English

هل تستطيع السعودية أن تصبح واحدة من أكبر مراكز ريادة الأعمال بالعالم خلال المستقبل القريب؟

هل تستطيع السعودية أن تصبح واحدة من أكبر مراكز ريادة الأعمال بالعالم خلال المستقبل القريب؟

شهدت المملكة العربية السعودية طفرة غير مسبوقة فيما يخص قطاع ريادة الأعمال وتسارع وتيرة نمو الشركات المحلية الناشئة، ولعل أبرز ما يوضح ذلك هو حصول الشركات الناشئة التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقرًا لها على استثمارات خلال عام 2021 بقيمة ٦٤٧ مليون دولار، وذلك من خلال ١٣٨ صفقة تمويلية، حيث تضافرت العديد من الجهود - خاصة خلال العقد الأخير - التي عملت على أن تجعل المملكة واحدة من أكبر الأسواق الجاذبة للشركات الناشئة، فضلًا عن جذب رأس المال الجريء للاستثمار في المشاريع الناشئة الوطنية وتشجيع نموها بصورة لم تعهدها البلاد من قبل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتطلع صندوق رأس المال الجريء التقني (STV) في المملكة العربية السعودية إلى جمع مليار دولار لتعزيز ودعم إنشاء مزيد من الشركات المليارية في المنطقة، كما جمعت شركة "فودكس" السعودية تمويلاً قدره 170 مليون دولار خلال جولة استثمارية من فئة C، خلال شهر أبريل الحالي، فضلًا عن قانون الاستثمار الجديد وما يحمله من فرص استثمارية لجذب الشركات الأجنبية للبلاد، وبالرغم من ذلك هناك عدد من التحديات التي قد تقف عائقًا أمام نمو قطاع ريادة الأعمال بالمملكة وتطويره بالشكل الذي ينتظره الجميع.

سوق واسع

تعتبر السعودية من أكبر أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموًا في جذب الاستثمارات وإنشاء الشركات الناشئة المحلية، لدرجة أنها تنافس الأن بقوة لاجتذاب الشركات الناشئة الأجنبية، ومن المتوقع أن تدخل في منافسة مع مصر التي تمتلك أكبر سوق استهلاكي بالمنطقة مدفوع بنمو سكاني هائل، فتعتمد في ذلك على كونها واحدة من أضخم الأسواق الاستهلاكية بالمنطقة، يمتلك 97% من سكانها لهواتف ذكية، بالإضافة إلى امتلاكها سرعة إنترنت عالية، كما يتراوح عمر 43% من سكانها بين 18 و 34 عامًا، ويمتلك 72% عن لحساب مصرفي، ويوجد بها أكبر شركات لرأس المال الجريء بالمنطقة مثل جلوبال 500، STV، وادي مكة، وواعد.

عن أسباب النمو السريع للنظام البيئي للشركات الناشئة وريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية خلال العام الماضي تقول "أمل دخان"، الشريكة في 500 Global: "نحن الآن في مرحلة تدرك فيها الحكومات أهمية بناء وتمكين نظام بيئي للشركات الناشئة كركيزة اقتصادية، لذلك هناك برامج حكومية لدعم الشركات التقنية الناشئة وريادة الأعمال، سواء من حيث تسهيل النظام البيئي، أو الإصلاحات التنظيمية لتسهيل العمل، أو هيكلة حلول التمويل."

اتجهت السعودية خلال العشر سنوات الأخيرة لتنويع اقتصادها غير النفطي، والتحول لجذب المؤسسات الاقتصادية العالمية، وفتح الباب أمام المبتكرين من رواد الأعمال لإنشاء مشاريعهم الخاصة، وهو ما يوضحه البنك الدولي الذي ذكر أنه تشير أحدث البيانات الرسمية إلى أن الاقتصاد السعودي الغير نفطي سجل نموًا بنسبة 5.1% في عام 2021، نتيجة فتح الباب أمام استثمارات القطاع الخاص والمشاريع الناشئة بالسوق المحلي ليساهم ذلك في انخفض معدل البطالة بمقدار 9 نقاط، ليسجل الحساب الجاري بدوره فائضًا قدره 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي، متخطيًا بذلك العجز الذي شهده خلال عام 2020 والذي بلغ 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

يقول "أحمد الزيني"، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة "فودكس"، التي تتخذ من السعودية مقراً لها: "يساهم الدعم الحكومي بالمملكة في توفير فرص جديدة في مختلف القطاعات، كالانفتاح الأخير على قطاع السياحة، ورؤية المملكة الرامية إلى تعزيز مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد لتصل إلى %35 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، ونظرًا لحجم السوق الضخم، ونضوج واستقرار المستهلكين وتوجهاتهم تتوفر العديد من الفرص في مختلف المستويات والقطاعات، من قطاع المستهلكين وحتى قطاع الشركات، كما تعمل الحكومة على دعم منظومة الشركات الناشئة من خلال مبادرات رائدة، مثل إطلاق حاضنات الأعمال، وتبسيط متطلبات الحصول على التراخيص."

