English

كوفيد-19 يُؤذِن بدخول عصر جديد للتكنولوجيا الصحية

English

كوفيد-19 يُؤذِن بدخول عصر جديد للتكنولوجيا الصحية
Image courtesy of Shutterstock

ليست الاقتصادات العالمية وأنظمة الرعاية الصحية فحسب هي التي تعاني أشد المعاناة في ظل أزمة كوفيد-19 وما نتج عنها من إغلاق عام، بل يعاني الأفراد أيضاً من أمراض ومشاكل صحية أخرى. وبسبب فرض حالة الإغلاق العام، لم يعد الذهاب إلى عيادة الطبيب لإجراء فحص طبي أمراً ممكناً للكثيرين، ولذلك أصبح الحل العملي الوحيد هو تقديم الرعاية الصحية عبر الإنترنت.

أشار تقرير صادر عن شركة "ستارتب هيلث" إلى أن الربع الأول من عام 2020 شهد استثمار 4.5 مليار دولار في تمويل الابتكارات الصحية حول العالم "قبل أن يبدأ هبوط الأسواق بسبب الجائحة". أما على الصعيد الإقليمي، فكانت شركة أوكادوك الإماراتية وشركة فيزيتا المصرية من أكبر شركات التكنولوجيا الصحية التي حصلت على استثمارات في الربع الأول من هذا العام بإجمالي 50 مليون دولار.

لقد أحدثت الأزمة بالفعل تغييرات جذرية في أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، وأفضت إلى تحوُّل رقمي لهذا القطاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

الوضع الحالي للتكنولوجيا الصحية

على الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شهدت تحسناً كبيراً في نمو التكنولوجيا الصحية والاستثمار فيها، فإن هذا القطاع "لا يتصدى حالياً إلا لسطح المشاكل التي تواجه نظام الرعاية الصحية"، على حد تعبير سجّاد كمال، أحد مؤسسي شركة "عالم هيلث" الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا الصحية وتقدم حلولاً صحية رقمية.

يقول سجّاد: "إذا نظرت إلى منطقة الشرق الأوسط ستجد أن هناك نوعين رئيسيين من شركات التكنولوجيا الصحية: شركات التطبيب عن بعد، وشركات حجز مواعيد مع الأطباء"، ويرى سجّاد أن ذلك يرجع إلى وجود خلفية رقمية لدى معظم رواد الأعمال الذين يعملون على حلول الرعاية الصحية. وأضاف: "لأنهم رواد أعمال، فإنهم يميلون قليلاً نحو الجانب الرقمي. ولم يقض كثير منهم في الواقع وقتاً طويلاً في عملية تقديم الرعاية الفعلية".

وكان تركيز الحلول التكنولوجية على المستهلكين هو الاتجاه السائد في مجال التكنولوجيا الصحية في السنوات القليلة الماضية، حيث يتم معاملة المرضى كمستهلكين، مما أسفر عن سيل من الشركات الناشئة التي تركز تركيزاً أكبر على الراحة والكفاءة بدلاً من الابتكار. وكان أحد الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة هو نقص التمويل المُقدَّم إلى الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة وقلة المستثمرين المهتمين بالتكنولوجيا الصحية.

يقول بحر الحكيم، مؤسس شركة Medicus AI التي تأسست في دبي ولكنها انتقلت إلى النمسا بعد فترة وجيزة من قيام مؤسسها بذلك لجذب «الأموال الذكية»: "عندما قمت بإنشاء شركة Medicus AI، كان معظم الفريق يقيم في الشرق الأوسط ويتنقل بين دبي وبيروت، ولكن نقص التمويل وفرص العمل القوية جعلتنا نقرر نقل الشركة إلى أوروبا. فلم يكن قطاع الاستثمار مهتماً بالتكنولوجيا الصحية كما كانت أوروبا".

وأطلقت شركة Medicus AI مؤخراً تطبيقاً لرصد حالات الإصابة بمرض كوفيد-19 بالشراكة مع مختبر BioneXT الذي يقع في لوكسمبورغ، وهو مختبر للتحاليل الطبية. وأطلقت على هذا التطبيق اسم CoVive، وهو متاح الآن باللغتين الإنجليزية والعربية.

وقد عانت أيضاً شركة "عالم هيلث" من مصير مماثل. فيحكي سجّاد كمال قائلاً: "عندما كنا نعرض فكرتنا على المستثمرين في دبي، لم يكن كثير من المستثمرين على دراية بالتكنولوجيا الصحية ونوع الفرص المتاحة حقاً، ولذلك انتقلنا إلى سنغافورة حيث يوجد سوق أكثر نضجاً بكثير".

