English

كيف تبني شركات التكنولوجيا المالية الناشئة نجاحها

English

كيف تبني شركات التكنولوجيا المالية الناشئة نجاحها
Kartik Taneja. Image courtesy of Mashreq Bank

بقلم: كارتيك تانيجا، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس المدفوعات في بنك المشرق

تتزايد أهمية الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في أسواقنا، مستفيدة من الفرص الهائلة الكامنة في الاقتصاد الرقمي، وباستثناء المؤسسات الكبيرة وتلك العملاقة، فإن الشركات الصغيرة والأفكار الجديدة غالباً ما تواجه تحديات تتعلق بالثقة واستقطاب العملاء. وفي بعض الأحيان، نكتشف أن الافتراضات التي أطلقناها كانت مفرطة في التفاؤل، وأن الحلول التي تبنيناها لم تكن جيدة بما يكفي لتكون قابلة للتطبيق. كما أن بعض البنوك بدأت تدرك جدية المنافسة والمزاحمة التي تفرضها هذه الشركات الناشئة، والتي غالباً ما تقدم حلولاً ذكية لمشاكل حقيقية ومحددة.

إن إطلاق الخطط والمقترحات الجديدة في أوقات يغلب عليها عدم اليقين الاقتصادي الكبير، وفي خضم ارتفاع معدلات التضخم وزيادة تكاليف الاقتراض، قد لا يناسب ضعاف القلوب، وبالمقابل لابد لأولئك الطامحين إلى تحقيق قفزات ناجحة أن يولوا العميل الذي يعتزمون خدمته اهتماماً كبيراً، إذ أن التكنولوجيا المالية التي تسهم في تيسير شؤون العميل والتخفيف من معاناته ستثبت جدارتها، وتكتسب زخماً إضافياً، وبالتالي تضمن استمرارية الأعمال التي تقدم لها قيمة ونمواً، وهو أمر في بالغ الأهمية.

واليوم هناك فرصة كبيرة أمام شركات التكنولوجيا المالية التي تبتكر في مجالات المدفوعات والإقراض (بما في ذلك خدمة اشتري الآن وادفع لاحقاً)، وهو قطاع فرعي يُظهر مؤشرات نمو متسارع، إلى جانب المجالات الأخرى مثل تكنولوجيا الثروات، وتكنولوجيا التأمين، والتكنولوجيا التنظيمية، والأمن السيبراني، والبيانات. ولكي تنجح شركات التكنولوجيا في هذه القطاعات وتستحوذ على الاهتمام وتستقطب العملاء، فإنها بحاجة للوصول إلى منظومة العمل الأكثر اتساعاً.

التعاون هو الحل 

يجب على شركات التكنولوجيا المالية التركيز التام على تحقيق النمو من خلال بناء الشراكات، واتباع التكتيكات الفاعلة، وتجزئة الأسواق، والإعلان، والتعاون. ولتحظى بمكانة لها في الأسواق وتحافظ عليها، أمامها فرصة ثمينة للمشاركة في النظام المصرفي المفتوح، في وقت تقدم فيه العديد من البنوك فرصاً عديدة للتعاون وبناء الشراكات، وتتطلع بنوك أخرى، تستشرف المستقبل، إلى نسج علاقات تعاون مع العشرات من شركات التكنولوجيا المالية في مختلف المجالات، بدءاً من المدفوعات ووصولاً إلى الإقراض والأمن السيبراني.

تتمتع البنوك التقليدية أيضاً بالقدرة على تزويد المبتكرين ببيئة آمنة للتطوير والاختبار من خلال تقديم منصات خاصة لاختبار حلولهم، وتطوير تدفق الإيرادات من عملياتهم، وفي بعض الأحيان تأمين تمويل الأسهم والديون أيضاً. وهنا يبرز اسم بنك المشرق في الطليعة بعد أن أطلق أول بوابة مطورة لواجهة برمجة التطبيقات في المنطقة، وذلك في سبتمبر 2021، بهدف تشجيع وتطوير رحلات وتجارب رقمية جديدة ومبتكرة للمستهلكين، والتي تعد في صميم ثورة "الخدمات المصرفية كخدمة".

وينبغي على شركات التكنولوجيا المالية، شأنها شأن الشركات الصغيرة، الحرص على الاستثمار في موظفيها أيضاً، وقد يكون هذا الأمر ضرورياً نظراً لتسارع وتيرة التغيير والتشبع المتزايد للأسواق. وتكمن الصعوبة التي تواجهها شركة التكنولوجيا المالية الناشئة في عدم وجود عدد كاف من الأشخاص ذوي الخبرات والمهارات المناسبة، ولعل أفضل نصيحة تُقدم لأولئك الذين ينجحون في توظيف مواهب على درجة عالية من الكفاءة هي الاستثمار في أصحابها وتنمية قدراتهم بذات القوة التي تُسخر لتحقيق النجاح المستقبلي لمؤسساتهم، فقد يتمكن أحد كبار المهندسين، على سبيل المثال، من حل مشكلة ما على نحو أسرع من العديد من المهندسين المبتدئين، كذلك يمكن لموظف مالي مخضرم أن يجتهد بأمر ما بشكل أسرع وأكثر فاعلية.

