English

الصراع الإقليمي على الشركات الناشئة ورواد الأعمال [الجزء الأول]

English

الصراع الإقليمي على الشركات الناشئة ورواد الأعمال [الجزء الأول]
Image courtesy of Shutterstock

يرى كثيرون أن الشركات الناشئة والشركات العاملة في الفضاء الرقمي هي التي أنقذت اقتصاد الشرق الأوسط خلال هذه الجائحة. ففي ظل إجراءات الإغلاق التي غيَّرت العادات اليومية، ظلت القطاعات الأساسية واقفة على قدميها بفضل الخدمات المُقدَّمة من الشركات العاملة في العالم الإلكتروني، وأولئك الذين كانوا فيما مضى يتحاشون كلاً من الشركات الناشئة والحاجة إلى الرقمنة، أصبحوا الآن يقبلون عليهما بكل حماس. 

وغالباً ما يُنظر إلى الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة على أنها مساهم أساسي في اقتصاد المعرفة، وفي توفير فرص العمل والابتكارات. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، يسهم قطاعا الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة مُجتمِعان بنسبة تصل إلى 40% من الناتج الإجمالي المحلي وبنسبة تصل إلى 50% في توظيف العاملين بالقطاع الخاص في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

وكانت المبادرات المُوجَّهة نحو الشركات الناشئة ورواد الأعمال تشهد ازدياداً بالفعل في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من جانب حكومات حريصة على دعم هذا القطاع وتحويل مدنها إلى مراكز لريادة الأعمال. تقول نجلاء المدفع، المدير التنفيذي لمركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع): "ريادة الأعمال ضرورية لبناء اقتصاد قوي، لا سيما أن التكنولوجيا تُغيِّر سريعاً الطريقة التي نعيش ونعمل بها. ويدرك قادتنا أنه لكي نكون في طليعة التقدم ونضمن عالماً أفضل للأجيال القادمة، يجب أن تكون لدينا رغبة في الابتكار".

كما أن الخطط الاقتصادية الحكومية مثل برنامج "غداً 21" الذي أطلقته حكومة أبو ظبي، أو رؤية دبي 2021، أو رؤية المملكة العربية السعودية 2030، تضع جميعها مخططات لتعزيز ريادة الأعمال والاقتصاد المعرفي، وذلك في الغالب من خلال إقامة بيئات حاضنة لتسهيل الابتكار.

وتميل أنجح البيئات الحاضنة للشركات الناشئة والابتكار حول العالم إلى الظهور في إطار منظومة متكاملة، وعادةً ما تتمحور حول جامعة أو معهد بحثي. وفي حالة وادي السيليكون، كانت دائماً هذه النواة هي جامعة ستانفورد التي تواصل تخريج مواهب عظيمة وإنتاج بحوث تغذي البيئة الحاضنة.

وقد أُقيم كثير من مراكز ريادة الأعمال والبيئات الحاضنة في الغرب على أساس نموذج ثلاثية الابتكار (Triple Helix) الذي وضعه في تسعينيات القرن الماضي الأستاذان هنري إيتزكويتز ولويت ليديسدورف. ويشير هذا النموذج إلى أن العمود الفقري لمجتمع المعرفة والابتكار يتكون من المؤسسات الأكاديمية والشركات والحكومات. وألهمت هذه النظرية كثيراً من سياسات الابتكار الحكومية، مما أسفر عن مجمعات العلوم والتكنولوجيا، وأسفر في نهاية المطاف عن بيئات حاضنة.

ومع نمو ريادة الأعمال في جميع أنحاء العالم، نمت هذه الثلاثية وأصبحت خماسية، بعد أن أُضيف إلى هذا المزيج رواد الأعمال وعصب حياتهم – ألا وهو رأس المال. ويوجد في الشرق الأوسط جانب أساسي آخر لضمان نجاح البيئة الحاضنة، ألا وهو نوعية الحياة.

تقول نجلاء المدفع: "لا بد من وجود عدة ركائز من أجل إنشاء بيئة حاضنة للشركات الناشئة، لا سيما إذا أُريد لهذه البيئة أن تكون ناجحة ومزدهرة. وأول هذه الركائز وأهمها هو الانتشار القوي لثقافة ريادة الأعمال التي تتقبل المخاطرة وتتسم بالتفكير النقدي والمرونة، فضلاً عن الثقافة التي لا تَعتبر الفشل وصمة عار. فريادة الأعمال ليست مجرد مسار وظيفي – بل تتطلب عقلية تؤمن بالنمو ومجتمعاً يشجع على القيام بقفزات إلى المجهول من أجل تطوير بيئة تسهل الابتكار حقاً."

