English

من أجل تحويلات مالية قائمة على الغرض

English

من أجل تحويلات مالية قائمة على الغرض
عمال وافدون في الإمارات يستخدمون تطبيق "ناو موني". الصورة مُهداة من شركة "ناو موني"

يوجد نحو مليار عامل وافد حول العالم يرسلون الأموال إلى عائلاتهم في شكل حوالات مالية. ويُعتبر ذلك مصدر دخل حيوياً لاقتصادات البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، كما أنه قطاع على نفس القدر من الأهمية من قطاعات السوق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تُعدّ أكبر مصدر للتحويلات المالية الخارجية في العالم.  

وقد ظلت المصارف ومعظم مكاتب الصرافة مفتوحةً خلال فترات الإغلاق في دول مجلس التعاون الخليجي، لكن الوصول إليها كان شأناً آخر. وأدى ذلك إلى زيادة الطلب على التحويلات التي تُجرى عبر الإنترنت، فعملت مكاتب الصرافة على إتاحة خدماتها عبر الإنترنت. وواجهت مكاتب الصرافة المُثقلة بإرث الماضي صعوباتٍ في التحول بسلاسة إلى العالم الرقمي، وحلَّت محلها شركات التكنولوجيا المالية التي تقدم خدمات تحويل الأموال بطريقة الند للند، وبدأت تحرز نجاحاً وازدهاراً في هذا المجال.

وكانت شركة "ديناري كاش" (Denarii Cash) إحدى الشركات الناشئة التي شهدت زيادة كبيرة في عدد العملاء، فتطبيقها الذي يسمح للمغتربين في الإمارات العربية المتحدة بتحويل الأموال عبر الهاتف المحمول قد زاد عدد مرات تنزيله بنسبة 535%، وقامت الشركة بتوسيع نطاق خدماتها لتشمل 11 دولة خلال فترة الإغلاق، منها الفلبين والهند وباكستان ومصر. وكان الطلب على خدمتها مرتفعاً للغاية، لدرجة أنها تزعم أنها أدرجت 1.1 مليون مستخدم في قائمة الانتظار، مقارنةً بنحو 57000 مستخدم نشط فقط قبل جائحة كورونا.

وحدث ارتفاع مماثل في نشاط شركة "ناو موني" (NOW Money) الإماراتية التي تقدم للعمال الوافدين حلاً رقمياً لإدارة الرواتب والحسابات يسمح لهم بإجراء تحويلات مالية عبر منصتها. تقول كاثرين بود، الشريك المؤسس لشركة "ناو موني": "لقد زاد الإقبال على جميع منتجاتنا، فارتفع كل شيء بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف بالنسبة لأولئك المدفوع لهم".

وزادت عمليات تحويل الأموال في جميع أنحاء العالم خلال ذروة الإغلاق، مدفوعةً في المقام الأول بفقدان الوظائف، إذ كان العمال يستعدون للمغادرة ويبعثون بتعويضات إنهاء الخدمة إلى بلدانهم. وقد تباطأ هذا الارتفاع الحاد، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة 20% هذا العام ليصل، وفقاً للبنك الدولي، إلى 445 مليار دولار على مستوى العالم، وهو أكبر انخفاض في التاريخ الحديث بسبب ارتفاع معدلات البطالة وخفض الرواتب.

ومع ذلك، كانت الجائحة حتى الآن نعمةً هبطت على شركات التكنولوجيا المالية التي تعمل في مجال الحوالات المالية ومدفوعات الند للند. فمن بين 38 صفقة استثمارية جرت هذا العام حتى الآن في الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كانت سبع صفقات منها تتعلق بمنصات الدفع عن طريق الند للند، وثماني صفقات في قطاع المدفوعات المالية. ويشمل ذلك شركتي Mamopay وRise في الإمارات وشركة Flick في مصر، التي تستهدف الممر الذي يربط بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر الذي بلغت قيمته 18.8 مليار دولار في عام 2019.

الشمول المالي والغرض

أدى التحول إلى الخدمات الرقمية في الحوالات المالية إلى زيادة الحاجة إلى الشمول المالي في دول مجلس التعاون الخليجي. ويشترط معظم المصارف ألا يقل الراتب الشهري عن 5000 درهم ليكون الشخص مؤهلاً لفتح حساب مصرفي. ومن المستحيل على كثير من العمال الوافدين استيفاء ذلك الشرط، لا سيما أن معظمهم يرسلون ما يصل إلى 80% من رواتبهم إلى بلدانهم الأصلية. وتقدم بعض شركات التكنولوجيا المالية، مثل NOW Money وRise، حلاً لهذه الشريحة من السوق.

تقول كاثرين: "هناك أشخاص لا يستطيعون فتح حسابات مصرفية تقليدية، ولا يعني ذلك أنهم لا ينبغي أن يحصلوا على نفس الفرص. إننا نوفر للعملاء الراحة والسعر الذي يستحقونه. فلا أحد يرغب في ركوب حافلة أو مشي مسافة طويلة للوصول إلى أحد مكاتب الصرافة، بل يريد الجميع أن تكون أموالهم داخل النظام المالي لكي يتمكنوا من إرسالها إلى عائلاتهم".

وتؤدي رقمنة الحوالات المالية الصادرة والواردة إلى جعل التحويلات المالية قائمةً على الغرض. فعادةً ما تُرسَل الأموال في شكل مبلغ إجماليّ، وتُسلَّم نقداً إلى المتلقي الذي يتحكم في كيفية إنفاقها. وتزداد يوماً بعد يوم شعبية المحافظ الرقمية التي تسمح للمُرسِلين بتخصيص ميزانية لأغراض مُحدَّدة، مثل تسديد فاتورة المياه أو الكهرباء.

