English

أنغامي: نجاح قائم على المواءمة المحلية

English

أنغامي: نجاح قائم على المواءمة المحلية
Eddy Maroun, co-founder of Anghami

عندما كان إيدي مارون يمارس رياضة التزلج في أحد المنتجعات الجبلية اللبنانية في عام 2011، كان الوصول إلى الموسيقى أمراً مرهقاً. كانت أجهزة تشغيل الموسيقى مثل "آيبود" منتشرة بالفعل، لكنها كانت تتطلب أن يقوم المستخدمون بتنزيل الأغاني أولاً وتثبيتها على مشغل الموسيقى أو تحويلها من قرص مضغوط إلى ملفات MP3. وكان ذلك هو الخيار الرئيسي المتاح للراغبين في شراء المصنفات الموسيقية وتجنب القرصنة التي كانت، ولا تزال، شائعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكانت منصات البث الموسيقي قد بدأت تظهر في الغرب، وفي تلك العطلة، فكَّر مارون في إطلاق شيء مشابه لتلك المنصات في الشرق الأوسط.  

وأطلع إيلي حبيب على رؤيته المتمثلة في إنشاء تطبيق للبث الموسيقي يُركِّز على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فاشتركا في تأسيس شركة "أنغامي" في عام 2012، وأصبحت "أنغامي" الآن أول شركة تكنولوجية ناشئة في الإقليم تُدرَج في بورصة ناسداك في نيويورك. ومن المتوقع إتمام إدراج أنغامي في الربع الثاني من عام 2021، عبر الاندماج مع شركة "فيستاس ميديا أكويزشن كومباني" (VMAC)، وهي شركة استحواذ ذات أغراض خاصة، وذلك بقيمة 220 مليون دولار.

ويبلغ عدد المستخدمين المُسجَّلين في منصة "أنغامي" 70 مليون مستخدم، وتبث المنصة أكثر من مليار أغنية في الشهر، ولذلك تُعد أكبر منصة بث موسيقي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأحد نجاحات البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في المنطقة.

ولكن رحلة حبيب ومارون لم تكن خالية من التحديات. فعلى الرغم من أن الشريكين سرعان ما حصلا على تمويل قدره مليون دولار في عام 2012 من شركة ميدل إيست فينتشر بارتنرز (MEVP) اللبنانية، وتمكنا من توقيع عقود شراكة مع "روتانا" و"سوني ميوزيك" و"يونيفرسال" و"إي إم آي" و"وارنر"، مما أتاح لهما إمكانية الوصول إلى مليوني أغنية عربية وعالمية، كان الإقبال في سوق البث الموسيقي ضعيفاً.

التحديات الأولى

في الوقت الذي أُطلِقت فيه المنصة، لم تكن نسبة انتشار الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تجاوزت 25% في أكثر من نصف بلدان المنطقة، وفقاً للبنك الدولي، بينما كانت تلك النسبة في دول مجلس التعاون الخليجي تزيد على 50%. ولكن كان انتشار الهواتف المحمولة في ازدياد، وأدى توفر هواتف ذكية أرخص إلى تمكين شرائح سكانية أكبر من الاتصال بالإنترنت عبر الهاتف المحمول، وهذا هو سبب إطلاق أنغامي في البداية كتطبيق للهواتف المحمولة.

وفي ذلك الوقت، كانت الهواتف المحمولة الأكثر شيوعاً في منطقة الشرق الأوسط هي هواتف نوكيا، وكانت معظم البلدان تستخدم إما شبكة 2G وإما شبكة 3G، وهما أبطأ بكثير من شبكتي 4G و5G اللتين نستخدمهما اليوم.

يقول مارون: "كان التطبيق في البداية يُستخدم على أجهزة غير مُصمَّمة للبث، لم تكن لدى المستخدمين الإمكانيات التي تجدها اليوم على أجهزة أندرويد أو آيفون. وما ساعد على ذلك هو سرعة الاتصال بالإنترنت عبر الهاتف المحمول والبنية التحتية، والمنظومة بأكملها التي ساعدت على زيادة الاستخدام والاستهلاك. فالأجهزة جانب ضروري للغاية، ويتمثل أحد الجوانب الأخرى في شبكات الاتصال التي أصبحت متاحةً أكثر فأكثر".

