English

شركات التكنولوجيا التعليمية الناشئة: من الكمالية إلى الضرورة

English

شركات التكنولوجيا التعليمية الناشئة: من الكمالية إلى الضرورة
الصورة من Shutterstock

كانت المدارس والجامعات من أولى المؤسسات التي أغلقت أبوابها في شتى أنحاء العالم لمواجهة جائحة فيروس كورونا. وتشير منظمة اليونسكو إلى أن أكثر من 150 دولة فرضت حالة الإغلاق العام، مما أجبر أكثر من 80% من الطلاب حول العالم –الذين يُقدَّر عددهم بأكثر من 1.4 مليار طالب– على البقاء في المنزل.

وقد فرضت عمليات الإغلاق العام تحديات غير مسبوقة على الحكومات، وكذلك على المعلمين والطلاب وأولياء الأمور، فيما يتعلق بضمان استمرارية العملية التعليمية، وكان الحل العملي الوحيد هو التعلم الإلكتروني، مما مهد الطريق لانتعاش الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا التعليمية.

نادراً ما كانت التكنولوجيا التعليمية تتصدر الصفقات الاستثمارية في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قبل انتشار فيروس الكورونا. في عام 2017، لم يتم استثمار سوى 2 مليون دولار في شركات التكنولوجيا التعليمية في المنطقة، ولكن مع تطلع المدارس إلى النهوض بنظامها ودمج مزيد من التكنولوجيات في مناهجها التعليمية، ارتفع مستوى الاستثمارات إلى 21 مليون دولار بحلول نهاية عام 2019.

وزاد أيضاً عدد الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا التعليمية، فقد كان هناك 270 شركة منها فقط في قاعدة بيانات شركة Magnitt في عام 2017، ولكن تجاوز الآن عددها ليصل إلى 800 شركة بالتزامن مع بحث المستثمرين عن فرص في الشركات التي ثبت أنها تستطيع الصمود في وجه الوباء.

وفي الآونة الأخيرة، قدَّم مركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع) منحةً بقيمة 100 ألف دولار إلى شركة "المفكرون الصغار" الناشئة الأردنية لتعزيز تطوير أعمالها في الإمارة. كما حصلت شركات «بوبو» و«ناراتيفا» و«المنتور.نت» على منحة بقيمة 20 ألف دولار لكل منها.

احتياج لا مفر منه

كانت المنصات الرقمية حتى وقت قريب تُعتبر خياراً تعليمياً ثانوياً، ولكن بين عشية وضاحها صارت شتى الخدمات المتاحة على تلك المنصات من الضروريات، وفقاً لما جاء في التوقعات التعليمية العالمية في ظل جائحة كوفيد-19 الصادرة عن شركة HolonIQ التي تقول إنه "قد حان الآن وقت التعلم عبر الإنترنت".

تقول منيرة جمجوم، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة أعناب، وهي منصة إلكترونية متخصصة في التطوير المهني للمعلمين العرب من خلال التعلم المفتوح: "لا يوجد مفر من التكنولوجيا التعليمية، ويشهد قطاع التعليم في الوقت الحالي تحولاً كبيراً. وأرى أن التعلم عبر الإنترنت أصبح هو الأساس، وليس الخيار الثاني". حصلت شركة أعناب في الآونة الأخيرة على استثمار بقيمة 1.5 مليون دولار في جولتها الاستثمارية الأولى التي شاركت فيها شركة ومضة.

وفي إطار التركيز على تمكين المعلمين، تأسست منصة Teacherly الإلكترونية للمعلمين في المملكة المتحدة البريطانية والتي تقدم خدماتها في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتيح هذه المنصة للمعلمين فرصة العمل التعاوني، مما يعزز التوجيه والتدريب المتبادل بين مجتمع المعلمين.

 

يقول عاطف محمود، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Teacherly: "بحلول عام 2040، سيكون 70% من الأشخاص يسكنون الحَضَر، وسيكون لذلك تأثير على التعليم. ولم نكن نعلم أن هذا [الوباء] سيحدث، ولكن كانت لدينا بالفعل رؤية للترويج للدروس التعليمية التي تُقدَّم عن بُعد وتمكين المعلمين في شتى المدارس من التواصل والعمل عن بُعد. وقد مكَّننا ذلك الآن من تحقيق قفزة هائلة واغتنام هذه الفرصة".