وتشير بيانات مُستقاة من شركة Rise إلى أن 93% من الأشخاص الذين يرسلون الحوالات المالية لا تكون لهم أي سيطرة على سُبُل إنفاق الأموال، مما أدى إلى حدوث توترات بين المُرسِلين والمُنفقين في ما يصل إلى 75% من الحالات. وأطلقت الشركة مؤخراً خدمة جديدة تُسمى Xare، وهي تطبيق جوّال يسمح للأشخاص بمشاركة حساباتهم وبطاقاتهم الائتمانية مع الأصدقاء وأفراد الأسرة مع استمرار التحكم في كيفية استخدام الأموال.

يقول ميليند سينغ، الشريك المؤسس لشركة "Rise": "بدأنا منذ ثلاث سنوات ونصف السنة تقريباً السعي إلى تحقيق هدف بسيط للغاية، ألا وهو تمكين الوافدين من التحكم في كيفية إنفاق أموالهم المُرسَلة إلى بلدان أخرى. ولدينا منصة تسمح للوافد وعائلته بالإنفاق من كيان مالي مشترك، فذلك يسمح بمنح إمكانية الوصول إلى ذلك الكيان بدلاً من نقل الأموال".

ولكن لا ينظر جميع الناس إلى هذه الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية نظرةً إيجابية. يقول زاهر موغال، الرئيس التنفيذي لشركة Delma Exchange الإماراتية: "لا تزال القوة العاملة هنا تؤمن بالعملة الصعبة، فهم يريدون أن يروا بأعينهم الأموال التي تُدفَع إليهم. وتغيير ذلك سيتطلب نشر الوعي والتثقيف، وسيستغرق وقتاً طويلاً، كما أن هذه السوق تشهد بالفعل منافسة شرسة للغاية، فهذا هو أرخص مكان في العالم لإرسال الأموال. إن شركات التكنولوجيا المالية قادمة، لكن النموذج مختلف تماماً".

ومعظم مكاتب الصرافة لديها حسابات مسبقة التمويل في جميع أنحاء العالم. يقول زاهر موغال: "حينما يأتينا شخص ويعطينا 1000 درهم يريد تحويلها إلى روبية في الهند، فلدينا بالفعل هذه الأموال في البنك الفيدرالي في الهند. وسيجب عليك توخي الحذر الشديد عند التعامل مع شركة خارجية من شركات التكنولوجيا المالية، لأن مكاتب الصرافة الإماراتية، مثل مكتبنا، مُرخَّصة وينظمها البنك المركزي. أما شركات التكنولوجيا المالية هنا فهي غير مُرخَّصة، فلماذا قد تريد التعامل مع شركة من تلك الشركات التي لا تملك فلساً واحداً في البنك".

وفي الوقت الذي تحاول فيه مكاتب الصرافة الانتقال إلى العالم الرقمي، وتحاول فيه شركات التكنولوجيا المالية دخول السوق المُنظَّمة، هناك شركة واحدة تستفيد من بنيتها التحتية لتصبح أكبر لاعب في ميدان التحويلات المالية في المنطقة.

إنها شركة كريم، تلك الشركة المليارية التي تعمل في مجال النقل وأطلقت في الآونة الأخيرة استراتيجية تطبيقها الفائق، واقتحمت مجال التكنولوجيا المالية حينما قدمت في عام 2018 محفظتها المغلقة التي تعتمد على طريقة الند للند، مما مكَّن مستخدميها من تحويل الرصيد إلى مستخدمي التطبيق الآخرين. ومحفظتها المحمولة هي المحفظة الرقمية الأكثر تنزيلاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى الرغم من أنها لا تملك التراخيص اللازمة لتصبح محفظة مفتوحة تسمح للمستخدمين بصرف مدفوعاتهم نقداً، يمكن للمستخدم شراء مجموعة متنوعة من السلع والخدمات عبر منصتها. وتعكف شركة كريم حالياً على إقامة شراكات مع مُقدمي خدمات آخرين لكي ينضموا إلى تطبيقها الفائق ويتمكن مستخدمو التطبيق من تسديد ثمن ما يشترونه منهم باستخدام محفظة كريم. وإذا تمكنت الشركة من الحصول على الموافقة التنظيمية لتصبح محفظة مفتوحة، فستصبح أكبر شركة ناشئة لتحويل الأموال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

إنها طريقة تلجأ إليها شركة كريم وغيرها من الشركات التي تتطلع إلى تعزيز وجودها وتقديم مزيد من الخدمات، من أجل تحقيق استدامة أكبر وعمر أطول لمنصتها. يقول روبرت شو، رئيس الشؤون التجارية في شركة دينغ، وهي شركة تقدم خدمات شحن رصيد الهواتف المحمولة وتتخذ من أيرلندا مقراً لها: "إنهم يحاولون إنشاء هذه التطبيقات المالية الفائقة، والدفع عبر الهاتف المحمول هو سبيلهم للقيام بذلك، فهو طريق مدروس ويركز على الاستيلاء على السوق. وفكرة بيع منتجات متعددة لنفس العميل تكمن في تقديم هذه المنتجات في تطبيقك الآن وتوفير أسباب عديدة تجعل العميل لا يغادر التطبيق. ونرى حالياً شركات كثيرة تضيف خدمات تحويل الأموال وشحن الرصيد إلى ما تقدمه من خدمات. وتحاول الشركات تقديم خدمات متنوعة على تطبيقاتها لتلبية الاحتياجات اليومية الأخرى لعملائها. وسيكون تقديم خدمة تحويل الأموال أمراً ستنظر فيه شركات التجزئة الكبرى في القريب العاجل."

وقد استثمرت ومضة في شركة «ناو موني».

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.