English

من مشغل منزلي إلى 14 متجراً: سعوديّ يعيد تعريف الثوب التقليدي

English

من مشغل منزلي إلى 14 متجراً:  سعوديّ يعيد تعريف الثوب التقليدي

 

الثوب السعودي التقليدي بنفحة عصرية (الصورة من "لومار")

تُنفق المملكة العربية السعودية سنويا ما يٌقارب 10 مليارات ريال سعودي (حوالي 266 مليون دولار أميركي) على شراء المنسوجات المُستورَدة. وتتزايد مُعدّلات مبيعات تلك المنسوجات في أشهر شعبان ورمضان، لصناعة الثوب التقليدي، حيث يستعد المُجتمع السعودي لاستقبال عيد الفطر في كلّ عام بشراء الملابس الجديدة. 

ولمّا كان الشباب دون سنّ الـ21 يُشكلون 60% من مجمل عدد سكان المملكة، تزايد الإقبال على شراء الملابس الغربية التي يُفضّلها الشباب على حساب الثوب العربي السعودي التقليدي.

هذه كانت حال لؤي نسيم، الشاب السعودي من جدّة، الذي لم يضطرّ يومًا إلى ارتداء الثوب السعودي التقليدي. واستمرّ كذلك إلى أن راح يعمل على "ثري بوينت" 3points عام 1999، حيث كان عليه ارتداء الثوب طوال ساعات العمل، ما دفعه الى إضافة لمسته الشخصية على ثيابه عبر الاستعانة بموهبته الفنية القديمة في الرسم لتنفيذ تصاميمه الشخصية لثوبٍ عربي أكثر راحة.

لؤي نسيم مع زوجته وشريكته في العمل منى الحداد (الصورة من إنستجرام)

خلال عامي 2001 و2002، بدأ نسيم يعمل من غرفةٍ صغيرة في منزله ويصنع تصاميمه الخاصّة مستعينًا بخدمات خيّاطٍ يعمل في مشغل والدته. وبسبب فرادتها واختلافها عن الثوب السعودي التقليدي، بدأت تلقى تصاميمُه إعجاب الكثيرين، فازداد الطلب عليها. ولعلّ أول عملائه كان زميله السابق في "ثري بوينت"، وشريكه الحاليّ مروان قطب، الذي أراد شراء مجموعةٍ من تصاميمه: "أردتُ أن أصرَفه عن الفكرة، فأعطيته سعرًا مُبالغًا فيه وهو 10 آلاف ريال (ألفين و266 دولار أميركي) للثوب الواحد، لكنّه أصرّ، واشترى مجموعةً من عشرة أثواب بهذا السعر". من ثمّ، تكاثرت الطلبات وبدأت الفكرة تلقى ترحيبًا لدى الكثيرين، إلى أنّ قرّر نسيم ترك وظيفته وإطلاق علامته التجارية الخاصّة، "لومار" Lomar عام 2005، والتي انضمّت عام 2014 إلى شبكة "إنديفور" السعودية

تحت شعار إعادة تعريف الثوب السعودي، انطلقت "لومار" برأسمالٍ من 700 ألف ريال (نحو 186 ألف دولار) قد ادّخره من عمله السابق، إضافةً إلى مساعدةٍ مادّية من شريكيْن عملا معه سابقًا.

كلمة "لومار" هي مزيج بين كلمتَي "لؤي" و"منى" وهو اسم زوجة المؤسّس السعودي. هذه الأخيرة أدّت دورًا محوريًّا في تأسيس "لومار"، إذ أنّها ساعدته على مدار ثلاث سنوات في صناعة الثياب في الطابق الأرضي لمنزلهما، ومن ثم بيعها للأصدقاء والمعارف.

فيما توسّع عمل نسيم وأصبح له 15 خياطًا يعملون لديه من الطابق الأرضي من المنزل، كان نسيم وزوجته طوال تلك الفترة يديران كافّة شؤون المشروع بأنفسهما. "كنتُ أقوم بجميع المهام بنفسي وكانت زوجتي تشتري الأقمشة وتُتابع تلقي الطلبات، وأقوم أنا بأخذ المقاسات، وتسليم الثياب الى منازل أصحابها واستلام المقابل،" حسبما يشرح نسيم.

بدايات متواضعة: أوّل مشغل لـلؤي نسيم كان في طابق منزله السفلي (مصدر الصورة)

عام 2005، افتتح أوّل فرعٍ له في جدّة، ومع مرور الوقت نجح المؤسّس والمصمّم بفضل مفهومه الثوريّ والنقشات الفريدة على الأثواب في جني أرباحٍ عالية أكسبت "لومار" 150 ألف ريال (حوالي 40 ألف دولار أميركي) في العام الأول، لتتزايد وتصل إلى مليون و200 ألف ريال (حوالي 320 ألف دولار) في العام الثاني، ومؤخرًا 60 مليون ريال (16 مليون دولار)، بحسب قوله، بفضل بيع منتجات أخرى أيضًا مثل الإكسسوارات، والثياب الخاصة بالأطفال، والعباءات النسائية.