حل مشكلة المدفوعات

لقد ازدهر البث وانتعش مع زيادة انتشار الهواتف الذكية وشبكات الجيل الرابع (4G). ولكن حتى مع تطوُّر الهواتف المحمولة وشبكات الاتصال، لا تزال توجد مشكلة رئيسية، ألا وهي المدفوعات.

كان إقناع الناس بشراء المصنفات الموسيقية من أكبر التحديات التي واجهت "أنغامي". وقد نجحت استراتيجية المجانية المحدودة (فريميوم) التي تسمح للمستخدمين بالاستماع إلى الموسيقى التي تتخللها إعلانات، لكن تحويل المستخدمين إلى مشتركين تطلب جهداً أكبر.

يقول مارون: "لم يكن من السهل إقناع الناس بشراء المصنفات الموسيقية، لأنهم لم يكونوا يدفعون قط مقابلاً مادياً نظير الاستماع إلى الموسيقى. لم تكن لديهم ثقافة دفع ثمن الموسيقى. كان هذا جزءاً من عملية نشر الوعي ... كان علينا أن نوفر لهم آليات دفع".

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن نسبة الأشخاص الذين لديهم حساب مصرفي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تتجاوز 14%، وهي أكبر نسبة لغير المتعاملين مع المصارف في العالم. ولا يزال انتشار بطاقات الائتمان في هذه المنطقة محدوداً، وفي الوقت الذي أُطلقت فيه منصة "أنغامي" كان مجال المدفوعات الرقمية لا يزال في مهده، ولذلك كان الحل الأنسب لدفع المستخدمين ثمن الاشتراك هو دفعه من خلال شركات الاتصالات عن طريق الفواتير المباشرة للهاتف المحمول. وكانت أولى شركات الاتصالات التي تعاقدت مع "أنغامي" هي "أورنج الأردن"، وسرعان ما بدأت شركات أخرى تحذو حذوها، وما شجعها على ذلك هو وجود مصدر جديد للإيرادات والقدرة على تقديم الخدمة لعملائها.

يقول مارون: "كان ولا يزال لشركات الاتصالات دور فعال في تسهيل اشتراك المستخدمين بطريقة مريحة. فكانت تلك الشركات ترى التقدم الذي تحرزه المنصة، وكانت سعيدة بقدرتنا على تحقيق أرباح مالية من هذه المعاملة. ولا تريد [شركات الاتصالات] أن تكون مجرد معبر، بل كان معظمها يحاول تقديم حوافز للمستخدمين كي لا تكون مجرد وسيلة دفع. فأحياناً يكون [اشتراك أنغامي] مصحوباً بباقة إنترنت مجانية، ومرونة في الدفع مثل الدفع يومياً أو شهرياً – وكل ذلك ساعدنا على التوسُّع وزيادة الاشتراكات المدفوعة في منصتنا".

إن فهم هذه الفروق الدقيقة التي تتسم بها سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بدايةً من البنية التحتية للهواتف المحمولة ووصولاً إلى عدم انتشار بطاقات الائتمان، ساعد شركة "أنغامي" على التوسع، وساعدها أيضاً على الاحتفاظ بريادتها في السوق عندما بدأت شركات عالمية تدخل المنطقة.  

واليوم، تُقيم "أنغامي" 36 شراكة مباشرة مع شركات الاتصالات، ولا يزال الدفع المباشر عبر الهاتف المحمول هو طريقة الدفع السائدة لمستخدمي المنصة. بل أصبحت شركة موبايلي السعودية في عام 2013 من المستثمرين في شركة أنغامي، إذ استثمرت 1.5 مليون دولار، وكذلك استثمرت شركة du التي تتخذ من دبي مقراً لها 5 ملايين دولار في عام 2014.

يقول مارون: "هذا جزء من المواءمة المحلية التي يجب التفكير فيها دائماً، ولا أعتقد أن شركة عالمية ستذهب إلى كل شركة اتصالات وتمر بكل دورة من دورات الفوترة الخاصة بها. وهذه ميزة قوية للغاية لصالحنا كشركة محلية لكي نظل قادرين على المنافسة ولدينا ميزة تفضيلية قوية للغاية مقارنةً بالمنافسين العالميين."

