English

المال والفن والإبداع: مُعادلة صعبة

English

المال والفن والإبداع: مُعادلة صعبة

"النجاح في إدارة الأعمال، من أروع أنواع الفنون. إنّ جني المال فنّ، والعمل فن، وإدارة أعمال جيّدةٍ هي أفضل الفنون". هذه كلمات آندي وارهول، مُبتكر فنّ البوب، الذي لم يرَ أنّ الفن يتضارب مع إدارة الأعمال، في حين يعتقد الكثيرون بغير ذلك.

في كلّ الأحوال، مهما كان رأي الناس بالترابط بين العمل والفنّ، فإنّ الفجوة بين الفنّ الجيّد وتحقيق المال بشكلٍ جيّد موجودةٌ دائماً.

صندوق "أويسيس 500 للقطاعات الإبداعيّة"

"يمكنك أن تكون مُصمّماً، هذا ممتاز؛ ولكن هل فكرّتَ بتوسيع شركتك؟ إذا كنتَ مصمّماً مبدعاً، ألا تريد أن تصل أعمالك إلى أكبر عددٍ ممكنٍ من الناس؟" يسأل نضال قناديلو، مستشار التدريب، في مقابلةٍ مع "ومضة"، خلال معسكر "أويسيس 500" للقطاعات الإبداعيّة، يوم الإثنين.

للمرّة الثالثة هذا العام، تُنظمّ حاضنة الأعمال معسكراً تدريبيّاً يجمع قرابة 20 شخصاً من قطاعات إبداعيّةٍ مختلفةٍ كالموسيقى، والسينما، والأزياء، والهندسة المعمارية، وغيرها.

ويُعتبَر المُعسكر جزءاً من صندوق "أويسيس 500 للقطاعات الإبداعيّة" Creative Industries Fund الّذي انطلق صيف 2014، بالتعاون مع "هيفوس" Hivos و"صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية" King Abdullah II Fund for Development.

يتضمّن الصندوق ستّ مراحل تُعنَى بالإرشاد، والحضانة لمدّة مئة يوم، والتمويل بمبلغٍ يصل إلى 22 ألف دولار أميركيّ كحدٍّ أدنى. وإلى حدّ الآن، تمّ قبول ستّ شركاتٍ في هذا البرنامج.

في هذا الإطار، يُشدّد قناديلو على أهميّة الاستثمار في القطاع الإبداعيّ لسببَين رئيسيَّين: أولاً لأنّه يمكن توسيعه وتوفير فرص عملٍ عديدٍة من خلاله، ممّا يجعله مستقطباً للاستثمارات الخارجيّة.

ثانياً، لأنّ للقطاع تأثير مُجتمعي، وفقاً لقناديلو الذي يشير إلى أنّ "تشجيع الفنّ وانخراطه في المجتمع يُنتج ارتقاءً لا يُضاهى لهذا المجتمع."

Participants of a bootcamp session

جني المال من الفن أم جني الفن من المال؟

بالنسبة إلى كثيرٍ من الفنّانين، يُعتبَر الفنّ رحلةً شخصيةً غير منطقيّة، ولذلك يصعب استيعاب الإبداع والفنّ ضمن منظومةٍ ماليّة بحتةٍ. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ تحويل مساحات مرهفة وحساسة كالفن إلى أعمال تجارية، قد يعارض جوهره وجماليّته.

ولذلك نجد أنّ بعض المُبدِعين يحاذرون دمج الفنّ مع إدارة الأعمال ولا يعتقدون باندماجهما، على عكس قناديلو.

عايشة الشمايلة، الكاتبة والشاعرة ومديرة ورشة عمل الكتابة الإبداعية "رايترز سيل" Writers Cell، تجد أنّ وضع الفن داخل إطارٍ رأسماليٍّ هو صراعٌ وتحدٍّ كبير. وتضيف أنّ "المال والفن يوجد توتّرٌ بينهما. هل يجب أن تُحفزّنا القيمة الجماليّة أم المال ومتطلّبات السوق؟"

Bootcamp sessions at Oasis 500ومن جهةٍ ثانية، فبالنسبة إلى رولا (اسم مستعار) التي تدير مركزاً ثقافيّاً في عمّان، إنّ المال ليس مُحفزّاً بتاتاً، بل على العكس فهو يقيّد الإبداع. تعي رولا أنها لا تستطيع المتابعة من غير المال، ولذلك فهي ليست مُستغنيةً عنه، غير أنّها تتمنّى لو كان بمقدورها أن تفعل ذلك.

هنالك عدّة طرق يمكن أن يستعين بها المركز الثقافيّ لجني المال، كوضع رسم دخول، وبيع الماء بدلاً من توفيره مجاناً. ولكنّ رولا وفريقها ليسوا مُستعدّين أن يفعلوا ذلك على حساب هويّة مشروعهم القائمة على إنشاء مساحةٍ عامّةٍ تُعبّر عن كلّ أبناء المُجتمع من خلال التعايش والتبادل الثقافي. بمعنى آخر تعتقد رولا أنّ تحويل المبادرة إلى مشروع تجاري سيهدّد مصداقية المكان.

ولذلك، فإنّ رولا لا تسأل كيف لها أن تستغني عن المال، بل كيف يمكن لمشروعها أن يجني مالاً من دون أن يصبح تجاريّاً.

فهي لا يمكنها أن تنعزل عن عالمٍ مسيّرٍ بالمال، على حدّ قولها، لأنّها تحتاج إلى المال لدفع الإيجار والفواتير، ولكي تستطيع أن تركّز على المضمون بدلاً من التفاصيل غير المهمّة. وتقول إنّه "لو استُخدمتُ الطاقة المبذولة نفسها لتنسيق النواحي المعيشية والمالية لتنمية المشاريع، لكانت قد تقدّمت هذه المشاريع بمراحل."

الحلول المقترحة

يقول قناديلو إنّه يمكن للفنّانين أن يوازنوا بين الإبداع والمال، من خلال التوّجه إلى الجمهور والمستثمِرين المُناسبين.

وبالمثل، فإنّ هانس أبينغ، مؤلّف كتاب "لماذا الفنّانون فقراء؟"Why are Artists Poor، يعتقد أنّ بيع الفن قد يُشجّع الإبداع. ويقول في مقابلةٍ مع "في تو" V2، إنّ الفنّانين يرفضون التجارة بعملهم لأنّهم يريدون الاستقلاليّة، ولكنّ هذا يعود عليهم بخسائر. ويشرح الكاتب أنّ "عدم وجود سوق، وزبائن، وجمهور، أمرٌ مُحبط."

أمّا بالنسبة إلى الشمايلة، "فالتوازن [بين الفنّ والمال] ممكنٌ ولكن من الصعب الوصول إليه، لأنه يعتمد على المسيرة الشخصيّة حيث يُقيّم كلّ فنّان "العناصر التي يمكنه المساومة عليها، مقابل المبادئ التي لا يمكن التضحيّة بها من أجل المال."

بدورها، تعتقد رولا أنّ الطريقة الوحيدة لجني المال من دون الاستهانة بجوهر المشروع، هي حملات التمويل الجماعي، لأنّها لا تعتمد على أجندةٍ معيّنة تُقيّد المُبدِع كما تفعل صناديق التمويل التابعة لبعض المُنظمّات.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.