English

كيف يؤثر عمر رائد الأعمال على أدائه؟

English

كيف يؤثر عمر رائد الأعمال على أدائه؟

للبدء في سنّ مبكرة حسناته، غير أنّه لا يخلو من الأخطار.

الكلّ يعلم أنّ العمر أمرٌ لا يجب أن تُسأَلَ السيّداتُ عنه، وهو ما يربطه الكثيرون بأمورٍ اجتماعيةٍ مختلفةٍ ("عمرك 35 ولست متزوجة؟!"). وبالنسبة لريادة الأعمال، فالعمر لا يقلّ أهميةً؛ عندما بدأتُ العملَ مع روّاد الأعمال، ظننتُ أنّ كلّ مؤسِّسي الشركات الناشئة والعاملين فيها شبابٌ يرتدون الملابس الرياضية ويضعون النظارات، أو يجلسون أمام حاسوبهم المحمول فيما يحتسون كوباً من العصير. لقد كنتُ مخطئةً تماماً.

من جهةٍ أخرى، تضمّن البرنامج الصباحي "بيزنس دايلي" Business Daily على محطة "بي بي سي وورلد سيرفس" BBC World Service أثناء تغطيته لأسبوع الريادة العالمي، مقابلاتٍ كثيرة. وكان من بينها حديثٌ مع ليندا روتنبرج، الشريكة المؤسِّسة لـ "إنديفور" Endeavor، وهي المنظمة العالمية غير الربحية التي تدعم وتسرّع ريادة الأعمال. ولدى سؤالها عن تعريف روّاد الأعمال بالتحديد، قالت إنّه غالباً ما يتمّ تصوير روّاد الأعمال بشكلٍ خاطئٍ في وسائل الإعلام وفي الموروث الشعبي، إذ يملك جميعهم أفكاراً تقنيةً ضخمةً مثل مارك زوكربج أو إلون ماسكس؛ وبعبارةٍ أخرى، إنّ الشريحة الأكبر من روّاد الأعمال اليوم هم من مواليد سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي أنّ عمرهم يتجاوز 55. وأضافت أنّه إذا ركّزنا على الجيل الأصغر وحسب، فإنّنا نواجه خطر تثبيط عزيمة الكثيرين من روّاد الأعمال الأخرين.

وانطلاقاً من مؤسِّس شركة "سوني" Sony ماسارو إبوكا الذي كان في 38 من عمره عندما أسّس شركته العملاقة، وصولاً إلى جودرون مور الذي كان في 39 من عمره عندما أسّس الشركة المصنّعة للحواسيب "لونوفو" Lenovo، سنجد الكثير من روّاد الأعمال الذين أنهوا دراساتهم الجامعية قبل وقتٍ طويلٍ من تحقيقهم نجاحاً على الساحة الريادية.college years when they found entrepreneurial success. 


يبدو إلياس غانم من "تلر" Telr فخوراً لقيامه بهذه الخطوة في الأربعينيات من عمره.

من جهةٍ أخرى، فإنّ الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يختلف كثيراً. فبعد انضمامي إلى فريق "ومضة" في الصيف الفائت، تراوحَت أعمار من قابلتهم بين 30 و50 عاماً. وكانت ردود فعل معظم روّاد الأعمال الذين سألتهم عن مدى تأثير السنّ في عملهم، أنّ تجاوز سنّ الـ 40 عاماً عمل لمصلحتهم.

بدوره، أخبرني روي زكّا، مؤسِّس "يوبانكويتي" Ubanquity، إنّه عندما تبحث عن مستثمرين فمن المفيد أن تكونَ قد مررتَ بالكثير من التجارب السابقة. وأضاف أنّه في المجال الذي يعمل فيه، أي الصيرفة، يكنّ العملاء درجةً أكبر من الثقة تجاه الأشخاص الذين يملكون "الخبرة."

 أمّا ردّ فعل إلياس غانم مؤسِّس "تلر"، فكان مشابهاً لما سبقه، لأنّه كان يدرك أنّه يريد القيام بـ "خطوةٍ جريئةٍ" في حياته قبل أن يبلغ سنّ الـ 50. ولذلك عندما وجد نفسه يعمل في "باي بال" PayPal في عمر 42، أدرك أنّ عليه التصرّف قريباً، لأنّ الأمر سيزداد صعوبةً كلّما تأخّر في ذلك: "سألتُ نفسي، هل يمكنني الاستفادة من معرفتي وخبرتي؟" والسبب أنّ غانم منذ أن كان في سنّ الـ 38 وهو يشغل منصب المدير العام في "باي بال"، حيث كان يعمل بشكلٍ منتظمٍ مع روّاد أعمال شباب. والملفت هنا أنّ قلّة تنظيمهم لأمورهم زادت من ثقته بنفسه، كما أنّ يقينه بالقدرة على القيام بهذا التحوّل شكّل حافزاً آخر له أيضاً.

