English

الذكاء الاصطناعي: نعمة أم نقمة؟

English

الذكاء الاصطناعي: نعمة أم نقمة؟
Sophia the humanoid. Image courtesy of Shutterstock

لم تكن فكرة أن يأتي يوم يصبح فيه الكمبيوتر قادراً على "التفكير" أو أن يحل محل الذكاء البشري فكرةً جديدةً. فأول من أشار إلى أن أجهزة الكمبيوتر يمكن أن تكون قادرةً في يوم من الأيام على التفكير هي "آدا لوفلايس"، عالمة رياضيات إنجليزية طورت أحد أولى اللوغاريتمات الحديثة في العالم في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

وبعد مرر نحو قرن من الزمان، ظهر مصطلح "الذكاء الاصطناعي" في كلية دارتموث في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك تحديداً في عام 1956 بعد اجتماع امتد لشهرين بين العديد من العلماء والمتخصصين في علم الرياضيات.

وقد صار الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً ملموساً في العديد من الصناعات، بل أصبح محلاً للإشادة باعتباره الحل الذهبي لكثير من مشكلات العالم. فالذكاء الاصطناعي، بما يتمتع به من قوة هائلة وقدرة على التعلم، يمكنه أن يضع حداً للفقر على مستوى العالم، وأن يجد علاجاً للسرطان، وأن يضمن الأمن الغذائي. ومن المفاهيم التي أصبحت تُطرح بكثرة في الفعاليات والمؤتمرات التكنولوجية التي تُقام في منطقة الشرق الوسط أن "البيانات هي النفط الجديد". فإذا كان الأمر كذلك حقاً، فهل سيصبح الذكاء الاصطناعي نعمةً أم نقمةً على المنطقة؟ 

في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي عُقد في دبي في مطلع هذا العام تحت عنوان "عالم الذكاء الاصطناعي"، اجتمع واضعو السياسات وقادة القطاعات الصناعية من جميع أنحاء العالم ليعرضوا أحدث التكنولوجيات في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك مجالات تعلم الآلات والتشغيل الآلي والروبوتات.

وقد غمر الجميع إحساس بوجود فرص لا حد لها في انتظارنا، بدءاً من الروبوتات التي تلعب كرة السلة، وصولاً إلى التوظيف الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي والذي يقيس مستوى نزاهة الموظف.

وكانت هناك بعض عبارات التحذير من الآثار الأخلاقية والاجتماعية لتلك التكنولوجيات، ولكن طغت عليها وحجبتها النغمات والألحان الموسيقية الجذابة التي وُضعِت باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

الشركات التسع الكبار

من أكثر الأمور التي تثير المخاوف فيما يخص الذكاء الاصطناعي أن مجموعة قليلة من الشركات هي التي تبتكر وتطور معظم تلك التكنولوجيا. وقد أوضحت "آمي ويب"، مؤسِّسة "معهد فيوتشر توداي" الذي يقع مقره في الولايات المتحدة الأمريكية، في كلمتها أن تسع شركات فقط هي التي تقود تطوير الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، منها ست شركات في الولايات المتحدة وثلاث شركات في الصين.

أما الشركات الأمريكية الست فهي: أمازون وآبل وفيسبوك وجوجل وآي بي إم ومايكروسوفت، وجميعها شركات تطرح أسهمها للتداول العام في البورصة ولديها "مسئولية ائتمانية تجاه المساهمين فيها". وترى آمي ويب أن الموجِّه الرئيسي لاستثمارات تلك الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي هو الرأسمالية والرغبة في تحقيق الأرباح، وليس الرغبة في تخليص العالم من مشكلاته.

وأما الشركات الصينية الثلاث فهي: علي بابا وبايدو وتينسينت، ورغم أن أسهمها مطروحة للتداول العام، فإن مقرها الرئيسي في الصين، ويَنظر إليها بعين الريبة أيضاً واضعو السياسات في الولايات المتحدة الأمريكية الذين حظروا بالفعل شركة تطوير البنى التحتية للاتصالات "هواوي" من العمل في الولايات المتحدة بسبب مخاوفهم التي تتعلق بالملكية الفكرية ومشاركة البيانات مع الحكومة الصينية.

ونظراً إلى مشكلات التحيز الإنساني في تعلم الآلات، فإن خضوع تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي المستقبلية لدولتين اثنتين بما لديهما من تحيزات ثقافية وأخلاقية ومجتمعية تتجسد في اللوغاريتمات الخاصة بكل منهما يمكن أن يؤدي إلى إحداث مشكلات في أنحاء أخرى من العالم.