التخطيط والاستعداد للاضطرابات

دون شك إن الاستثمار في الأفراد وجميع الجوانب الأخرى لبناء شركة ناجحة، يحتاج من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية إلى رؤية واضحة لمعدل الخسارة المالية، وفهم متى وأين تأتي الجولة التالية من التمويل، وهنا يُنصح بشدة بوضع استراتيجيات مطورة على نحو مناسب للتخفيف من حدة الأمر (خطة ثانية وثالثة) مع الأخذ بالاعتبار طبيعة عالم التكنولوجيا المالية. وهناك قوى أوسع وأكثر تأثيراً في الميدان قد تنجح في تحييد الشركات الناشئة بسرعة وحرفها عن مسارها. وتشمل هذه القوى؛ الطبيعة المحفوفة بالأخطار في فترة ما بعد التعافي من الجائحة، والقوى الجيوسياسية، وعدم اليقين الاقتصادي الكبير.

أما الخبر السار للشركات الناشئة في دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام؛ فهو ما تشهده هذه الدول من عودة ثابتة إلى النمو الاقتصادي المستقر، وديمغرافيتها التي تتمتع بثقافة عالية، ويطغى عليها الشباب والطلاقة الرقمية، وهنا تكون الفرصة سانحة للشركات القادرة على تسخير هذه العوامل لصالحها وتجاوز المخاطر، للتوسع في المدى المتوسط، وبناء استراتيجية ومكانة مستدامة خلال فترة قد تمتد من 5-10 سنوات قادمة.

ورغم ذلك، نجد أن الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، ولا سيما تلك العاملة في مجال الخدمات المصرفية المفتوحة، تعاني أيضاً من سياسة الحماية التي أظهرتها بعض البنوك، والتي لا تزال تنظر إلى هذه الشركات بنوع من الريبة والشك، وأنها مصدر تهديد محتمل؛ وليست فرصة على الإطلاق. ونعتقد أن العمل مع المبتكرين ورواد الأعمال لدعم منظومة العمل المزدهرة للتكنولوجيا المالية سيؤدي إلى الارتقاء بتجربة العملاء الشاملة في جميع مراحلها.

ونحن في بنك المشرق ندرك ذلك تماماً، بل نؤكد على دور التعاون وأهميته في توحيد الجهود مع شركات التكنولوجيا المالية لمواكبة أحدث التطورات التقنية، وكنا دوماً حريصين على دعم منظومة عمل التكنولوجيا المالية في المنطقة ورعايتها، وقد نفذ صندوق التكنولوجيا المالية الذي أطلقناه أخيراً بالفعل عدداً من الاستثمارات الاستراتيجية في شركات التكنولوجيا المالية في دولة الإمارات.

ويمكننا القول إن شركات التكنولوجيا المالية التي تعزف عن مطاردة الكثير من الفرص وتقاوم إغراءاتها، وتركز تماماً على حلول محددة ضمن خططها، لديها القدرة على المشاركة فيما قد يثبت أنه بداية العصر الذهبي للتكنولوجيا المالية، إذ تشير بعض التقديرات إلى أنه سيتم تأسيس ما يزيد على 800 شركة ناشئة في دولة الإمارات في عام 2022، وقد تكون الفرصة مواتية لمضاعفة هذه الأرقام على المدى القريب.

وهذا المستقبل الواعد يحظى بدعم مطرد من أفكار ومفاهيم تنظيمية وطنية وإقليمية؛ باتت تدرك أن التكنولوجيا المالية مطالبة بإضفاء الحيوية على القطاع المالي، وأنه لابد للشركات الصغيرة أن تحظى بفرصة لخوض غمار التجربة، وهناك مؤشرات متزايدة على سن القوانين التنظيمية وإطلاق السياسات الداعمة التي تسمح بالتجريب، وتطوير مشاريع الأعمال الجديدة. وتعد صناديق الحماية التنظيمية جزءاً أساسياً من المعادلة. وتفخر دولة الإمارات باحتضانها لبيئات جرى إنشاءها بعناية، وتدار على نحو متميز، بما في ذلك مختبر تشريعات سوق أبوظبي العالمي، وبرنامج رخصة اختبار الابتكار التابع لسلطة دبي للخدمات المالية.

وختاماً أستطيع القول إن تعاون الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية مع الحكومات، وتضافر جهود أقران القطاع، وقبل كل شيء التركيز على سعادة العملاء، سيمنحها فرصاً قيّمة لتصبح من كبريات الشركات في المستقبل.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.