وعلى الجانب الآخر، يقول حمزة عبد الهادي –مدير شركة "حكمة فينتشرز"، الذراع الاستثماري لمجموعة شركات "حكمة فارماسيوتيكلز" التي تتخذ من الأردن مقراً لها– إن مجال الصحة الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يحتاج إلى مزيد من الشركات المبتكرة. إلا أنه يرى أن استثمارات رؤوس أموال المخاطرة في شركات التكنولوجيا الصحية الناشئة سوف يزداد بعد أن ارتفع الطلب على خدمات الرعاية الصحية.

ويقول حمزة عبد الهادي، الذي لا يزال يشك في استمرار رغبة أصحاب رؤوس أموال المخاطرة في الاستثمار بوجه عام في المستقبل القريب: إن الأشهر القليلة الماضية شهدت اهتماماً متزايداً بشركات التكنولوجيا الصحية الناشئة، لا سيما في مجال التطبيب عن بُعد.

وأضاف: "إن المستثمرين، قبل أن تحل بنا هذه الأزمة، ربما استندوا في بحثهم وتحليلهم إلى الحالة السابقة للبيئة الحاضنة للتكنولوجيا الصحية. ولذلك يجب عليهم النظر مرة أخرى في إعادة تقييم الفرص المتاحة في هذا المجال الذي من المحتمل أن يحظى برواج في أثناء الأزمة وبعدها". وأشار إلى أن الوقت قد حان لكي تخصص الحكومات أموالاً للمساعدة على تحفيز نمو شركات التكنولوجيا الصحية.

تأثير مرض كوفيد-19

يرى بحر الحكيم أن الفترة المقبلة من المحتمل أن تشهد طفرة في التطبيب عن بعد والرصد عن بعد والاختبارات المنزلية بسبب تزايد إقبال الناس على خدمات التكنولوجيا الصحية للتصدي لجائحة كوفيد-19، ويتوقع حمزة عبد الهادي حدوث ارتفاع كبير في شركات الصحة النفسية والتداوي الرقمي في النصف الثاني من هذا العام.

وقد شهدت بالفعل إحدى شركات الصحة النفسية زيادةً كبيرةً في الطلب. فقد سجَّلت شركة شيزلونج المصرية زيادة بنسبة 31% في عدد جلسات العلاج المحجوزة عبر منصتها من شباط/فبراير إلى آذار/مارس، إلى جانب زيادة في عدد الأطباء النفسيين الذين يتطلعون إلى الانضمام إلى منصتها منذ بداية تفشي مرض كوفيد-19. 

يقول الدكتور محمد الشامي، أحد مؤسسي الشركة ومدير فريق الأطباء بها: "في الماضي، كان كثير من الأطباء النفسيين مترددين في إجراء جلسات العلاج النفسي عبر الإنترنت، ولكن تغيرت الأمور الآن بعد أن أُغلِقت العيادات في جميع أنحاء البلد بسبب أزمة كوفيد-19".

كما أن هذه الجائحة أجبرت الأطباء والمستشفيات على تسريع خططهم الخاصة بالرقمنة. يقول سجّاد كمال، الذي يعتقد أن الوضع الحالي قد جعل روح التعاون تسود داخل هذا القطاع: "إن هذه الجائحة بمثابة جرس إنذار يحثّ الأطباء على أن يبدؤوا في ترك النهج التقليدي لممارسة الطب وأن يكونوا أكثر تقبلاً للتحول الرقمي".

وأضاف أن "اتباع نهج تعاوني في مواجهة الأزمة أضحى أمراً ضرورياً الآن أكثر من أي وقت مضى. وقد حان الوقت لمعالجة مشكلات نُظُم الرعاية الصحية من خلال نهج تعاوني يُمكِّن الأطباء من التكاتف مع علماء البيانات ورواد الأعمال وغيرهم من المعنيين بالبيئة الحاضنة للصحة الرقمية".

ويرى أمير برسوم، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس في شركة "فيزيتا"، أن الوضع الحالي سيساعد الأطباء على اكتساب خبرة طبية قوية دون تحمل تكاليف إضافية. فيقول: "فيما يتعلق بتقديم الخدمات الصحية عن بُعد، فإن الأطباء يستفيدون من فرصة العمل عن بعد في أي مكان مناسب، والوصول إلى قاعدة أوسع من المرضى في شتى أنحاء البلد. ويمكن للأطباء أن يُنمُّوا ممارستهم السريرية دون تعيين مزيد من الموظفين أو إضافة عيادات مادية، وأن يُحققوا دخلاً من خلال تقديم المشاورات الطبية الشخصية عن بعد، وأن يقلصوا أوقات الانتظار وحالات عدم الحضور، مما يجعل ذلك أداة مربحة لجميع كيانات الرعاية الصحية الحديثة."

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.