وفي عام 2018، دخلت شركتا "سبوتيفاي" و"ديزر" المنطقة، وهما من الشركات التي تتمتع بحضور قوي في شتى أنحاء العالم. ويقول مارون إن المنافسة المتزايدة ساعدت على نشر الوعي في السوق، ولذلك زاد عدد مستخدمي منصة "أنغامي". وأضاف: "القرصنة دائماً هي أكبر منافس لنا. وعندما أتت شركتا "سبوتيفاي" و"ديزر" إلى المنطقة، حققنا نمواً، وحققنا في السنوات الثلاث الماضية نمواً بنسبة 80%. وقد يبدو لك أن ظهور المنافسين سيؤدي إلى تآكل حصتك السوقية، لكنه يؤدي إلى زيادة نشر الوعي في السوق، ويُعرِّف مزيد من الناس بالبث، ولذلك يُنمي السوق بأكملها والبيئة الحاضنة، ويجعلك متأهباً ويقظاً ويُشعل رغبتك في الابتكار ودفع نفسك إلى الأمام".

ورفض مارون أن يكشف عمّا إذا كانت "سبوتيفاي" أو "ديزر" أو غيرهما من المنصات قد تقدمت بعرض استحواذ، لكنه قال إن: "أنغامي هي الهدف الواضح لكل من يريد أن يهيمن على سوق الشرق الأوسط".

الجائحة

بحلول عام 2016، كان عدد مستخدمي منصة أنغامي قد بلغ 30 مليون مستخدم، وكان 65% منهم من أصحاب الاشتراكات المدفوعة، وكانت أنغامي قد أنشأت قائمة تضم 20 مليون أغنية، وحصلت على 23.7 مليون دولار من المستثمرين، بما في ذلك 3 ملايين دولار من شركة MBC Ventures التي قدمت أيضاً إلى أنغامي محتوى حصرياً من الفيديوهات. واستمر نمو منصة أنغامي، إذ أضافت في أثناء ذلك مميزات وخدمات جديدة مثل البودكاست والأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي بدأ بثها بحلول عام 2019 عندما وصل عدد أصحاب الاشتراكات المدفوعة إلى مليون مشترك.

وكان يبدو أن الشركة تزداد قوةً يوماً بعد يوم، إلى أن حلّت الجائحة. يقول مارون: "كانت الجائحة من أكبر التحديات، فقد كنا نسير في نفق مظلم لا نرى له أي نهاية، ولا نعرف ما سيأتي بعده أو كيف سنتجاوزه. لقد حلّت الجائحة في مرحلة كنا نقوم فيها بجمع الأموال وكنا نبحث عن الأموال اللازمة لنمو الشركة. وكان الأمر صعباً حقاً، والدروس المستفادة من هذه الأوقات العصيبة مهمة جداً".

في بداية الجائحة، انخفض استخدام المنصة بنسبة 10% تقريباً، فقد كان الناس أحرص على متابعة الأخبار من استماعهم إلى الموسيقى، ولم يكن الفنانون يصدرون محتوى جديداً، ولكن في النهاية عادت الأمور إلى "طبيعتها". وخلال هذه الفترة، بذل أعضاء الفريق قصارى جهدهم ليكونوا أكثر "انضباطاً ونشاطاً"، على حد تعبير مارون، وعملوا بجد واجتهاد لإطلاق ميزات جديدة مثل الحفلات الموسيقية الافتراضية والراديو المباشر. فيقول مارون: "لقد ضغطنا على أنفسنا أكثر فأكثر لنصبح أكثر كفاءة من الناحية المالية، وكان إجمالي الإيرادات في نهاية العام شبه إيجابي".

وفي نهاية المطاف، نجحت الشركة في الحصول على تمويل، وكان التمويل في هذه المرة من شركة "شعاع كابيتال" في شهر كانون الأول/ديسمبر ومكتب أبوظبي للاستثمار، مما دفع أنغامي إلى نقل مقرها الرئيسي من بيروت إلى حاضنة Hub71 في أبوظبي، وهي خطوة يقول عنها مارون إنها "أنسب" للمرحلة التالية من نمو أنغامي.

يقول مارون: "لديك اقتصاد أكبر بكثير [في الإمارات العربية المتحدة]، كما أنك أقرب إلى أسواقك الأساسية، ويمكنك الوصول على نحو أسهل إلى العالم وأصحاب المواهب، ولديك فرص أكبر للحصول على رأس المال، وهذا أمر مهم للغاية، وتتلقى دعماً جاداً وهائلاً من هيئات حكومية تدرك أهمية نمو الشركات التكنولوجية المحلية".