وقد شهدت منصة Teacherly زيادةً بنسبة 30% في عدد العملاء المحتملين الذين تستقطبهم كل يوم. ويسعى فريقها إلى تقصير دورة المبيعات من خلال استهداف القيادات الوسطى في المدارس، والتي عادة ما تكون أكثر تقبلاً وأسرع في اتخاذ القرارات. وعلى الرغم من ذلك، تتلقى الشركة قدر كبير من الاستفسارات حالياً من مديرين ورؤساء تنفيذيين. وكان لمنصة Teacherly وجود فعلي في أكثر من 2,000 مدرسة حول العالم، وفي الأسبوع الأول من التعلم المنزلي، انضمت إليها 80 مدرسة جديدة، واشترك فيها أكثر من 6,000 معلم و2,000 طالب خلال فترة تفشي فيروس كورونا.

يقول عاطف محمود: "سوف يوجد طلب هائل على التعليم المنزلي في فترة ما بعد فيروس كورونا، ويتزايد هذا الطلب بشدة عاماً بعد عام. وهذا درس ينبغي تعلمه خلال هذه العملية التجريبية، وقد سلَّط مزيداً من الضوء على التعلم المنزلي".

استجابة الشركات الناشئة

تتعامل شركات التكنولوجيا التعليمية مع الوضع الراهن بطرق متعددة تتراوح بين الاستجابة السريعة للتحولات الاستراتيجية، وتطوير المنتجات، والتوسع في أنشطتها، والسعي إلى زيادة معدلات استقطاب العملاء. فنجد مثلاً أن شركة Century Tech البريطانية، التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي ولها برنامج ذاتي التشغيل يستطيع أن يحدد مواطن الصعوبة التي يواجهها الطلاب وأن يدعمهم بالمحتوى المناسب للتغلب على هذه الصعوبات، قد غيرت في البداية نموذج عملها، ثم أدخلت تغييرات على منتجها استجابةً لتفشي فيروس كورونا.

تقول بريا لاكهاني، مؤسسة شركة Century Tech ورئيستها التنفيذية: "تقدم Century برنامج ذاتي التشغيل يسعى في الأساس إلى معرفة الطريقة التي يتعلم بها الطالب، فلست في حاجة الآن إلى الجلوس بجانب الطفل لتعرف ذلك.  ويتكيف هذا البرنامج باستمرار بناء على كل حركة بالفأرة يقوم بها الطفل". وأضافت بريا: "تسير الأمور بسرعة كبيرة. لقد درسنا الأزمة في شهر كانون الثاني/يناير وغيرنا نموذج عملنا. ثم بحثنا طلب المستهلكين وغيرنا منتجنا". وقد أجرت شركة Century العديد من التغييرات في بنيتها التحتية لكي تتوسع وتستطيع تلبية الزيادة في الطلب. 

تقول بريا: "لقد أثَّر أيضاً [هذا الوباء] في نموذج العمل نفسه. وفجأةً بدأت رسائل الآباء والأمهات تنهمر علينا. فالمدارس تستخدم نظاماً موحداً لإدارة العملية التعليمية، ولكن الآباء والأمهات مشغولون في عملهم ولا يمكنهم الجلوس بجانب أطفالهم الصغار طوال اليوم لتصفح كتاب مدرسي ممسوح ضوئياً، وطباعته، والتقاط صور للتقدم الذي يحرزه الأطفال في التعلم ثم إرسالها إلى المعلمين. فبدأ كثير من الآباء والأمهات يتواصلون معنا ويطلبون اشتراك أطفالهم معنا، لكي يضمنوا دعمهم بالذكاء الاصطناعي ولو لمدة ساعة أو ساعتين في اليوم على الأقل".

وتوفر هذه التقنية مُتَنَفَّساً من الراحة لكثير من الآباء والأمهات الذين يحاولون الجمع بين عملهم ومساعدة أطفالهم في الدراسة. تقول راما كيالي، مؤسسة شركة «المفكرون الصغار» ورئيستها التنفيذية: "أصبح الآباء والأمهات الآن أكثر انخراطاً في الأنشطة التعليمية اليومية لأطفالهم. معظم عملنا يكون في المدارس، ولكن نتيجة لضرورة التعلم عن بعد في الوقت الراهن، رأينا مزيداً من التفاعل على منصتنا من جانب الآباء والأمهات. وكثير من الآباء الآن يتساءلون: لماذا ندفع للمدارس هذه المبالغ المالية الخيالية؟ وهذه فرصة رائعة للنهوض بنشاطنا".

تقدم شركة المفكرون الصغار منصات وحلولاً رقمية متقدمة تهدف إلى تحسين النتائج التعليمية. كما أنها تهدف إلى مساعدة المعلمين على إدارة فصولهم الدراسية عن بُعد.

