English

كيف يؤثر دخول كريم' إلى سوق السودان على الشركات المحلية؟

English

كيف يؤثر دخول كريم' إلى سوق السودان على الشركات المحلية؟

لم تلحظ الشركات التكنولوجية الكبرى دولة السودان، رغم تعدادها السكاني البالغ 40 مليون نسمة، ولم تُقدِم على الاستثمار فيها، وذلك لعدة أسباب وجيهة. يواجه الاقتصاد في وقتنا الحالي تحديات شتى، من أسبابها الإجراءات التقشفية والتضخم وضعف العملة، ولا توجد أي دلائل على تحسنه في المستقبل القريب. أضف إلى ذلك أن القطاع التقني لم يثبت قدراته حتى مؤخراً.

إلا أن شركة تطبيق مشاركة السيارات «كريم» (Careem) أطلقت خدماتها في العاصمة الخرطوم قبل أسبوع، فأثبت نفسها كأول شركة تكنولوجية إقليمية عملاقة، ما يشير إلى تحوّل كبير في موقف المستثمرين تجاه السودان وإقبالهم على الاستثمار فيها.

ما الذي يجعل من السودان سوقاً جاذباً للشركات التقنية الكبرى؟

بالرغم من أن دخول كريم إلى السودان شكل صدمة للسودانيين على مستوى العالم، إلا أن النظر بشكل كلي على مستوى الدولة يعطي صورة تفيد بعكس ذلك وتوضّح الأسباب التي تدعو الأفراد إلى عدم الاستغراب من هذا الخبر.

أولاً، تتميّز السودان بخصائص سكانية جاذبة للغاية، حيث يبلغ عدد سكان الخرطوم، لوحدها، حوالي 6.5 مليون نسمة (بما في ذلك أم درمان) وتقل أعمار 75 بالمئة من سكانها عن 36 عاماً. كما أنها تتمتع بمعدل 90 بالمئة لانتشار الهواتف المحمولة وبمعدل 30 بالمئة سريع النمو لاستخدام الإنترنت (أي أعلى من متوسط شرق إفريقيا الذي يبلغ 27 بالمئة). إضافة إلى ذلك، تشكل حزم إنترنت الهواتف المحمولة في السودان 82 بالمئة من حركة الإنترنت وفقًا لتقرير وضع السودان في مجال الرقمي لعام 2018

ثانيًا، بالرغم من أن السكان المحليين بارعون في التعامل مع التكنولوجيا ومتحمسون للخدمات الرقمية أكثر من أي وقت مضى، فإن التعامل مع هذا الطلب ما يزال ضعيفاً، كما أن الأمثلة الناجحة على الشركات التقنية الناشئة قليلة جداً. ومع أن على «كريم» أن تنافس خدمات محلية أخرى لمشاركة السيارات مثل «ترحال» (Tirhal) و«مشوار» (Mishwar) التي تعمل وفق نماذج تشغيلية مشابهة، إلا أن المجال التكنولوجي في السودان لم يُستغل بعد كما يجب.

ثالثاً، أدى رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية في أكتوبر 2017 إلى تمهيد الطريق أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، وبذلك، تم الإعلان عن أن السودان متاحة للمشاريع التجارية.وعلى الرغم من أن التأثيرات المترتبة عن ذلك قد لا تكون ملموسة إلا على المدى المتوسط إلى الطويل، فهذه النقلة تشير إلى وجود نشاط اقتصادي ذي نمو سريع في المرحلة المقبلة. كما يُمكن أن تصبح السودان، نظرًا لموقعها الاستراتيجي وما تتميّز به من ثقافات متنوّعة، بمثابة جسر يربط المشاهد التكنولوجية بين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء.

يشترك رجال الأعمال المحليون بهذه الرؤية المتفائلة حول المستقبل التكنولوجي في السودان. ويوضح عبد العزيز محمد، وهو رئيس الشؤون التجارية في شركة «كنار للاتصالات» (Canar Telecom)، هذه المسألة قائلاً: «تملك السودان ما يُمكّنها من تكرار النجاح التقني الذي حققته الهند في أوائل الألفية. ونحن لدينا عدداً كبيراً من الموظفين المتعلمين المتميّزين ومن ذوي التكلفة المنخفضة، وهذا يجعلنا سوقاً ممتازاً للتعاقد التقني الخارجي».