النمو المستقبلي

لقد سبق أن تلقى حبيب ومارون عدة عروض للاستحواذ على الشركة، ولكنهما رفضا. ولأنها "شركة تكنولوجية إعلامية عربية"، رأى الشريكان أن طرحها للاكتتاب العام وتطوير البيئة الحاضنة المحلية أهم. يقول مارون: "كنا نستكشف الكثير من خيارات التمويل، وكان معظمها على مستوى الاكتتاب الخاص. وبدأنا نرى ظهور شركات الاستحواذ لأغراض خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتواصلت معنا شركة فيستاس وقبلنا العرض، ورأينا أن حجمها مناسب تماماً للمرحلة التي تمر بها شركتنا، فكان الاكتتاب العام في سوق سريعة التداول أمر منطقي تماماً بالنسبة لنا".

إن طرح أسهم أنغامي للاكتتاب العام في بورصة ناسداك سوف يُمكِّن الشركة من أن تكون "ذات طابع محلي أكبر" و"أكثر استقلالاً"، على حد تعبير مارون الذي قال: "عندما لا تعتمد على أموال شركات رأس المال الاستثماري أو لا تستحوذ عليك شركة أخرى، فإنك تحافظ على نوع من الاستقلال في الطريقة التي تريد أن تعمل بها. وكان ذلك إحدى الركائز الأساسية التي استند إليها قرارنا بطرح الشركة للاكتتاب العام. لم نرغب في قبول استحواذ شركة أخرى والقضاء بطريقة أو بأخرى على الاسم التجاري لأنغامي وعلى التجربة التي عكفنا على بنائها لهذا الجمهور على وجه التحديد. ونعتقد أن أنغامي يمكن أن تظل دائماً تلك المنصة العربية التي توفر مزيداً من الخدمات الملائمة للسوق المحلية وتعمل بشكل أوثق مع البيئة الحاضنة العربية والمحلية. فلدينا التمويل اللازم للنمو، ونعمل بشكل أفضل دون أن نخضع لشركة أكبر".

وفور طرح الشركة في البورصة، "يبدأ العمل الحقيقي"، على حد تعبير مارون، وهو ما سيستلزم زيادة أعضاء الفريق من 120 إلى 150 بحلول نهاية هذا العام وإنشاء مركز للبحث والتطوير في أبوظبي، وذلك من أجل الابتكار و"زيادة القدرة على التكيف وتقديم خدمات مناسبة للمنطقة".

أما خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي الخاصة بأنغامي فإنها تعالج حالياً أكثر من 56 مليون نقطة بيانات من قاعدة مستخدميها يومياً. كما أن بيانات المستخدمين التي جُمعت على مدار أكثر من تسع سنوات تُمكِّن الشركة من التنبؤ بسلوك المستخدمين وتوجهاتهم من أجل تركيز استثماراتها بشكل أفضل وزيادة مكاسبها المالية.

يقول مارون: "نحرص دائماً على الابتكار في مجالنا لتقديم خدمات أنسب، ولتلبية مزيد من احتياجات سوقنا وبيئتنا الحاضنة، وكنا نعتقد دائماً أن المحتوى العربي في المنطقة يفتقر بشدة إلى الانتشار".

وتحتوي المنصة الآن على أكثر من 57 مليون أغنية، منها 1% فقط باللغة العربية، في حين أن نسبة الاستماع إلى الأغاني العربية تبلغ النصف. يقول مارون: "توجد فجوة بين العرض والطلب، وهناك فرصة لتلعب أنغامي دوراً في سد هذه الفجوة". وتتطلع أنغامي إلى توفير وسيلة تُمكِّن الفنانين العرب من الوصول إلى جمهورهم و"تحقيق مكسب مالي من خلال البث والشراكات التجارية" مع منحهم "منصة أو منبر لتكوين هويتهم الفنية من حيث الشعبية ومن حيث الإيرادات".

كما تركز الشركة أنظارها على النمو المستقبلي في المملكة العربية السعودية ومصر، "فهناك إمكانات هائلة والكثير من الإمكانات غير المستغلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، على حد تعبير مارون.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.