان وأولادهم معًا عبر نظام السلوك الجيّد والمكافآت. وابتكرت المصريّة ياسمين المهيري أضخم بوّابة وشبكة تواصل مخصّصة للأمّهات، بعنوان "سوبر ماما" (SuperMama). وأطلقت للتو منظِّمة الأعراس والإحتفالات الأردنيّة سمر شوارب موقع "أرابيا ويدينجز" (Arabia Weddings) المميّز. واللائحة، مجدّدًا، تطول...

تسعى نساء أخريات إلى توسيع نطاق الأعمال ليشمل جميع القطاعات والمناطق العربية. على سبيل المثال، أسست مي حبيب، إحدى الرياديات الواعدات في المنطقة، خدمة الترجمة العربية قرطبة (Qordoba)، بعد أن رأت فرصة نجاح كبيرة، إذ أنّ العالم العربي يضمّ مئات الملايين من المتحدّثين باللغة العربية، في حين لا تبلغ نسبة المحتوى العربي على الإنترنت إلاّ 1%. حبيب التي نشأت في قرية زراعية صغيرة في لبنان ابتكرت خدمة الترجمة العربية بصيغة مميّزة، وتستعدّ لإطلاق خدمة جديدة عمّا قريب تتركّز على الكتب المترجمة. أمّا رشا خوري، اللبنانية الأصل أيضًا، والمتنقّلة الدائمة بين بيروت ولندن، فأطلقت أوّل موقع تجارة إلكترونية للسلع الكماليّة باللغتين العربية والإنكليزية "ديا ستايل" Dia-Style.

يرى الكثير من المصريين والمصرّيات، بناءً على تجاربهم في مجال شبكات التواصل الإجتماعي خلال ثورات الربيع العربي، أنّ الطريق مفتوحة أمام المتحدّثين باللغة العربية أو بأي لغة أخرى ليتواصلوا وينقلوا قصصهم بطرق جديدة. فدأبت الأخصّائية في حساب "جوجل" فريهان أبو زيد على بناء أدوات تعهيد إجتماعي ووسائل رقميّة تستهدف المسوّقين الإقليميين على موقع Qabila TV. وابتكرت من جهتها إبنة ريادي مصري مشهور في "وادي السيليكون"، تدعى ياسمين الآيات، مع شريكها جيغار محتا، وثائقي التعهيد الجماعي الأوّل المموّل من "كيكستارتر" Kickstarter، بعنوان "18 يومًا" (18 Days). ثمّ تبرز السبّاحة اللبنانية هند حبيقة بطموحها في التسويق العالمي لـButterfleye، نظّارات السباحة التي صمّمتها على نحو يسمح بمراقبة دقّات القلب خلال تمارين السباحة.

سأقوم خلال الأسابيع القادمة بعرض نبذة عن كلّ الرياديّات المميّزات اللواتي ذكرتهنّ واللواتي لا يمثّلن إلاّ شريحة صغيرة من آلاف الشابات الساعيات لتأسيس شركات ناشئة في المنطقة. لعلّ قصصهنّ تتحوّل إلهامًا ودرسًا لمن يرغب في إطلاق مؤسسة أينما كان، فكيف بالأحرى في هذا القسم من العالم.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.