 يشير تقرير مؤسسة "إنديفر"، الذي جاء تحت عنوان "خريطة الشركات التقنية في مدينة الرياض"، وصدر خلال العام الحالي، إلى أنه تعتبر ريادة الأعمال جزء متنام من اقتصاد السعودية، فوفقًا لمؤشر ريادة الأعمال، فإن السكان المشاركين في قطاع ريادة الأعمال أرتفع من 13.7% إلى 22.4% بين عامي 2016 م و2020، وذلك بالإضافة إلى نمو معدل الاستثمار الخاص في الشركات الريادية بشكل ملحوظ، حيث كان يصل مبلغ تمويل رأس المال الجريء للشركات الناشئة في المملكة قبل عام 2016 م الى 6 ملايين دولار سنويًا ليرتفع في عام 2020 م ليصل إلى 152 مليون دولار بمتوسط نمو سنوي يبلغ 35%، كما استطاعت السعودية أن تجتذب الشركات الأجنبية للسوق المحلي حيث أنه بحلول أواخر عام 2021، وقعت أكثر من 40 شركة أجنبية على تراخيص لإنشاء مراكز إقليمية في المملكة، كما تهدف المملكة إلى جذب أكثر من 400 شركة أخرى بحلول عام 2030.

جهود ومعوقات  

بذلت المملكة جهود هائلة لاستقطاب الشركات الأجنبية وتنمية المشاريع الناشئة المحلية القائمة على المجالات التقنية أبرزها التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية، مثل تخصيصها مبلغ 1.2 مليار دولار لإطلاق سلسلة من المبادرات لتحسين المهارات الرقمية، ووضع خطة طموحة ليصبح واحدًا من كل 100 مواطن سعودي مبرمجًا، ومساندة رواد الأعمال المحليين من خال قانون المشتريات العامة لعام 2019، الذي طالب الجهات الحكومية بشراء منتجات معينة من المزودين المحليين، بينما تخضع المنتجات الأخرى من خارج المملكة لفائدة تقدر بنسبة 10 %، وذلك لتشجيع وتنمية فرص الشركات الناشئة وفتح الباب أمامها للمنافسة المحلية بشكل أسهل وأسرع.

يعود "الزيني" ويشير إلى أنه بالرغم من تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على  نظام سلسلة التوريد العالمية، إلا أن المملكة حققت الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة والموارد، حيث تمتلك قرابة 25% من احتياطي النفط العالمي، وتُعد واحدة من أكبر الدول المصدرة للطاقة، وبينما ستتأثر جميع الدول بدرجات متفاوتة، نعتقد أن تداعيات هذه الظروف الاقتصادية على المملكة لن تكون بهذه القسوة، ومن الممكن أن نواجه صعوبات وعوائق في سلسلة توريد الغذاء والمواد الأخرى القادمة من دولتي الصراع، لكننا على ثقة بقدرة الحكومة على مد يد العون لمساعدتنا على تخفيف وطأة هذه الأزمة العالمية وتعزيز النمو أيضاً، كما فعلت سابقاً خلال أزمة كوفيد-19."

بالرغم من تلك الجهود لا نستطيع أن نغفل بعض العقبات التي تواجه رواد الأعمال والشركات الناشئة في المملكة، حيث أظهرت دراسة "إنديفر" أن العديد من رواد الأعمال نقلوا بعض مشاريعهم إلى خارج المملكة وذلك بسبب بعض التحديات مثل نقص المواهب التقنية التي تعيقهم عند توسع شركاتهم، حيث أن أكثر من 90% من المؤسسين الذين تمت مقابلتهم لديهم بالفعل فرق تقنية في دول أخرى، وأوضح 84% من المؤسسين أن استقطاب المواهب للمناصب الإدارية يشكل عقبة رئيسية أو خطيرة بينما أجاب 63% من المشاركين أن توفر المواهب الفنية كان عقبة رئيسية أو خطيرة، كما شكلت اللوائح والتشريعات الحكومية تحديات كبيرة لما يقارب نصف رواد الأعمال الذين تمت مقابلتهم، كما اعتبر 38% من رواد الأعمال المشاركين في الدراسة أن العثور على رأس المال يعتبر تحديًا كبيرًا أو خطيرًا بالنسبة لهم، بالإضافة إلى أنه قد وصف 24% منهم ان ضعف ثقة العملاء المحتملين في الشركات التقنية المحلية، يمثل تحديًا كبيرًا بسبب اعتقادهم بتفوق جودة المنتج الأجنبي على نظيره المحلي.

