English

شركات الطباعة الثلاثية الأبعاد في الشرق الأوسط تتوجه إلى إنقاذ الأرواح

English

شركات الطباعة الثلاثية الأبعاد في الشرق الأوسط تتوجه إلى إنقاذ الأرواح
Image courtesy of Shutterstock

تظهر من حين لآخر تكنولوجيا جديدة تفرض سيطرتها على الساحة التكنولوجية، وعادةً ما تُوصَف تلك التكنولوجيا بأنها رائدة وستقلب الأمور رأساً على عقب. وقبل بضع سنوات، كانت الطباعة الثلاثية الأبعاد، المعروفة أيضاً باسم «التصنيع بالإضافة»، هي التكنولوجيا التي أحدثت تلك الضجة. وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا موجودة منذ ثمانينيات القرن العشرين، فإن الطابعات الثلاثية الأبعاد لم تصبح ميسورة التكلفة إلا في العقد الثاني من الألفية الثالثة، مما منح مشتريها الحرية لطباعة كل ما يريدون باستخدام البلاستيك.

إلا أن الضجة التي ثارت حول الطابعات الثلاثية الأبعاد سرعان ما تحولت عنها إلى الشركات الناشئة فيما يُعرف باسم الاقتصاد القائم على الطلب واقتصاد العمل الحر، مثل شركتي Uber وAirbnb، ولكن في الوقت الراهن الذي يواجه فيه العالم جائحة فيروس كورونا، صار التصنيع بالإضافة يلفت الأنظار مرة أخرى وينمو بوتيرة غير مسبوقة.

وأشار موقع "ستاتيستا" للإحصاءات إلى أن السوق العالمية للطباعة الثلاثية الأبعاد قُدِّرت قيمتها بنحو 14.5 مليار دولار في عام 2019، بعد أن كانت قيمتها 12 مليون دولار في عام 2018. ومن المتوقع أن تبلغ قيمة هذه السوق 17.5 مليار دولار في العام الحالي، وأن تصل إلى 21 مليار دولار بحلول عام 2021، علماً بأن هذه التوقعات تضع تأثير الجائحة في الاعتبار.

الفجوة المؤسفة

لقد اتَّضح أن بعضاً من أغنى بلدان العالم هي أقل البلدان استعداداً للجائحة، مما يُعرِّض للخطر حياة الذين يعملون في الصفوف الأمامية لتقديم الرعاية الصحية، بل قد ينتهي بهم الأمر إلى الدخول في عِداد الوفيات التي لا تزال ترتفع يوماً بعد يوم. فقد مات آلاف من العاملين في الرعاية الصحية في إيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بسبب نقص معدات الوقاية الشخصية، التي لا تزال شحيحة. ويتمثل السبب الرئيسي لذلك النقص في أن معظم معدات الوقاية الشخصية في العالم تُصنَع في الصين التي توقفت فيها عمليات التصنيع في أثناء الإغلاق العام، مما أدى إلى تأخُّر شحن البضائع.

أما الصناعة الوحيدة التي تمتعت بقدر كافٍ من المرونة والصمود فتمكَّنت من مد يد المساعدة إلى مُقدمي الرعاية الصحية والعاملين في الصفوف الأمامية فهي الطباعة الثلاثية الأبعاد. فقد نُشرت تصاميم واقيات الوجه والمعدات الطبية، بما فيها صمامات أجهزة التنفس الصناعي وقطع غيارها، على قنوات مفتوحة المصدر في شتى أنحاء العالم، مما يسمح لأي شخص لديه طابعة ثلاثية الأبعاد بإنتاج تلك التصاميم.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، توجَّهت العديد من الشركات الناشئة العاملة في مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد إلى المساهمة في مكافحة فيروس كورونا. وتتعاون شركة إيون دنتال الأردنية، التي تستخدم الطباعة الثلاثية الأبعاد لطباعة تقويمات الأسنان، مع الجمعية العلمية الملكية الأردنية ومع ثلاثة أفراد على إعداد وإنتاج مستهلكات أجهزة التنفس الصناعي وقطع غيارها. وأعادت الشركة تهيئة أجهزتها لطباعة آلاف من قطع الغيار يومياً.

يقول فادي سماوي، مدير التصنيع في شركة إيون دنتال: "كنا نعلم أن علينا أن نستبق الأحداث في مكافحة تفشي مرض كوفيد-19 في الأردن، وأن نستفيد من قدراتنا العلمية الهندسية والتصنيعية"، وتمكنت هذه الشركة الناشئة من تسليم الدفعة الأولى من قطع الغيار في الأسبوع الأول من شهر نيسان/أبريل، وهو الأسبوع الذي فرض فيه الأردن حالة الإغلاق العام.