أحد متاجر "لومار" (الصورة من إنستجرام)

أضافت "لومار" الكثير من الفروع في السنوات التالية، إلى أن وصل عددها هذا العام إلى 14 فرع مُوزع في 6 مُدن سعودية كُبرى هي جدّة التي تُعد مسقط رأس الشركة وأكبر أماكن تواجدها، والرياض، ومكة، والمدينة، والخُبر، وأبها. وفي عام 2010، افتتحت الشركة مصنعًا خاصًّا لمُنتجاتها على مساحة 2500 متر مربع في مدينة جدة.

ويقول نسيم في هذا الشأن: "يُمثل مصنعنا نقلةً نوعيةً لصناعة الثياب بأكملها في السعودية، حيث يرتقي بالمُنافسة في هذا المجال عن مُستوى المشاغل الصغيرة".

مقاومة التغيير

واجهت "لومار" عقباتٍ كثيرةً طوال الطريق، وكانت العقبة الأبرز التي عانت منها الشركة هي مواجهة الإعلام وعامّة الناس، ورفضهم لفكرة إدخال التعديلات العصرية على الثوب العربي التقليدي. وتفاديًا لردّات الفعل، عمد نسيم إلى طرح مزيجٍ من الملابس الرسمية المطرّزة بخطوط تقليديةٍ عريقة، وأخرى بتصاميم تعطي الحداثة والروح الشبابية الجديدة.     

للشركة الآن 400 موظفًّا قانونياً، و25% منهم من السعوديين.

"لومار" التي كانت أوّل من نظّم عرض أزياء رجالية في المملكة، تعمد دائمًا إلى تنظيم عروضٍ مستمرّة في أماكن مختلفة من أجل إيصال التصاميم لأوسع شريحةٍ ممكنة من الناس.

أول عرض أزياء للرجال يقام في السعودية ومن تنظيم "لومار" (مصدر الصورة)

لم تكن تجربة نسيم مع مُصمّمي الأزياء المحليين خلال الفترة الماضية مُرضيةً تماما، ولكنه يتطلع إلى صقل هذه المواهب المحلّية من خلال مُسابقةٍ لمُصممي الأزياء الشباب، وبرنامجٍ تدريبي في مجال تصميم الأزياء أطلقه في مطلع العام الحالي، واستضاف خلاله عدداً من مصمّمي الأزياء العالميين. وفي حين لم يلقَ البرنامج الإقبال المطلوب، إلّا أنّ نسيم يرى أنّها بداية موفقة، وأنّه استطاع من خلال تلك التجربة فهم مشاكل المُشاركين، وإمكانياتهم، وما ينقصهم.

وردًّا على سؤالٍ حول العقبات الحالية التي تواجه صناعة الأزياء في السعودية، علّق نسيم قائلاً إنّ "المشكلة الرئيسية تكمن في المواهب المحلّية حالياً في أنّه لم يكن متاحًا أمامهم جامعات ومعاهد مُتخصّصة في مجال الموضة وتصميم الملابس. البعض لديهم الموهبة لرسم لوحة فنية، ولكن ليس لديهم أية فكرة عن تطبيق ذلك عملياً أو تحويله إلى منتَج."

يتطلّع المؤسّس خلال ثلاث سنواتٍ من الآن إلى تأسيس "لومار أكاديمي" لتعليم تصميم الأزياء، وحاضنةٍ لتعليم التصميم ومُساعدة المُصمِّمين الشباب على تحويل تصاميمهم إلى مُنتجات ناجحة.

يعمل الفريق في الوقت الحالي على التوسّع إقليميًّا بحلول عام 2017، وفي سبيل ذلك التقى بالفعل باثنين من الشركاء المُحتملين في دبي، وسيلتقي خلال الفترة القادمة بآخرين في الكويت. كما تسعى "لومار" في الوقت ذاته من خلال مُشاركات في معارض أزياء دولية، كان آخرها في باريس في عام 2012، إلى التوسع نحو عواصم الموضة العالمية، لأمر الذي لا يزال قيد الدراسة والعمل.

لم تعُد "لومار" الشركة الوحيدة في مجال الثياب العربية المُستحدثة والتي تحمل لمسات شبابية، فقد ظهرت شركاتٌ أُخرى تعمل في المجال ذاته، مثل "ري ثوب" RE Thobe وغيرها، تبقى على التقاليد المحلية وتواكب العصر. ولا شكّ أنّ هذة الشركات اليوم ستُواجه عقباتٍ أقلّ في التسويق لمُنتجاتها الجديدة، بعد أن أصبح المُجتمع السعودي أكثر تقبّلاً لأشكال مُختلفة من الثياب التقليدية. إلاّ أنّ أكثر ما يُميز "لومار" ليس فقط وجودها الواسع في السوق السعوديّ، بل التفكير المنهجي لمُؤسِّسها نسيم. فهذا الأخير يضع أهدافاً زمنية واضحةً لكلّ خُطوة مُستقبلية لشركته، ليس فقط خلال العام المُقبل أو الذي يليه، ولكن لأعوام عدّة قادمة.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.