من جانبها توضح "دخان"، "أنه بالرغم من الدعم الرسمي لرود الأعمال وتشجيعهم، إلا أنه لا تزال اللوائح قيد التطوير، ويمكن للإصلاحات التنظيمية جذب المستثمرين أيضًا وتمهيد الطريق أمام الشركات الناشئة للعمل بشكل أوسع."

رؤية مستقبلية

توقع تقرير مجموعةSovereign ، الذي حمل عنوان "قانون جديد للاستثمار يعامل المستثمرين السعوديين والأجانب على قدم المساواة"، وصدر في أبريل الماضي، أن يزيد قانون الاستثمار الجديد - الذي تم الإعلان عنه مؤخرًا من جانب وزارة الاستثمار السعودية – من جذب الاستثمارات والشركات الخارجية بنسبة 50٪، حيث يعامل الاستثمار المحلي والأجنبي معاملة متساوية، فسيمنح القانون المستثمرين الأجانب حرية إدارة مشاريعهم الاقتصادية، بالإضافة إلى إمتلاك أي عقارات ضرورية تضمن عمليات تجارية سلسة، كما سيمكن رواد الأعمال من إبرام العقود التجارية بدعم كامل من جميع السلطات المختصة، بالإضافة إلى أنه سيخضع كل من المستثمرين المحليين والأجانب لنفس متطلبات الموافقة على التراخيص والتسجيل، وكذلك على الموافقات أو التصاريح لبعض الأنشطة الاقتصادية أو المناطق الاقتصادية الخاصة.

وما يوضح بشكل أكثر واقعية مدى الإقبال المتزايد على التخطيط للاستثمار في المملكة، خاصة من جانب الشركات الناشئة ورواد الأعمال، فقد سلطت مشاركة المملكة في "أكسو دبي 2020" الضوء على رؤية السعودية 2030، وأجندة النمو الاقتصادي الطموحة التي تعتمد على المستثمرين الشباب ورواد الأعمال والمشاريع الناشئة من داخل وخارج المملكة، حيث تمكن الجناح السعودي من اجتذاب ما يقرب من خمسة ملايين زائر من إجمالي الحاضرين، أي ما يوازي 25% من الحضور للحدث الدولي الذي أقيم بالإمارات مؤخرًا، وهو ما يشير إلى الرغبة المتزايدة لمعرفة ظروف الاستثمار وإقامة الشركات والمشاريع بالسعودية من جانب المستثمرين والشباب العربي والأجنبي على حد سواء، لذلك لن نتعجب عندما نعرف أنه قد أكد ما يقرب من 97% من مؤسسي الشركات التقنية المشاركين في دراسة "إنديفر" أن لديهم نظرة تراوحت بين الإيجابية والإيجابية للغاية تجاه مجتمع ريادة الأعمال التقنية في الرياض خلال الحاضر والمستقبل.

 استطاعت السعودية أن تحقق نجاحات هائلة في اجتذاب الاستثمارات الخارجية، وفتح الباب أمام رواد الأعمال لإنشاء شركاتهم ومشاريعهم الناشئة المحلية، فضلًا عن العمل على دعم قطاع التجارة الإلكترونية والتقنية المالية، وتمكنها خلال الفترة الأخيرة من إنشاء شركات رأس المخاطر التي دعمت بالفعل عشرات الشركات الناشئة، وهو ما جعلها تنافس بشكل واسع العديد من دول المنطقة، ولكن بالرغم من بعض المعوقات التي مازالت تحتاج لمواجهة مثل وجود عدد من اللوائح الروتينية، ونقص الخبرات الإدارية والفنية والتنظيمية، إلا أنه إذا تسارعت وتيرة الإصلاحات بشكل أوسع ربما تصبح المملكة واحدة من أكبر مراكز ريادة الأعمال حول العالم خلال المستقبل القريب.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.