ولا يوجد إلى الآن أي معيار عالمي للذكاء الاصطناعي، ولم تُوضَع بعدُ أي قواعد أخلاقية تنظم الذكاء الاصطناعي، ولا توجد جهة عالمية حاكمة للذكاء الاصطناعي. وحتى لو أُنشئت تلك الجهة، فما هي القواعد الأخلاقية التي ينبغي الالتزام بها؟ وما هي القيم المجتمعية التي ينبغي إعلاؤها؟ وكيف سيتلاءم ذلك مع الشرق الأوسط وقيمه؟

يمضي السباق نحو الأتمتة مسرعاً بينما لا يزال الناس يفكرون في تلك الأسئلة، وهو ما سيؤدي على الأرجح إلى إشعال حرب تكنولوجية باردة بين هاتين القوتين العظمتين، وكلتاهما تنظر إلى الشرق الأوسط على أنه سوق مناسبة للاستثمار.

وقد تمكنت الإمارات العربية المتحدة –وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها وزارة للذكاء الاصطناعي يرأسها وزير دون الثلاثين من العمر– من تثبيت قدميها خلال العقد الماضي كدولة رائدة على مستوى العالم في الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة لتحسين نوعية حياة سكانها.

ولكن بقية بلدان المنطقة لا تتمتع بنفس الرفاهية الاقتصادية والمجتمعية التي تتمتع بها دولة الإمارات. ومن الجدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أعلى معدلات بطالة في صفوف الشباب على مستوى العالم، وبها أكبر فجوة بين الجنسين في العالم. أضف إلى ذلك أنها تعاني قطاعاً عاماً مترهلاً وتواجه حروباً وصراعات مستمرة، فضلاً عن أن بعض أنحاء المنطقة لا تزال مرتعاً للأنشطة الإرهابية التي تصدرها إلى بقية دول العالم.

وتتمثل أبرز المشكلات التي يواجهها الشباب العربي في المخاوف الاقتصادية والبطالة والتعليم غير الملائم. ويشير استطلاع رأي الشباب العربي لعام 2019 إلى أن غالبية الشباب يرون أنهم يستحقون الحصول على دعم حكومي. فكيف سيكون تأثير الذكاء الاصطناعي على منطقة تعاني من مشكلات كهذه؟ إن كان هناك أحد لديه إجابة واضحة على ذلك فهم قليلون جداً.

فقدان الوظائف

توصلت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد إلى أن التكنولوجيا سوف تحل محل الإنسان في القيام بجميع الأعمال البشرية خلال ما يزيد قليلاً عن قرن من الزمان. ويتوقع تقرير معهد ماكينزي العالمي عن الأتمتة أن جيلنا سوف يشهد فقدان ثلثي سكان العالم لوظائفهم، نحو 800 مليون وظيفة، بسبب الأتمتة بحلول عام 2030. ورغم أن الكثيرين يرون أن التكنولوجيا سوف تخلق وظائف جديدة، فمن المستبعد أن تخلق التكنولوجيا عدداً كافياً من الوظائف يماثل عدد الوظائف التي ستحل محلها. ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، سيؤدي الذكاء الاصطناعي وتعلُّم الآلات إلى خلق 58 مليون وظيفة بحلول عام 2022، وإذا استمر على تلك الوتيرة حتى عام 2030، سيكون قد أدى إلى خلق نحو 464 مليون وظيفة.

وصرح سيدريك فاشهولز، رئيس الشعبة المعنية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجالات التربية والعلم والثقافة بمنظمة اليونسكو، قائلاً "إن المهم هو التركيز في المقام الأول على المتأثرين بصفة خاصة، وهم الشباب والنساء. فسوف يعاني على الأرجح ثلثا الشباب من البطالة، وسوف يميل الذكاء الاصطناعي إلى شغل وظائف الوافدين الجدد إلى سوق العمل، وهي الوظائف السهلة، ولذلك يمثل هذا الأمر تحدياً".

لقد أثبت الشباب الغاضب في مرات عديدة أنه قوة كبيرة في الشرق الأوسط، كان آخرها في السودان حيث تمكن المتظاهرون السلميون من إنهاء نظام عمر البشير.

ويرى بين جورتزل، المدير التنفيذي لشركة "سينجولاريتي نت" وأحد كبار العلماء في شركة هانسون روبوتيكس، أن الذكاء الاصطناعي سوف يؤدي على الأرجح إلى توسيع الفجوة في الثروات أولاً، وسوف يؤثر على العمالة اليدوية والعمالة الماهرة، فالوظائف غالباً ما تشغلها الطبقة العاملة. ويرى أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد العنف والإرهاب حول العالم، لكن ربما يكمن الخطر الحقيقي في القضاء على الطبقات المتوسطة حينما تخضع الوظائف المكتبية للأتمتة.