ولأكثر من عقد من الزمان، كانت دبي، ببنيتها التحتية القوية وقدرتها الخارقة على جذب مواهب من جميع أنحاء العالم، بمثابة محور الأعمال التجارية في الشرق الأوسط. فتسعى الشركات العالمية إلى إقامة مقر إقليمي لها في دبي، ومن تلك الإمارة تُلبَّى احتياجات المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، وكذلك في إفريقيا وآسيا.

يقول عبد العزيز الجزيري، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل: "دبي قائمة على الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن يجب أن نفرق بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات القائمة على الابتكار. لقد رأينا من منظور الحكومة أن الاقتصاد الرقمي سيكون مهماً. وأدركت دولة الإمارات خلال جائحة كوفيد-19 أننا بحاجة إلى إعادة النظر في كل ما اعتدنا عليه – هل الصناعات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن هي التي ستمضي بنا قدماً في المستقبل؟" 

إن هذه الجائحة لم تغيّر طريقة ممارستنا لحياتنا اليومية فحسب، بل غيَّرت أيضاً طريقة ممارستنا للأعمال التجارية. وأدت المرونة الأكبر الناتجة عن زيادة العمل عن بُعد إلى إتاحة قاعدة عالمية من أصحاب المواهب، وأعادت تعريف معنى إنشاء مقر للشركة. وسوف تزداد صعوبة إقناع أي شركة ناشئة بتركيز عملياتها كلها في مدينة واحدة، وذلك بسبب تغيُّر أولويات الشركات واتجاهها المتزايد نحو مزيد من المرونة. 

تقول نجلاء المدفع: "لقد أجبرنا ذلك بالتأكيد على إعادة التفكير في معنى وجود "مقر" شركة ناشئة في منطقة معينة، وتأثير ذلك على مستقبل مراكز العمل المشتركة وتقديم عروض البرامج. وشيئاً فشيئاً، يبدو أنه في الواقع لم يعد مكان وجود رائد الأعمال مهماً ما دام قادراً على التعامل مع البيئة الحاضنة التي يرغب فيها". وأضافت: "ستذهب الشركات الناشئة إلى المكان الأنسب لها، ولم تعد بالضرورة مرتبطةً بموقع مادي معين. وتقع المسؤولية الآن على عاتقنا نحن بناة البيئة الحاضنة ومؤسسات دعم ريادة الأعمال لتوسيع نطاقنا والتكيف مع هذا المشهد المتغير".

وقد زادت المنافسة بين مراكز الأعمال في المنطقة على الاحتفاظ بالشركات الناشئة أو جذبها، ويتعامل كل مركز منها مع هذا المشهد المتغير بطريقته الخاصة، فطرح البعض تأشيرات وتراخيص جديدة، ووضع البعض الآخر لوائح وصناديق جديدة.

وإن كانت دبي قد شقت طريقاً لرواد الأعمال في المنطقة فجذبت أصحاب المواهب والمستثمرين، فإن هناك مدناً ودولاً أخرى قد اتخذت نهجاً مماثلاً وتحاول أن تسبق إمارة دبي لتصبح الوجهة المفضلة للشركات الناشئة، ومن هذه المدن والدول: أبو ظبي والشارقة والبحرين والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن.

يقول نادر مصيطف، النائب الأول لرئيس حاضنة الشركات الناشئة Hub71: "لكي تحافظ المدن والاقتصادات والمجتمعات على مكانتها في ظل التحول التكنولوجي، لا بد أن تحافظ على أهميتها وتواكب المستجدات، وإلا تخلفت عن الركب وفقدت أهميتها". وأضاف: "من الواضح أن جائحة كوفيد-19 قد سرَّعت وتيرة بعض هذه الاتجاهات، مثل التجارة الإلكترونية والصحة والتعليم، ولكن إذا لم تكن لديك البيئة الحاضنة الصحيحة وكانت الشركات والجهات الفاعلة المعنية في هذا المجال تتكيف مع تلك التغييرات وتحافظ على إتاحة التكنولوجيا للمجتمعات، فأعتقد أن الاقتصادات ستعاني بسبب ذلك، وستجد مدناً تتعطل بسبب مدن أخرى تركز على هذه الأمور".

إن إقامة مقر لشركتك في الشرق الأوسط أصبح الآن يعتمد بشكل أكبر على نمط الحياة، وأوضاع السوق، ومدى وجود بيئة تنظيمية داعمة لريادة الأعمال. ومن بين الشركات الناشئة التي تحدثنا إليها، هناك من يرى أنه توجد الآن في منطقة الشرق الأوسط أماكن بها جهات تنظيمية أكثر تجاوباً وتقبلاً من دبي.

وفي الجزء الثاني من هذا المقال، سننظر في مكانة دبي بوصفها مركز ريادة الأعمال في الشرق الأوسط لنرى هل يمكنها أن تحافظ على هذه المكانة خلال السنوات القادمة أم لا.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.