من ناحيته، فإنّ أنطوان صعب مؤسِّس "إنيرجي 24" Energy24، كان مشكّكاً عندما طلبتُ منه إبداء رأيه في الموضوع، فقال: "لِمَ تظنين[S1]  أنّني مناسبٌ لهذا المقال؟ هل لأنني أصبحت أصلعاً؟"
ولكن، حالما بدأنا نتكلم، أخبرني أنّه يؤمن بأنّ الخبرة (أو بالأحرى الدروس) اللازمة للنجاح تأتي مع التقدّم في العمر، ويشرح قائلاً: "إذا كنتَ كمستثمِرٍ تبحثُ عن شخصٍ يملك فرصاً عالية للنجاح، فأوّل سؤال عليك أن تطرحه هو ‘كم خسرتَ في السابق؟‘" كما أخبرنا صعب أنّ السنوات علّمته أن يكون أكثر انتقائيةً بكثير، عندما يتعلّق الأمر بالأشخاص الذين سيعمل معهم. "فثمة فرق كبير بين رئيسَين تنفيذيَّين، أحدهم في سنّ الـ40 والآخر في سنّ الـ25؛ إلّا إذا كنتَ مارك زوكربج."

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، صدرت دراسةٌ نظرت في كيفية تأثير العمر على روّاد الأعمال. فكما فعل الصحفي والمؤلّف مالكوم جلادويل في كتابه "أوتلايرز" Outliers الذي صدر عام 2008، درس الباحثون في كلية بابسون Babson العلاقة بين ريادة الأعمال والعمر إضافةً إلى ثلاثة عوامل أخرى هي العلم والخبرة والإبداع. ولقد عملوا على تحديد أيٍّ من هذه الخصائص تملك التأثير الأكبر على روّاد الأعمال المبدعين.


روي زكّا من "يوبانكويتي" [إلى اليسار] يبرم صفقةً. 

وإذ كانت هذه الدراسة قد نظرت إلى مجال أجهزة الحاسوب الشخصية/الصغيرة بشكلٍ خاص، لكنّني أعتقد أنّه بإمكاننا بكلّ سهولةٍ أن نجد أوجه شبهٍ بينها وبين مجالاتٍ أخرى.

أراد الباحثون اختبار تأكيد جلادويل، على أنّ "أبرز محدِثي التغيير" وُلدوا بين العامين 1953 و1955، وكانوا في عمر 25 سنةً أو أصغر عندما بدأوا مشاريعهم.

ووجدوا من خلال دراستهم أنّ جلادويل لم يكن مخطئاً تماماً: "فتوزُّع روّاد الأعمال المحدِثين للتغيير على الفئات العمرية في مجال أجهزة الكمبيوتر الشخصية/الصغيرة، لم يكن مختلفاً عن توزّع روّاد الأعمال على الفئات العمرية في المجمل." وهنا نذكر إيلي-جريجوار خوري الذي أسّس منصّة معالجة الصور الرقمية "دايرمندار" Dermandar في الأربعينيات من عمره، أو إيلي حبيب الذي أسّس "أنغامي" Anghami، كخير مثالٍ على روّاد الأعمال الأكبر سنّاً.

الأمر أبعد من مجرّد مكاتب منظّمةٍ ولوازم قرطاسية، فالخبرة التي يتمتّع بها روّاد الأعمال "الأكبر سناً" غالباً ما يقابلها نقصٌ في الطاقة والوقت. وعن هذا يقول غانم، "الطاقة التي تملكها في سن الـ45 ليست نفسها التي كنتَ تملكها في سن الـ25". كما أنّ كلفة العيش الأعلى وتدنّي قدرة تحمل عدم الاستقرار، هي أيضاً من الأمور التي يأخذها رائد الأعمال المحنّك في الاعتبار. ويقول صعب، "يمكنني تقبّل أكل المعكرونة طوال الوقت، ولكن لا يمكنني إرغام عائلتي على فعل ذلك." هذا الأخير كان يعمل في الماضي 18 ساعةً في اليوم، أمّا الآن فلم يعد يعمل سوى 12 ساعةً.

وفي إطار متابعتها لدراسة تأثير عمر روّاد الأعمال في عملهم، حرصت روتنبرج على الإشارة إلى أنّ هذه الفئة العمرية تمثل كمّاً أصغر من الأخطار، الأمر الذي يحبّذه المستثمرون. وفي المحصّلة، أعتقد أنّ بإمكاننا القول إنّه في حين قد تتفوّق فئة روّاد الأعمال الشباب في بعض جوانب النجاح، لا يجب الاستخفاف بالمنافسة التي يشكّلها روّاد الأعمال الأكبر سنّاً.

وإذا أردتُ ذكر المثال المفضّل لديّ حول شخصٍ خاض مغامرةً مهنية جديدةً في "منتصف عمره"، فأشير إلى كارول جاردنر، الرئيسة التنفيذية لـ "زيلدا وسدوم" Zelda Wisdom، الشركة التي تعدّ بطاقات المعايدة غير التقليدية. منذ عشرة سنواتٍ تقريباً، كانت جاردنز في أوائل الخمسينيات من عمرها عندما أطلقت هذا العمل من منزلها. والآن باتت تحقّق مبيعاتٍ تفوق 50 مليون دولار في العام بكلّ سهولة. باختصار، هذه سيدةٌ أقدرّها.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.