إن هذا الارتفاع غير المسبوق في معدلات البطالة في الشرق الأوسط قد يؤدي بسهولة إلى اندلاع تظاهرات وثورات، وسوف تؤدي البطالة إلى تغيير وجه المجتمع والحياة السياسة. وهذه هي المعضلة التي ينبغي للحكومات والقطاعات الصناعية حول العالم أن تتصدى لها لضمان الاستقرار والانتقال بسلاسة إلى المستقبل.

فهل كان المديرون التنفيذيون لتلك الشركات التكنولوجية سيشعرون بنفس الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي إذا كان ذلك الذكاء الاصطناعي يعني أيضاً أنه سوف يأتي يوم يُستعاض فيه عنهم بروبوت؟

كان هذا هو السؤال الأول الذي طرحته يوماً ما على الرئيس التنفيذي لإحدى أكبر شركات المحاكاة الافتراضية في وادي السيليكون. وكانت إجابته هي أنه لو وجد هذا الروبوت، فلن يتردد في توظيفه. ولكن كان الأمر الصادم في إجابته هو أنه حتى إن وُجِدت تكنولوجيا تحل محله هو شخصياً، فسيكون هو الشخص الذي "يوظف" ذلك الروبوت وسيظل محتفظاً بوظيفته. إن الفجوة شاسعة بين الأشخاص الذين يناصرون هذه التكنولوجيا وبين الأشخاص الأشد تضرراً منها.

وهناك موقع إلكتروني www.willrobotstakemyjob.com يتنبأ باحتمالية فقدانك لوظيفتك لصالح روبوت. ويشير هذا الموقع إلى أن احتمالية الاستعاضة عن سائقي التاكسي بالروبوتات أو بالذكاء الاصطناعي تبلغ 89%، ويتوقع الموقع أن تبلغ نسبة الأتمتة خلال العقدين التاليين 88%.

قارن ذلك بوظيفة المدير التنفيذي التي تبلغ احتمالية الاستعاضة عنها بروبوت 1.5% فقط. ومن ثمَّ، أصبح السبب وراء تلك الفجوة أكثر وضوحاً. وفي الوقت ذاته، فإن الموظفين الإداريين كالمحاسبين والمدققين يتعرضون لنسبة مخاطر قدرها 94%، بينما يتعرض متعهدو التأمين لنسبة مخاطر قدرها 99%، ويصفهم الموقع الإلكتروني بأنهم "هالكون لا محالة".

وسوف يكمن الحل في إعادة التثقيف والتأهيل وتنمية المهارات، لكن كما يوضح فاتشهولز "إننا نتحدث عن توفير بيئة مواتية في البلدان، وهو ما لا يحدث دائماً. فإذا نظرنا إلى الاتجاهات الحالية في البلدان الأقل دخلاً، نجد أن 10% فقط من الشباب سيحصلون على تعليم ثانوي بحلول عام 2030 ... من الأسهل أن نتحدث عن التعلم مدى الحياة وعن تحقيق قفزات نوعية كبيرة في الوقت الذي لا تُوفَّر فيه تلك الأساسيات".

ويرى آخرون أن علاج تلك المآسي يكمن في توفير دخل أساسي للجميع، لكن السؤال عن المصدر الذي ستأتي منه تلك الأموال لدفع ملايين، إن لم يكن مليارات، المرتبات لا يزال مطروحاً للمناقشة. وقد اقترح مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل جيتس، فرض ضرائب على شركات الروبوتات تصل إلى 90% من أجل تمويل ذلك، وهو ما يعني فرض ضرائب على الشركات التي تنتج أو تستخدم هذه الروبوتات، ولكن من المستبعد حدوث ذلك نظراً إلى قوة تلك الشركات ونفوذها.

وقد صرح تشاي سوب لي، مدير مكتب توحيد المقاييس التابع للاتحاد الدولي للاتصالات أن "المنظومة الاقتصادية بأكملها ينبغي أن تتحمل المسؤولية. فالابتكارات التكنولوجية في تقدم مستمر، ومن ثمَّ ليس أمامنا طريق آخر. ومشاركة المنظومة بأكملها أمر في غاية الأهمية. وأرى أنه من الأفضل النظر إلى الجانب المشرق، فأفضل السُّبل هو أن نواجه الظلام بالنور".

لكن ربما يكون الجانب الأفضل الذي ينبغي أن ننظر إليه أولاً هو توخي الحذر وسن التشريعات بدلاً من الاعتماد على التفاؤل وحده.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.