التفاوت الإقليمي

تقول راما كيالي: "بعض المدارس التي لم نكن نستطيع الوصول إليها من قبل هي التي تأتي إلينا الآن بعد أن أدركت أهمية حلول التكنولوجيا التعليمية. وفي الوقت نفسه، لا تزال بعض المدارس تشعر بالقلق وتؤجل قرارات الشراء إلى أن تصبح الأمور أكثر وضوحاً. وقد سمعنا بخطط لاندماج بعض المدارس وإغلاق البعض الآخر".

وتختلف درجة استعداد المدارس والجامعات للتعلم عبر الإنترنت من بلد إلى آخر في المنطقة. فالحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي كانت قد تبنت التقدم التكنولوجي للمدارس العامة في وقت مبكر، كما أن المدارس الخاصة التي تتقاضى رسوماً باهظة كانت بالفعل مستعدة استعداداً جيداً لاستخدام الحلول التكنولوجية التعليمية.

تقول دينا شوار، الرئيسة التنفيذية لشركة آدم تيك فينتشرز، والتي استثمرت مؤخراً في منصة «أبواب» الأردنية للتعليم الإلكتروني: "لا تستطيع مدارس كثيرة تطبيق نظام التعليم الإلكتروني، ولكن المدارس والحكومات اليوم ليس لديها خيار آخر. ولا يميل المستثمرون بوجه عام إلى الاستثمار في التكنولوجيات التعليمية لأنها تتطلب أعداداً كبيرة من المستخدمين، فكلما زاد عدد الطلاب الذين يستخدمون التكنولوجيا، زادت قدرتها على جذب المستثمرين والحصول على تقييم أعلى. إلا أن أعداد المستخدمين الآن لا تكاد تُصدَّق، ولم يكن أحد يتوقع حدوث ذلك في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة."

ولكن يجب على المستثمرين والحكومات أن يعلموا أن التعليم الإلكتروني لا يقتصر على إمداد الطلاب بكمبيوتر محمول وجهاز لوحي وبث فيديوهات تعليمية عبر الإنترنت. بل يتوقف نجاح التعليم الإلكتروني وفعاليته على البنية التحتية التكنولوجية في البلد وتوفر خدمة الاتصال الجيد بالإنترنت. ومع زيادة الأخذ بالتعليم الرقمي كحل بديل لتقديم الخدمات التعليمية للطلاب في منازلهم، لا بد من تعزيز قدرات شبكة الإنترنت والخوادم لمواكبة الزيادة الكبيرة في عدد المستخدمين.

تقول بريا لاكهاني: "في المستقبل، سيكون غالبية قطاع التعليم على علمٍ بكيفية استخدام هذه التكنولوجيات بفعالية. وسوف يتمثل التحدي الأكبر أمام وزارات التعليم حول العالم في كيفية ضمان وصول هذه التكنولوجيات إلى جميع الأطفال. فسوف توجد دائماً نسبة صغيرة من السكان يفتقرون إلى اتصال جيد بالإنترنت، ولا يقدرون على شراء الأجهزة اللازمة." 

وقد شهد قطاع التعليم نقلة نوعية في كلٍّ من التعلم والتدريس، مما يتطلب الآن أكثر من أي وقت مضى إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص. ويمكن للحكومات أن تتجنب عناء البداية من الصفر من خلال التعاون مع شركات التكنولوجيا التعليمية التي قطعت بالفعل شوطاً طويلاً في هذا الصدد. كما أن كثيراً من الشركات الناشئة تتطلع إلى إقامة شراكات مع الجهات الأخرى العاملة في نفس المجال. ومع تزايد الطلب على حل جامع مانع، يسعى كثير من شركات التكنولوجيا التعليمية إلى التكاتف والتكتل.

تقول بريا لاكهاني: "يجب على شركات التكنولوجيا التعليمية التي تتصدى لهذا التحدي أن تفكر في أساس تكاليفها. وينبغي أن تنظر في الاستفادة من البرامج الحكومية وأن تتحلى بالذكاء قدر المستطاع لتجاوز هذه الفترة من خلال التخفيف من حدة المخاطر قدر الإمكان".

وأضافت: "إن الشركات تفكر في كيفية [النمو] ليس لتحقيق الازدهار، بل لمجرد البقاء على الساحة. فمَنْ لا يفكر الآن في إدخال تغييرات جذرية على أعماله التجارية، فهو في طريقه إلى الفشل".

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.