أما فهمي الشوا، مؤسس شركة إيمنسا –وهي شركة ناشئة يقع مقرها في الإمارات العربية المتحدة وتُركِّز في المقام الأول على قطاع النفط والغاز– فكانت زيارته  لطبيب الأسنان هي التي أوحت إليه بالبدء في الطباعة الثلاثية الأبعاد لواقيات الوجه. يقول فهمي: "أخبرني طبيب الأسنان أن الجهة التي تُورِّد له واقيات الوجه تبحث عنها في كل مكان فلا تجدها، لذلك عدتُ إلى المكتب وطلبت من المهندسين في شركتنا تصميم واقٍ للوجه، فقاموا بتعديل وتحسين تصميم مفتوح المصدر وأنتجوا أول واقٍ في غضون 8 ساعات".

وأنتجت شركة إيمنسا 15 غطاء للوجه في اليوم الأول في شهر شباط/فبراير، وتنتج الآن ما يتراوح من 10,000 إلى 12,000 غطاءً يومياً، وتُصدِّرها إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وسائر بلدان منطقة الشرق الأوسط. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يمكن لأغطية الوجه أن تقلل من انتقال الفيروسات بنسبة 83%، مما يجعلها وسيلة فعالة للغاية من وسائل الوقاية الشخصية. وتستغرق طباعة كل غطاء للوجه مدة تتراوح من 30 دقيقة إلى أكثر من الساعة بقليل، ويصل سعر التجزئة للغطاء الواحد إلى 20 درهماً، كما أن نقلها إلى العاملين في الصفوف الأمامية بالأسواق المحلية أسرع بكثير من استيرادها من مكان آخر.

يقول فهمي: "إننا نعتمد اعتماداً كبيراً على سلاسل إمداد ليست بالضرورة ذات كفاءة، فالشحن الآن يستغرق وقتاً أطول بكثير، ويحتاج الناس إلى خطط أفضل لتجنب المخاطر وتقليل خسائر الإنتاج إلى أدنى حد ممكن"، وقد أدى تعطل سلاسل الإمداد العالمية والاعتماد على قطاع الصناعات التحويلية في الصين إلى مطالبة البعض بالعودة إلى التصنيع المحلي للسلع.

وذكر فهمي: "لقد ظللت أنادي بضرورة توطين سلسلة الإمداد، وبضرورة تمكين الناس من طباعة قطع الغيار عند الطلب. العالم كله يتجه نحو ذلك، وفيروس كورونا بقدر ما هو أمر مؤسف، إلا أنه سيُوقظ كثيرين من غفلتهم".

التصنيع المُستدام

ولكن الكفاءة وحدها لن تدفع الصناعة إلى النمو. فقبل الجائحة، كانت المشكلة الأكبر التي تواجه العالم هي التغير المُناخي والاستدامة. وكانت حكومات كثيرة حول العالم قد التزمت بخفض انبعاثاتها الكربونية، وكان في الوقت نفسه تركيز الشركات الناشئة والمستثمرين قد تحوَّل إلى الابتكار المستدام والمؤثر.

وأدى الإغلاق العام إلى توقف عمليات التصنيع والتشييد في معظم البلدان التي تمثل 20% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم وفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة. ومع إغلاق المصانع، انخفضت انبعاثات الكربون بنسبة 5.5%، مما أسفر عن سماوات أصفى وعن عودة الحيوانات البرية إلى الشواطئ والمدن. وسيكون من الصعب تبرير العودة السريعة للانبعاثات الكربونية إلى ما كانت عليه، خصوصاً عندما تُثبِت خيارات أخرى مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد أنها بديل أكثر اقتصاداً. فتشير تقديرات وزارة الطاقة الأمريكية إلى أن الطباعة الثلاثية الأبعاد يمكن أن تُقلِّل تكاليف الطاقة بنسبة 50% وأن تخفض تكاليف المواد بنسبة 90%.

يقول لوثار هوهمان، رئيس مجموعة شركات بريسايس الإماراتية: "سوف نرى صناعات جديدة تماماً تتطور بسبب هذا الوضع، وسوف يزداد تطور قطاع الإجراءات الوقائية وكيفية حماية المرء لنفسه ولأحبائه"، ولم يتضح بعد مدى قُرب ظهور هذه الصناعات الجديدة، ولكن يبدو أن التصنيع بالإضافة سيؤدي دوراً في ذلك.

يقول فهمي الشوا: "قد تكون هذه نقطة انطلاق للطباعة الثلاثية الأبعاد، وما كان من المفترض أن يحدث في السنوات الخمس أو الثماني المقبلة سيحدث في غضون خمسة أو ثمانية أشهر".

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.