ما أهمية دخول كريم إلى السودان؟

ماذا يعني كل هذا؟ بالنسبة إلى كريم، فقد دخلت سوقاً كبيراً يتسم بضمان الطلب وإمكانات نمو كبيرة في المستقبل. وعندما سُئل إبراهيم منّاع، وهو مدير عام الأسواق الناشئة في كريم، عن السبب الذي دفعه إلى دخول سوق السودان، علق قائلاً: «تتمثل مهمة الشركة في تسهيل حياة الناس وابتكار مؤسسة تُلهم الآخرين. ويأتي إطلاق خدمات كريم في السودان تجسيدًا لهذه الرؤية. فنحن نريد أن نكون السبّاقين في وضع الاتجاهات التجارية، والسوق السوداني مليء بالفرص المتاحة كما هي الأسواق الأخرى التي دخلناها من قبل. نهدف كذلك إلى المساعدة في بناء البيئة الريادية التقنية وحل المشاكل المتعلقة بالنقل والبنية التحتية. كما نعتبر هذا التوسّع فرصة سانحة لدعم المواهب المحلية وتشجيع السودانيين المغتربين للعودة إلى مسقط رأسهم».

على شركات التقنية الأجنبية أن توجه انتباهها وأن تعتبر السودان سوقاً تقنياً رئيسياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقارة أفريقيا. لكن الأهم من ذلك، بالنسبة للسودان، أن الأنباء تُشير إلى حدوث تغيير بغاية الإيجابية في الموقف المتخذ إزاء التكنولوجيا، وتُشكّل فرصةً ذهبية تنتظر أن تستغلها الشركات المحلية وأصحاب المصلحة.

تعتمد ريادة الأعمال التكنولوجية في السودان على جيل من الشباب المتعلمين المتميّزين والمبدعين. وبالرغم من طرح الكثير من الأفكار الرائعة خلال فعاليات مثل «استارتب ويكند خرطوم» (Startup Weekend Khartoum)، لكن رواد الأعمال لم يتمكنوا من تنفيذها بطريقة تعالج مسألة الطلب. بيد أن هذا الوضع سيتغير قريباً. إذ أوضح السيد خالد علي، وهو المؤسس المشارك ورئيس مساحة العمل المشتركة «إمباكت هب خرطوم» (Impact Hub Khartoum)، قائلاً: «لقد ركزت كريم جهودها على تأمين موقع في سوق غير مستغل لكنه واعد في نفس الوقت. تعاني المشاريع الريادية في مجال التكنولوجيا في السودان اليوم من فجوة حقيقية عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ؛ إذ لم تجر العادة أن يتم أخذ مؤسسات الأعمال التقنية من توليد الأفكار إلى حيز التحقيق وصولًا إلى التوسّع. ونأمل أن نشهد انعكاسًا لذلك في القريب العاجل. كما بات لرواد الأعمال في مجال التكنولوجيا اليوم فرصة أفضل في إطلاق شركات ناجحة خاصة مع طرح المزيد من برامج احتضان الأعمال ووجود منصات دعم متاحة / متوافرة لهم مثل إمباكت هب خرطوم».

إن الطريق أمام الشركات المحلية وأصحاب المصلحة واضح، على رواد الأعمال أن يرفعوا مستوى أدائهم وأن يتعلموا من الشركات التقنية الناجحة على الصعيدين المحلي والدولي لكي يعالجوا احتياجات الطلب غير المحقّقة بعد. يتوجب كذلك على رجال الأعمال والمستثمرين تأمين فرص احتضان / تسارع للشركات الناشئة لبناء قدراتها، إضافةً إلى تأمين رأس المال المطلوب لإثبات المفاهيم والوصول إلى الحجم المطلوب. فيما تملك كريم فرصة سانحة ليكن لها دور في هذه المعادلة وترسخ مكانتها في السوق التقني السوداني. أخيراً، يجب على السياسات الحكومية أن تشجع النمو في المجال الرقمي، وذلك من خلال تأمين الحوافز لرواد الأعمال المحليين والشركات التقنية؛ فذلك سيؤدي حتمًا إلى زيادة النمو بشكل كبير والتصدي لمشكلة البطالة بين الشباب.

عموماً، سيولد خبر دخول كريم إلى السودان حماساً كبيراً، وعلينا أن نتوقع حدوث نشاط كبير بالمجال التقني في السودان في المرحلة المقبلة. وسيكون رواد الأعمال المحليين ورجال الأعمال على الأرجح متحفزين أكثر من أي وقت مضى للدخول إلى الأسواق النامية. وفي الوقت الراهن، ستلاحظ الشركات الأجنبية والمستثمرون ظهور السودان في المجال التقني والأرجح أنهم سيقدمون عليه.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.